زيتون – رائد رزوق
بكل قهر المغلوبين، وبوجع المنهكين، تقف إمرأةً في داريا، تحمل طفلتها الذي لم يتجاوز العام، تظهر عليها بشكل واضح آثار الجوع والمرض كما أمها، تقول أمام عدسة أحد النشطاء: «هذه الطفلة مريضة بالقلب، لايمكنني أن أعالجها، ولا أستطيع أن آخذها الى أي مشفى خارج داريا، منذ أن بلغت الثلاثة أشهر تعيش على البرغل والأرز، لم أستطيع إرضاعها».
في وقفة احتجاج لأهالي داريا مطالبين بدخول المساعدات الغذائية والطبية ووقف القصف والحصار على مدينتهم بتاريخ 21/2/1016 وقفت مجموعة من الأطفال والنساء حاملين مطالبهم البسيطة بالحياة، «أوقفوا البراميل، نريد حليباً للأطفال، أنقذونا من الموت».
صرخة أخرى تلتقطها الكميرا لطفل في الثانية عشرة من عمره يقول: «ليس لدينا شيء، لا كهرباء ولا ماء ولا طعام، يوميا يأتي الطيران ليرمي براميله علينا، أنظر البارحة سقط برميل هنا على هذه المدرسة»
«فادي دباس» عضو مكتب العلاقات العامة للمجلس المحلي لمدينة داريا قال لـ «زيتون»:
«داريا هي من أقدم مدن الثورة التي أحكم حصارها من قبل النظام السوري، وقبل أشهر قليلة كثف حملته العسكرية و فصل بينها و بين المعضمية، اليوم داريا محاطة بقوات النظام السوري من جميع الجهات»
يوجد أكثر من (٨٣٠٠) مدني لم يدخل لها طيلة ثلاثة سنوات ونصف من الحصار أي مساعدات أو فرق أممية هذا بالاضافة للقصف بالبراميل المتفجرة، أكثر من (٦٠٠٠) برميل منذ بداية استخدام البراميل المتفجرة في شهر 12 من عام 2013، واليوم في وقت الحديث عن وقف إطلاق النارتشهد المدينة تصعيد خطير يهدد حياة المدنيين، فالمدنيين في داريا محرومون من أبسط مقومات الحياة (فلا خدمات طبية لا أدوية لا مياه شرب ولا وجود للكهرباء مع شح هائل للغذاء)، جيل كامل من الأطفال لا يتلق تعليم منتظم، وجيل أخر ولد في هذه الظروف يعاني من قلة الرعاية و الغذاء، و هذا ينذر بتشوهات وعدم اكتمال نمو لا قدر الله».
أما الناشط الميداني «مهند أبو الزين» عضو المكتب الاعلامي للمجلس المحلي في داريا سابقاً يضيف لـ «زيتون»:
«لقد بدأ حصار داريا منذ (8/11/2012) ويأتي اعتصام النساء و أطفال داريا المحاصرين اليوم بجانب أحد المدارس المدمرة لتوجيه مطالبهم للجهات الخارجية و المنظمات الدولية والأمم المتحدة، أولاً رفض التجاهل المتعمد من الأمم المتحدة و المنظمات الدولية لوجودهم في داريا، رفع الحصار، إيقاف القصف، دخول وفود دولية لمعاينة الوضع عن قرب، والتأكيد على وجود مئات العائلات المحاصرة والتي تتعرض لقصف يومي و حصار جائر و نقص بكل الاحتياجات، ويأتي الاعتصام بعد إزدياد سوء الأوضاع الإنسانية نتيجة إحكام الحصار وتمكن النظام من فصل داريا عن المعضمية، وبدء حملة عسكرية من النظام لإقتحام المدينة، وسيطرته على مساحات زراعية كان سكان المدينة المحاصرين يستفيدون منها في تخفيف معاناتهم».
بدوره، قال الناشط الحقوقي معروف محمود لـ»زيتون»: «لا زالت الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وميليشيات حزب الله تحاصر قرابة 13 ألف مدني بداريا منذ أكثر من 3 سنوات، حيث بلغت الأوضاع الطبية والغذائية حالياً حدوداً باتت تنذر بالخطر، في ظل اشتداد وتيرة الحصار، بالتزامن مع عمليات القصف والهجوم التي يشنها الأسد وميلشياته للسيطرة عليها».
يشار إلى أن مدينة داريا تتعرض لأعلى معدل من البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام في سوريا حيث تجاوز إجمالي عدد البراميل ٦٦٠٠ برميلاً، إضافة إلى التصعيد الكبير في الحملة العسكرية منذ ٤ أشهر الذي أدى إلى الفصل الكامل بين مدينتي داريا ومعضمية الشام.
قصص من داريا
قصص كثيرة للبطولة والشجاعة وصلت من داريا، كثير من الناشطين صاروا يطلقون أسم «ملائكة داريا» على مقاتليها وكفاءتهم ورجولتهم.
أبو مالك فيصل الشامي ممثل الحراك الثوري عن دمشق، وقائد “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام” استشهد إثر إصابته في داريا بالأمس، لم تجد وسائل الإعلام صورة له فاستبدلوها بصوراً تعبيرية عن الثورة، لاحقاً نشر رفاقه صورة له قالوا أنها للشهيد فيصل الشامي.
«أبو علي الشمالي» سبعيني من إحدى قرى سراقب، حكى لـ «زيتون» عن تجربة اعتقاله التي استمرت ثلاثة شهور في فرع فلسطين بدمشق، بعد توقيفه على أحد الحواجز في القابون أثناء عودته من تجارة له وقال: «لولا أحد الشبان الشجعان لما خرجت حياً من السجن، أحد شبان داريا أنقذني من الموت ويدعى: (إياد رأفت مصطفى حاج إبراهيم)، كان يرفعني الى فتحة في السقف لأستطيع تنفس الهواء، ولقد رأيته كيف وقف أمام جلاديه بشجاعة لم أرى مثلها، متحدياً لهم ورافضاً كل ما يملوه عليه شاتماً بشار الأسد في غرفة التعذيب، ليقتلوه بعد أيام، ويرموه في ممر السجن، ولمأتمالك نفسي فقبلته على جبينه رغم وجود السجانين، وبناء على وصيته إلتقيت بوالدته بعد خروجي لأبلغها وصيته بأن لا تبكي عليه فقد مات كما أحب، لم تبك بل حمدت الله ومضت».
داريا خارج الهدنة وناشطون يطلقون هاشتاغ #لا هدنة دون داريا
شيعت مدينة داريا صباح السبت الماضي، أول أيام الهدنة التي وقعت عليها الدول الكبرى حول سوريا، شهيدين جراء نقص المواد الطبية والأدوية في المدينة المحاصرة من قبل قوات النظام وميليشياته الطائفية.
وأكدت مصادر ميدانية لـ «زيتون» إن مدنيان استشهدا في مدينة داريا جراء نقص الأدوية والمعدات الطبية إلى جانب نقص الغذاء والقصف المتواصل على المدينة.
وكان مصدر عسكري تابع لنظام الأسد أكد لوكالة الأنباء الفرنسية في وقتٍ سابق، أن مدينة داريا غير مشمولة بقرار وقف العمليات العسكرية، لأن جبهة النصرة أحد الفصائل المقاتلة داخل المدينة على حد زعمه.
وكان ناشطون قد أطلقوا عدة وسوم تعبيراً عن رفض الهدنة في حال استثناء مدينة داريا المحاصرة والتي تتعرض لهجمة شرسة منها، حيث غرّد الناشطون على وسم #لا هدنة دون داريا مشيرين إلى أن المدينة صمدت أمام آلة إجرام الأسد وميليشياته.
تمتلك داريا موقعًا مهماً كونها تحاذي حي المزة الدمشقي الشهير وسط العاصمة، وتبعد المدينة عن العاصمة دمشق 7 كم وعن القصر الجمهوري 5 كم، كما أنها تحاذي عددًا من الطرق الرئيسية مثل «أوتوستراد المزة» و «أتوستراد درعا الدولي» وطريق «المتحلق الجنوبي»، كما تقع بمحاذاة مطار المزة العسكري، ومقر المخابرات الجوية الواقع ضمن كتلة المطار، كما أنها تقع بين مساكن عديدة لعناصر وقيادات الحرس الجمهوري، فضلاً عن قربها من مركز انطلاق حافلات السومرية.
سوّى القصف أبنية المدينة بالأرض، ولم يستثنِ ذلك القصف مساجد المدينة، إذ تم قصف 11 مسجداً، ويأتي مسجد حزقيل والمنبر والتوبة وعثمان بين عفان والخلفاء الراشدين ضمن قائمة المساجد التي تعرضت لانتقام النظام من المدينة التي تحدّت الأسد منذ بداية الثورة، وتتعرض بشكل يومي لقصف مكثف من الطيران المروحي وصواريخ الفيل إذ سجل ناشطون سقوط 76 برميلاً و 14 صاروخاً ومئات القذائف المدفعية يوم الجمعة الماضي على أحياء المدينة، وهو يوم عادي كباقي الأيام.
قوات الأسد مدعومةً بالميليشيات الطائفية وسلاح الجو الروسي، تشن حملة عسكرية عنيفة منذ 4 أشهر على المدينة الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة منذ عام 2012، في حين يتبع نظام الأسد سياسة الأرض المحروقة في معركته التي يخوضها تحت إشراف خبراء روس وبقيادة الميليشيات العراقية، على المدينة، بعد فصلها عن مدينة معضمية الشام.
ويقاتل في المدينة لواء شهداء الإسلام التابع للجبهة الجنوبية في الجيش الحر ويمسك 80% من جبهات المدينة، إلى جانب الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام.
كانت داريا ترفض دائماً “أن تستثني نفسها بالدخول في اتفاقيات هدن ومصالحات
وأكد قائد لواء شهداء الإسلام في داريا الرائد سعيد أبو جمال في تصريح للائتلاف أن المقاتلين الموجودين في داريا كلهم من قوات الجيش السوري الحر، ولا يوجد هناك أي عناصر أخرى سواء من جبهة النصرة أو سواها، وذلك منذ 3 سنوات.
وقال النقيب أبو جمال إن “داريا تمثل أنموذجاً ثورياً وطنياً خالصاً ولا يوجد فيها أي مشاريع عابرة للحدود، وهذا هو ما يربك نظام الأسد ويجعله يعتقد أنها تمثل خطراً حقيقياً عليه، فهو منذ بداية الثورة تذرع بنظرية المؤامرة وألصق تهم الإرهاب بجميع الثوار وقام بتجنيد الجماعات المختلفة لكي يشوه صورة الثورة لكنه لم ينجح بذلك في داريا، وفي كثير من المناطق الأخرى”.
وأضاف أبو جمال: كانت داريا ترفض دائماً “أن تستثني نفسها بالدخول في اتفاقيات هدن ومصالحات، بالرغم من عشرات العروض المقدمة من النظام، وذلك من مبدأ عدم تفرغ قوات النظام لمناطق أخرى واجتياحها، واليوم داريا تدخل الهدنة لأنها تشمل جميع المناطق الثائرة”، مشدداً أن على المناطق الأخرى اليوم ألا تقبل باستثناءها.
تمضي الهدنة في أيامها الأولى مريبة وثقيلة على المناطق المحررة، التي تنظر بأسف الى جزء منها في داريا ما زال يتعرض للموت، في فصل جديد من مسرحية انحطاط هذا النظام ووحشية هذا العالم.