زيتون
“أنا لست ضد الانفصال إن لم نستطع كسوريين العيش بسلام مع بعضنا، ولكن يكون الانفصال بالحسنى وليس باستغلال ظرف كالذي تمر به البلاد وفرض سيطرته بقوة السلاح”. بهذه الكلمات رد المعارض السوري، لؤي حسين، المحسوب في الأصل على ما تسمى “المعارضة الداخلية”، على إعلان كرد سوريا انفصالهم عن البلد بإعلام ما سمي بمقاطعة “روجافا”.
الإعلان الذي تمخض عن اجتماع رسمي لأكثر من 200 شخصية كردية مثلت منظمات مدنية وأهلية وميليشيات مسلحة، مكونَة عبر ثلاثين حزباً من الأكراد والآشوريين والتركمان والسريان، ومن قيل إنهم “العرب”، تم برعاية القوة الضاربة للأكراد في الشمال والشرق وهي وحدات الحماية، التي يتهمها مراقبون – فضلاً عن معارضين كثر – بأنها استغلت فترة الثورة السورية لتتمرد وتقوي شوكتها، ومن ثم تمرر مشروع سياسي خطير وكبير بحجم “الفيدرالية”، الأمر الذي يثير تخوفات عدة لها مبرراتها برأي هؤلاء، لعل أهمها احتمالات دخول مناطق تواجد الكرد في “صراع أهلي مسلح” مع باقي المكونات الاثنية، وفي مقدمتها العرب.
أولى التحولات الرسمية في الخطاب الكردي كانت، اليوم الخميس، عبر بيان أصدرته القيادة العامة لقوات الأمن الداخلي الكردي “الأسايش”، استعملت فيه وللمرة الأولى صيغة إقليم “روجافا”، التي تشير لفكرة “الفيدرالية” الكردية الجديدة التي تنادي بها تيارات غالبة من المكون الكردي السوري منذ زمن، والتي ما انفكت تطمح برأي مراقبين لتمريرها، لتجد في مجريات الميدان السوري المضطرب سياسياً وعسكرياً في الفترة الحالية، المناخ الأكثر ملائمة لإعلان الانفصال عن باقي مكونات الشعب السوري بشكل غير مباشر.
اجتماع الكرد لإعلان الانفصال الرسمي عن سوريا، أُجّل من ناحية الشكل كما ذكرت مصادر متابعة “لأسباب لوجستية”، بالإضافة إلى مطالبة المكونين السرياني والعربي بتطمينات “أن هذه الفيدرالية لن تنفصل عن سوريا”، في حين أكد قيادي كردي في “وحدات حماية الشعب” لـ”زيتون”، اليوم، إقرار وثيقة النظام الفيدرالي في شمال سوريا من قبل المؤتمرين في رميلان الحسكة بشكل رسمي، وأن “الانفصال” تم وانتهى.
التخوفات التي أشار إليها مراقبون من انعكاسات الانفصال الكردي في الميدان، بدت من خلال حملة هجومية كبيرة شنها ناشطون سوريون ومعارضون عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، منتقدين فيها بشدة موقف الأكراد من إعلان الانفصال، ومتهمينهم باستغلال الحراك الثوري لتمرير أجندات قومية “على ظهر الثورة” كما يقول سالم حداد، الناشط السوري من الحسكة.
ويضيف حداد في تصريح لـ”زيتون: “إذا كان الكرد لا يستطيعون العيش معنا كسوريين فليس من المبرر لهم أن يعلنوا شق الوطن، وأن يستولوا على مناطق يقولون إنها تابعة لهم، فهذه الاراضي ليست ملكهم، بل ملك السوريين جميعاً، وإعلان الانفصال له محاذيره، وستثبت الأيام القادمة ذلك”.
ويتابع بالقول “إن المتابع لحجم الانتهاكات الكردية بحق العرب بريفي دير الزور والحسكة تحديداً، ومناطق من ريف حلب، يعلم أن حجم الاحتقان كبير، لكن ما جرى بإعلان الكرد فيدراليتهم أخشى أن يمهد الطريق لشيء خطير على صعيد العلاقة مع المكون العربي”.
في المقابل، حذرت وزارة خارجية الأسد من وصفتهم في بيان لها، أمس، “المجتمعين في مدينة الرميلان”، من طرح موضوع الاتحاد أو الفيدرالية، الذي قالت إنه “سيشكل مساساً بوحدة الأراضي السورية، الأمر الذي يتناقض مع الدستور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية”، على حد تعبير البيان.
وعلى النقيض في سياسة الأسد المتخبط حالياً، لا سيما بعد توجيه الروس صفعة له بسحب قواتهم الرئيسية من سوريا، وردت معلومات بأن اجتماعاً مرتقباً سيجمع وزير دفاع الأسد، فهد جاسم الفريج، بمسؤولين في الوحدات الكردية، بعد وصول الأخير للقامشلي، فجر اليوم، قادماً من دمشق، حيث رجحت المصادر أن يجري النظام “صفقة ما” مع الكرد في هذا الخصوص، لإبقاء موطأ قدم له في المحور الشرقي من البلاد كخيار وحيد متبقي أمامه.
أما السوريون الذين يحتفلون خلال هذه الأيام بذكرى انطلاق الثورة السورية في مارس/أذار 2011م، فيرى قسم كبير منهم أن كلا طرفي النظام والمسلحين الكرد المتحالفين معه في خانة واحدة، وهي “الاشتراك في تقسيم سوريا”، كما تقول هبة الشامي الناشطة الميدانية من حمص.
وتضيف “اعتقد أن خبث النظام والوحدات الكردية كان متوازياً في إعلان هذا المشروع البغيض، الذي من شأنه أن يروج رسمياً لفكرة التقسيم في سوريا، بالتزامن مع هدوء الأجواء، وقرب تفكك تعقيدات الملف السوري”.
وترى الشامي أن “أي مشروع كهذا سيواجه الفشل والفشل الذريع حتى، وهذه رسالة للكرد كمواطنين سوريين بأن يتحركوا ليعلنوا موقفهم من هذا الموقف السلبي الذي يحمل معاني خيانة المواطنة برأيي”، على حد تعبيرها.