زيتون : أسامة عيسى
أثارت المعلومات التي تضمنها البيان الختامي لقمة بروكسل التي اتفق فيها قادة الاتحاد الأوروبي وتركيا، الاثنين وليلة الثلاثاء، على ضرورة إغلاق مسار البلقان بوجه اللاجئين وتقديم أموال إضافية لتركيا مقابل ذلك، ضجة كبيرة في دول أوروبا، التي يتواجد فيها آلاف اللاجئين السوريين، ضمن أسر مشتتة، قسم كبير منها ينتظر قادمين عبر تركيا، وتحديداً عبر الطريق المقرر إغلاقه.
نكسة عامة وكأنها الفاجعة بدت على أوجه عشرات السوريين في السويد وألمانيا وبلجيكا والدنمارك وهولندا وفنلندا وفرنسا، وغيرها من الدول التي تحتضن مهجري سوريا، الذين ذاقوا كافة صنوف الموت، بما فيها أقساها حتى وصل الأمر بهم مشتتين إلى القارة العجوز، لكن القرار المشار إليه قتل ما تبقى من أمل فيهم لجمع شتاتهم بأقارب لهم، منهم من بقي في سوريا، وأخرون في دول الجوار وأخرى غيرها.
“أبو قصي”، لاجىء سوري في السويد، يقول إنه كان ينوي إخراج زوجته وأطفاله من جحيم الحرب الدائرة في سوريا مطلع شهر أبريل/نيسان القادم ليأتوا إليه، لكن القرار التركي الأخير “خيب أمله بتركيا”، ويضيف “صار لي متواجد في هذا البلد 7 أشهر، لغاية الأن لم يسألنا أحد لماذا أنتم هنا. زوجتي وأطفال يعيشون تحت القصف شمال سوريا، كل يوم يقولون لي أن الطيران يقصف قربهم. مرة تسقط البراميل هنا، ومرة الصواريخ هنا. أصبحت أنا وأفيق على وقع خبر قد ينهي حياتهم وحياتي معهم. لا يهدأ لي بال أقسم بالله وأنا أفكر بهم وأبكي عليهم ليل نهار…!!”.
ويتابع “طلبت من زوجتي أن تتحضر حتى يصبح الطقس جيداً لتأخذ الأولاد وتسلك طريق الموت، لأنه لا بديل آخر. لم الشمل في هذه البلد يحتاج مدة طويلة، أنا لا يمكنني أن أترك عائلتي تحت النار. لن أسامح نفسي إذا ما أصابهم مكروه، واليوم تفاجأت بما حصل من جانب تركيا. لم أكن كسوري ولا باقي من أعرفهم نتوقع بيوم أن تكون تركيا شريكة في التضييق علينا.. كفانا تعبنا..”.
بينما ترى سالمين الخالدي، وهي أم لطفلين بقي والدهم في حلب، أن الحلم المنتظر في وصول رب الأسرة إليها “بعد عشرين يومياً” أصبح هباء منثورا ، بعد ما قررت تركيا إغلاق طريق العبور ، وتضيف: “ماذا نفعل الآن. ماذا أفعل بنفسي وبأولادي؟ أين نذهب؟ وكيف سنبقى على هذه الحالة، سبعة أشهر وأنا موجودة في الدنمارك ولم يعطوني موعد لأجري مقابلة، متى سأحصل عليها؟ ومتى سألم شمل زوجي . كان مصاب عندما خرجنا، طلب منا الفرار من الموت ليتبعنا عندما يتشافى. الآن وبعد أن كان ينوي في مطلع الشهر القادم القدوم إلينا أصبح كل الحلم هباء منثورا..!!”.
وتعتبر سالمين أن “العالم بأسره أثبت الآن أنه شريك في المؤامرة على الشعب السوري، بما فيهم من كان السوريون يظنون أنهم من حلفهم كمظلومين تكالبت عليهم الأمم”، بحسب قولها، وتقول في كلام موجه للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان: “كنا ولا زلنا نعتبر الطيب (الرئيس التركي) زعيم الإنسانية في العالم عندما افقتدها كثير من الزعماء. كنا ولا زلنا نأمل منه خيراً لنا، ونراه في صفنا كشعب تعرض للظلم من قبل كل العالم..”.
وتضيف بعد تنهيدة طويلة: “لكن .. لا أدري إن كان الكلام ينفع الآن والبكاء له أثر، والله لم تجف دموعي من يوم أمس عندما سمعت بذلك. أنتم لا تعلمون ما حال الأنثى من دون زوجها في هذه البلاد الغريبة علينا.. لعن الله من أوصلنا لها.. لعنه الله ألف لعنة..!!”.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أمهل نفسه عشرة أيام لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق جديد مع تركيا، لوقف تدفق المهاجرين من أراضيها، ينص على أن تستعيد تركيا كل المهاجرين غير الشرعيين، بمن فيهم السوريون، الذين يصلون إلى الاتحاد عبر بحر إيجة، وفق ما نقلت “الأناضول التركية”.
“أم خالد” المقيمة في هامبورغ الألمانية تدعو الله “أن تموت هي وأطفالها الأربعة ليرتاحوا من الحياة”، وتبرر دعوتها المؤلمة بالقول: “لم يبقى نوع من الموت إلا وذقناه. لم يبقى ذلّ إلا وتعرّضنا له خلال خمس سنوات. في بلدنا أذلنا بشار الأسد، وعندما خرجنا أذلنا الجميع. أنا أدعو الله أن يموتنا لنرتاح مما تبقى من هذا العمر…!!”.
وتشير “أم خالد” إلى أن ثلاثة من أبنائها، بينهم طفل دون 15 عاماً، بقوا في تركيا، بانتظار أن يلحقوا بها إلى ألمانيا التي وصلتها منذ ثلاثة أشهر، بعد أن دفعتها “ظروف لا يعلمها إلا الله” كما تقول إلى الافتراق عن أولادها، بعد أن استشهد والدهم في قصف طال ريف إدلب.
بدوره يقول “أبو حمزة”، وهو لاجئ من ريف دمشق في السويد إنه في طريقه لـ”تقديم طلب عودة”. يؤكد أنه لن يبقى بانتظار لم شمل زوجته وطفله الذين بقوا في غوطة دمشق، ويضيف: “الموت أشرف من هيك عيشة، أنا وفق هذا القرار بحاجة ما لا يقل عن سنتين لتصل زوجتي وطفلي إلي، إن لم يكن أكثر، اسأل أي شخص موجود في السويد عن لم الشمل سيخبرك ما الوضع.. لذا سأعود.. إلى أين لا أعرف!! لكن سأطلب تسليمي جواز سفري، فزوجتي وطفلي أغلى عندي من كل شيء في العالم.. لأنه لم يكن ينقصنا بعد الموت إلا غصّة قبر!!!”.
الجدير بالذكر، أن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، أعلن، اليوم الثلاثاء، أن “زمن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا قد ولى”، في إشارة لإغلاق طريق التهريب من تركيا، الذي يتم في غالب الحالات عبر “بحر إيجة”.
وجاء هذا القرار بعد اتفاق مع أنقرة، يقضي بمنح تركيا مزيداً من الأموال لمساعدة اللاجئين، وكذلك على تسهيل حصول الأتراك على تأشيرات الاتحاد الأوروبي ودفع محادثات انضمام أنقرة للاتحاد، مقابل إقفال الطريق، في سبيل حل أزمة المهاجرين في القارة الأوروبية.