براء عنتر طفلة عمرها عشر سنوات، تدرّس الأطفال في مخيم يسكنه 400 نازح سوري يسكنون 50 خيمة منصوبة وسط أرض زراعية في بلدة كترمايا في جبل لبنان.
منذ أن نزحت عائلتها قبل ثلاث سنوات عن بلدتها كفر بطنا في ريف دمشق بسبب الحرب الدائرة هناك وحطت رحالها في المخيم في رحلة نزوح شملت أكثر من محطة وبراء تثابر على تعليم أطفال المخيم الذين حرموا من تلقي تعليمهم الأولي.
لكن “الآنسة” براء كما ينادونها تجيد دور المعلمة، فهي تُحضّر ملفات تلاميذها بمنتهى الدقة وتهيّئ لهم الأسئلة كل على ورقته التي تحمل اسمه ولا تنسى ان تزين ملفات التلاميذ برسومها اليدوية تضعها فوق طاولة خشبية مهترئة تتراقص يُمنة ويُسرة.
أما مقاعد التلاميذ التقليدية فقد استبدلتها براء بحكم الظروف القاهرة بصفوف من الأحجار. كما استعاضت عن لوح الحائط بالرسم بإصبعها في الهواء لتصوير كيفية كتابة الأحرف.
وتقف فتاة صغيرة اسمها رندلى لتقول للمعلمة “آنسة انا عملت فرض الابجدية”. وتضيف براء “انا احب درس الآنسة براء فهي تعلمنا من دون ان تصرخ علينا”.
وفي الاستراحة وقبل الانتقال الى درس اللغة العربية قالت براء ردا على سؤال لـ”رويترز” عن الهدف من تعليم الاولاد “لأني أحبهم ولا أريد أن يصبحوا جاهلين أدرسهم ما درسته أنا في المدرسة في سوريا.”
هي وإن كانت مدرّسة في المخيم لكنها تلميذة في نفس الوقت إذ أنها تذهب يوميا الى مدرسة البلدة بدوام مسائي.
تختصر الأجوبة وعيناها ترمقان تلاميذها الذين ينتظرونها بفارغ الصبر وتقول “في لبنان تعلمت الفرنسية واحببتها وصرت أدرسها للصغار وأعلمهم بالفرنسية كل ما أتعلمه.”
تشكو المعلمة الطفلة غياب أي دعم من اي جهة “نكتب على وجهيْ الورق وليس لدينا أقلام بعدد التلاميذ، لأن لا أحد يشتري لنا دفاتر ومستلزمات التدريس”. وللمصادفة ينادون في المخيم على براء فقد حضر أحد الصحفيين حاملاً هدية لها، لوحاً صغيراً وعشرات الدفاتر وأقلام الرصاص والتلوين والبرايات والمحايات والكرتون والمساطر.
ويقول الصحافي الذي رفض ذكر اسمه “لأن براء أثرت بي كثيرا عندما رأيتها خلال زيارتي للمخيم قبل يومين وهي تعطي الدروس لرفاقها بكل جدية وتمكن وقررت أن أتبرع لها بعدما شعرت بحاجتها الماسة للوح والدفاتر والقرطاسية”.
طارت براء من الفرحة عند استلامها هبة الصحفي وأسرعت نحو “الصف” قائلة “أنظروا ماذا أحضروا لنا” جمعت الأوراق البيض من أيدي الأطفال ووزعت عليهم الدفاتر الجديدة وأقلام الرصاص والتلوين والقرطاسية ثم طلبت الهدوء “هيا نكمل الدرس”، ثم طالبتهم بنسخ الأحرف الابجدية لأكثر من مرة كما قامت بتهجئة اسم كل منهم وكذلك أسماء المدن السورية الكبرى.
وقالت ان أغلى أمنياتها “أن تنتهي الحرب بسوريا وأن أعود مع أهلي الى البيت والى مدرستي هناك إذا لم نعد لسوريا سنصبح مثل الفلسطينيين بدون بلاد. مستحيلة الحياة هنا.. أشعر أنني أسكن في البريّة”.
المصدر: “رويترز”