زيتون – عبد الرزاق كنجو
غالباً ماكان يتسابق المشاركون بعرض أعمالهم الفنية من أجل تخصيص مكان ملائم لهم في صالة العرض, كما يحرصون علي أن تكون أعمالهم في مكان ظاهر أمام نظر المشاهد الزائر, آملين بأن يحظى بأكبر فترة زمنية يتوقف فيها المشاهد للتأمل والمناقشة مع بعض الحضور والمعجبين.
لكننا نجد لوحة الفنان التشكيلي نذير نبعه دائمة الحضور متصدّرة احدى أهم الجدران الاربعة في صالة العرض لكونها ــاللّوحةــ تفرض وجودها ومكانها على المتخصص بتوزيع الأعمال في المعرض المشترك لمجموعة من الفنانين المبدعين.
ذلك لآنها غنية بالموضوع الذي تعالجه فضلاً عن وهج الألوان وألقها الذي يشدّ عين الناظر, وتجعله يقف في سكون تام رهباً.. ورغباً.
الرهبة من الأداء المتمكن في طريقة الرسم والتصوير والتلوين, والرغبة في الوصول وفهم مايرمي اليه نذير نبعة من موضوعه الذي يعالجه في هذه اللوحة والتي تبدو بسيطة الى أبعد الحدود وبعيدة عن تعقيدات الرموز التي أصبحت “موضة فارغة” عند بعض الساعين لسرعة الشهرة الفنية الواهية.
بعد أن أتم دراسته الآكاديمية في القاهرة متأثراً بالحضارة الفرعونية ورسومها والآساطير القديمة, التفت الى ملامح ساكنيها ببشرتهم السّمراء وإلى تلافيف الألبسة الزاهية المستمدّة من إشعاعات الشّـرق وانعكاس شمسه الساطعة على الآجسام.. وعلى النفوس الطيبة في آن واحد, مما جعله ينتج لوحات متميّـزة لها سحـر شرقي ممتزج ببعد حضاري غابر, مستوحياً معظم أعماله من المرأة الشرقية بعيونها الواسعة التي يغلب فيها البياض الناصع على السواد ليتجاور مع كحل العيون الواسعة, مضيفاً لبناء وتكوين اللّوحة العناصر المحلية من الفاكهة والورود الزاهية بينما القلائد والأساور والخواتم المرصّعة بالأحجار الكريمة لاتترك مجالا للزينة إلاّ وتواجدت فيه بكثافة لافتةً مبالغٌ فيها كي تليق بالمرأة الشرقية المحتشمة.
أكمل تخصصه العالي في باريس الفرنسية وعاد ليكون أحد أعمدة وروّاد الفنون التشكيلية السورية وليكون أستاذاً في الكلية التي خرّجت الكثير من الفنانين الذين انطبعوا وتأثروا بمدرسة نذير نبعه الشهيرة بألوانها المشعّة ومواضيعها الإنسانية الزاخرة بالأمل واستبعاد التشاؤم من النفوس، التي تحيط بها جميع المحبطات لهذا الجيل الذي وجد نفسه وسط ظلم عالمي واستهداف لحضارة ووجود الانسان في هذه البقعة من الأرض العربية.
لذلك كان نذير نبعة يحرص على رسم الموضوع الذي يريد أن يعبّر عنه بطرق وبأساليب مختلفة، ضارباً عرض الحائط تلك الحواجز الوهميّة في أسلوب الرسم أو تبعيّة التعبير لهذه المدرسة الفنية أو تلك, متسلحاً بحريّة التعبير التي يراها ــ هـوــ مناسبة للوصول الى عقل وعين المشاهد المتلقي ــ والذي هو غايته ــ قبل المباشرة في أيّة لوحة يعالج فيها موضوعاً جمالياً محدداً.
ذلك لإعتقاده بأن الموضوع يتبدّل بتبدّل الهدف الذي سيرسم له ولهذا استخدم الواقعية التسجيلية والتعبيرية وفي أحيان نادرة التجريدية, في ذات اللّوحة هادفاً قبل كل شيء.. إظهار فكرته التي تجول بذهنه وأهدافه والغاية منها.
ونتيجة لهذا النجاح الصامت الذي كان يواكب أعماله وجدناها تخرج من الصالات الحبيسة ــ والتي يكون زوارها عادة من المهتمين بمتابعة الحركة الفنية وتطورها الثقافي ــ
لـكن الى أين خــرجت ؟؟
لقد خرجت صور أعمال الفنان نــذيـــر نـبــعــه من القاعات على شكل “بوسـترات إعلانيّة كبيرة مطـبـوعة”, وتم تعليقها بعناية على أعمدة أجمل الشوارع وأكثرها ازدحاماً في دمشق وحلب, لعرضها على أكبر عدد من الجمهور عنـد ذهابه وإيابه في مشاوير عند سـيـرهـم على الأرصفة العريضة, وذلك من قبل إحدى أكبر شركات الإعلان والتسويق في ظاهرة طريفة ونادرة, بحيث أن لوحات الفنان نــذيــر نـبــعــه كانت وسيلة للترويج والدعاية.. لشركة الإعلان والدعاية.