مَن يسيء أكثر؟
بغضّ النظر عن الفارق بين الثقافات وحريّة الرأي والتعبير المتاحة في الحقل الثقافيّ ففي حقل ثقافة ما يُعرف (بالاستبداد الشرقيّ) قد لا يكون من المسموح به الإساءة لأيّ من المعتقدات الدينيّة ولا لأيّ رمز من رموزه.
لكنّ السؤال المطروح كيف تتجلّى الإساءة لأيّ معتقد أو رمز إذا ما اعترفنا أنّ الرسوم الكاركاتوريّة التي نشرتها الصحيفة الفرنسيّة أو أيّ صحيفة أخرى قبلها هي إساءة وفق حقلنا الثقافيّ، فما هو شكل هذه الإساءة وحجمها؟
لا شكّ أنّ هذه الإساءة أوّلا وأخيراً هي إساءة ذات طابع رمزيّ ومعنويّة من حقل ثقافيّ نعتبره مغايراً ومختلفاً، ونسيء كلّ يوم، بل كلّ ساعة إلى كلّ قيمه ورموزه بما فيها الدينيّة
ثمّ إنّ ما نقدّمه لإسلامنا ورموزه من إساءة عمليّة لا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بما تقدّمه إساءة متأتّية من صورة أو حتّى فلم.
منذ متى ونحن نصرخ ونتباهى ونعتزّ بأنّ إسلامنا هو خاتم الأديان وأنّ الله قد تكفّل بحفظه.
من يثق بدينه ومعتقده لقناعة راسخة بصواب تعاليمه عليه أن يقتنع أنّ الحقيقة لا تخدشها الصور والرسومات.
ولنحسم الجدل ونعتبر أنّ ما تمّ فعلاً هو إساءة ولكن أليس ما يتمّ يوميّاً في ديار الاسلام من ذبح بالسكاكين للرجال بدم بارد، بل وبمتعة تحت ذرائع واهية مجهزة مسبقاً “مثل شبيح ومرتّد” هو إساءة أكبر من كلّ إساءة، أوليس إنزال امرأة في حفرة من قبل معممين سرقوا المقدّس وادعوا زوراً وبهتاناً أنّهم يطبّقوا شرع الله وضربها على رأسها بالحجارة مع التكبير هو إساءة لكلّ المقدّس ورموزه.
من يسيء للإسلام؟
ما يسيء للإسلام يا مسلمين أكثر من كلّ الصور هم أولئك الذين يرتكبون الفظاعات والجرائم باسم الإسلام وتراهم ينتشون وتتعالى أصواتهم (الله أكبر … الله أكبر) وكأنّهم في عرس وثنيّ يقدّمون قرابين لآلهتها ما قبل كلّ الديانات التوحيديّة.
أيّ إسلام هذا الذي يصدرونه للعالم وبعد كلّ هذا لا يريدون من العالم أن لا يسيء للإسلام وبغوغائيّة جوفاء منقطعة النظير، إن دلّت على شيء فهي لا تدلّ إلّا على حماقة بدائّية لم تتجاوز بعد أخلاق القبيلة.
أيّ تركيبة بشريّة وأيّ قيم يقيّم بها هذا الذي لا تهزّ مشاعره امرأة تتوسّل أن ترى أبناءها قبل أن يفرغ خصاءة الشرف رصاص هوسهم في رأسها، لكنّه يصرخ ويتباكى ويتظاهر من أجل صورة لحبيبه (المصطفى كما يدّعي) والمضحك أنّه يطالب بمقاطعة البضائع الغربيّة وكأنّه يظنّ أنّ أوربّا ممكن أن تنهار اقتصاديّاً إن هو قاطع بضاعتها وكأنّ جهله أو شدّة حماقته أعيته وأنسته أنّه إن ما لبيّنا دعوته سنعود إلى عصر ما قبل الصناعة، إلى ما قبل القرون الوسطى أيّام كنّا نركب الحمير ونتجوّل بين المضارب والخيام، لأنّنا حقيقة لم نغادر ثقافة القبيلة.
فما يرتكب من قبيلتنا من بشاعة يظلّ شأن من شؤوننا فيحقّ لشيخ قبيلتنا أن يذبح رجالاً ونساءً ويخطف شبابنا ويسيء لديننا، كلّ هذا لا يهزّ مشاعرنا ولا يتطلّب منّا التصدّي له حتّى ولو نظريّاً.
هل هو الخوف يحول دون ذلك عمليّاً أم أنّها ثقافة القبيلة والتي تستنفر وتستفزّ عندما تكون الإساءة من قبيلة أخرى أم أنّه نوع من النفاق والكذب على الذات قبل الآخر ، والتي أورثتنا عهوداً طويلة من الاستبداد.
فالنزول إلى الشارع والصراخ والتباكي والسبّ والشتم في شرق غير ذي حريّة لن يسمعها إلّا أنت، وأنت تعي ذلك تماماً، ولكنّها لعبة الكذب على الذات، فبعد هياجك وصراخك تعود إلى منزلك وأنت مرتاح البال والضمير بأنّك أدّيت واجبك تجاه من أساء لحبيبك المصطفى، إنّ من يسعى فعلاً لأن يمنع الإساءة إلى رموزه الدينيّة عليه وقبل كلّ شيء أن يحترم معتقدات الآخرين وقيمهم إن لم نقل رموزهم، عليه أن يتوقّف يوميّاً عن تهديدهم بالذبح والقتل وأخذ أموالهم كغنائم، ونسائهم كسبايا، عليه أن يعود إلى ذاته وما حوله ويبحث في أسباب تخلّفه وكيفيّة علاجها، عليه أن يتوقّف عن الصراخ بأنّه أفضل العالمين، بل يعمل فعلاً لأن يدخل عصر الحضارة بما يليق به كبشر.
اياد الحسن