زيتون – أسعد شلاش
المصيبة أعظم، لأنك تعلم أنه لو اجتمعت أمم الأرض قاطبةً وأولها الدول العرببة والإسلامية والقوة العالمية الكبرى لم ولن يسمحوا بقيام دولة للقاعدةٍ في سورية أو خلافةٍ على (هدي النبوة) كما تردد كل يوم.
وحقيقة القول أن العالم كله لا يهمنا مادام الله معنا، وما أدراك أن الله معك، وهل يستطيع كائن من كان أن يجزم أن الله معه، وأهم من هذا وذاك ماهي الترجمة الواقعية على الأرض لما تدعيه أن (الله معنا)، لا أعرف إن كان يأمل من يدعي ذلك أنه من الممكن أن يمده الله بجنود من الملائكة تقاتل معه، والجميع يعلم أنه بعد بدر ما قاتلت الملائكة مع أحد حتى مع المسلمين في (أحد).
والثابت في الواقع وليس في أضغاث الأحلام أن دعاء العالم كله لا يوقف رصاصة ولا يأتي بالنصر إذا لم يأخذ بالأسباب، أما مصطلح (دولة على هدي النبوة) فليس له أي مدلول في القاموس السياسي المعاصر ولا فيما تقادم من القاموس الإسلامي، فالدولة كيان أو هيئة غايتها تسيير أمور الناس، وتتولى عليهم بطرق مختلفة، وكانت عبر تاريخنا المجيد هي ذاتها السلطة التي تأخذ بالدم، وهي ليست وصفة جاهزة كتبها السلف وما على الخلف إلا أن يسترجعوها من دكاكين فقههم ويشرعوا بتطبيقها من جديد حتى تأتي أكلها، متجاهلين أن إيقاظ الفكرة من سباتها الطويل دون تنظيفها بما استجد من متغيرات الزمان والمكان قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة، فاستنساخ تجربة في غير شروطها له نتائج كارثية لم يوصي رسول المسلمين من سيخلفه بعد وفاته، وترك الأمر مفتوحاً ليختار المسلمون من شاؤوا وبالطريقة التي يشاؤوا، وبعد جدل وأخذ ورد ومشاحنات بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة ولي أبو بكر الخلافة على المسلمين، وعندما مرض مرض الموت جمع الناس وطلب منهم أن يختاروا من سيخلفه، لكنهم أعادوا الأمر إليه فاختار عمر بن الخطاب بعدما تشاور مع عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، وتم اختيار عثمان من قبل لجنةٍ تتألف من ستة من الصحابة شكلها عمر قبل وفاته وبعد عثمان ولي علي الخلافة.
وعليه فإن كل من الخلفاء الأربعة قد تم استخلافه بطريقة تختلف عن الآخر، وكان من الممكن لهذه الصيرورة أن تتطور عبر الزمان إلى صيغة ما، كأن يتم استشارة عدداً أكبر من الناس، وذلك حسب إمكانات التواصل المتوفرة في ذلك الزمان، وقد ترقى إلى مايشبه الديمقراطية أو أي شكل آخر (ليست التسمية مهمة هنا) لو لم يقطعها معاوية بن أبي سفيان وتصبح السلطة من بعده وإلى يومنا هذا ملكاً عضوضاً مع بعض الانقطاعات الاستثنائية لأسباب ليس مجالها هنا.
هذا من ناحية استخلاف الخليفه، أما عن خلعه وعزله إن هو ظلم وجار، فلأن الصيرورة السابقة قطعت ولم تتطور، فكان بديلها هو الدم والاقتتال واغتصاب السلطة، وأولها ما عرف بالفتنة التي أودت بحياة عثمان، والتي ظلت آثارها تعصف بدولة المسلمين ردحاً من الزمن.
وعليه لم يترك لنا السلف أي خارطة ثابثة لا لتولي السلطة ولا لمساءلة السلطان، أما من حيث القانون المعمول به في دولة (الخلافة على هدي النبوه)، تطرح الحياة كل يوم أسئلة وإشكاليات جديدة تتعلق بحياة البشر ومصائرهم، وعلى الدولة التعامل معها وحلها وفق الدستور المقرر، وحتماً سيكون في دولة الخلافة الشريعة الإسلامية، وهما كتاب الله وسنة رسوله، رغم ما اعترى الأخيرة من تلفيق وإدخال، ولكن يبقى الشارع الذي سوف يفسر ويطبق هو من جنس البشر، وعليه يكون النص محكوماً بقراءته واجتهاده، المستند بدوره لبنيته ووعيه وملكاته المعرفية والنفسية والأخلاقية، وأحياناً مصلحته وفق مقتضيات الزمان والمكان، فعندما امتنعت بعض القبائل الإسلامية عن دفع الزكاة لبيت مال المسلمين، واجتهد البعض منها أن توزع على فقراء القبيلة، عارض عمر قتالها قائلاً هل سنقاتل المسلمين لأنهم لم يدفعوا الزكاة، فكان جواب أبا بكر المعروف (والله لو منعوني عقالا أدوه لرسول الله لأقاتلنهم عليه)، وكان ما عرف بحروب الردة، وتابع عمر جمع الزكاة إلى أن اعتبرها عثمان شأناً خاصاً بين المرء وربه، كذلك أوقف عمر في عام المجاعة العمل بحد السرقة المنصوص عليه في كتاب الله تماشيا مع الظرف الراهن. وأوقف العطاء للمؤلفة قلوبهم والذي كان يعطى لهم زمن النبي وأبو بكر، وعليه فإن للشارع الفرد دوراً مهماً في إسقاط النص على الواقع فأي هدي للنبوة ثابت.
فيما تقدم فالنص بمجرد خروجه من حيزه النظري إلى واقع التطبيق لابد أن يعتريه الكثير من التغيرات.
النص رمادي اللون وشجرة الحياة خضراء فلا من حيث تداول السلطة ولا من حيث الدستور يمكن اعتماد صيغة معينة وثابتة فما هو (هدي النبوة)؟.
بشر شيوخ الدين وصرخوا وأقسموا وهم يتباكون أنهم يرونها خلافة على هدي النبوة تخرج من دابق فخرجت لنا داعش، وبعد تشكيل التحالف الدولي الإرهابي لمحاربة الإرهاب اسكتوهم سلاطينهم وراحوا يوزعون على الناس أدعية للمناسبات والأوقات ويتحدثون عن نواقض الوضوء، لم تعلن إسرائيل عن يهودية دولتها إلا بعد ان غدت دولة قوية على كافة الصعد، ودولة خلافة إسلامية وفق معطيات الظرف الراهن ستكون في أحسن حالتها نسخة من طالبان أفغانستان.
وبالعودة إلى الموضوع الأساس فأولاً وأخيراً يبقى الواقع في حراكه هو ما يرغم النص على مجارته، فنحن لسنا وحدنا من يعيش على هذا الكوكب، فشئنا أم أبينا نحن محكومون بشبكة من العلاقات والمصالح والسياسات، وإن لم يتم أخذها بعين الاعتبار فمعناه اندثار وانتحار، وهذا ليس بجديد فالكثير من الأمم التي لم تستطع استيعاب حركة التاريخ تلاشت واندثرت.