إنهُ يوم كـ كلِّ يوم مُنذُ جيل، إلا أنهُ يُعدُ اكتشافاً لـ الليل الذي لم أكنُ أعرفه أو لعله )على الأقل( صباح يصلح لـ لعن كل شيء أمامي:
كنت قد قرأت جيدا، تمعنت في تفاصيل ما كتب هنا وهناك ،عن شهيد بألف جسد ،عن طفل يقطف ثمار الجنة ،أخرٌ معلق ما بين الرحلة والمستقر ينظر بعيون لا نملكها الى ملك الموت المخبأ في أظافرنا ، لإله بعيد ،لإله قريب ،لآلهة كالموج ،لآلهة لا أعرفها وتعرفني ،ولإله أعرفه ولا ينسى ،لقواف جاهزة بعلبة «رج جيدا قبل الكتابة « ، لقراء معذبون تحت سقف السخف وعباءة الرداءة ،لمطربين ومطربات كلهم لا يعرفون الغناء وهم أشبه بعوالق على شجرة تسمى الفن ،أو خنافس مضيئة نحسبها نجوم ,تلمع عيناه ما بين الرحلة والمستقر نجمة أخرى تضيء قبحنا .
هكذا مر الطاعون من الشارع المقابل ،الموتى الأحياء طرقوا على كل باب ،أيقظوا الحي ،الأحياء المجاورة كلها ،أكلوا قطة ميتة وحمارا وحشي، ومن أمام باب بيتي سرقوا نعامةً و ضفدعاً ،ولم يوقظوني ،كنت أشبههم بشكل مريب ،كانوا أحياء أكثر مني .
بعيدا طار بخار القهوة ،مع كل اقتباساتي عن الليل والحناء ،طاردت الريح بقايا سرب من الذباب كان فوق جثة دجاجة ، حدق فيّ لون أسود ينبعث من بعيد ،ارتشفت القهوة ،اقترب ،ارتشف و يقترب ،حتى انتهيت ,واستحال السواد ليلاً .
صار الليل كالموتى الأحياء ،سرق كل شيء ولم يوقظني من دهشتي .
لعله سواد قصف عشوائي ،قصف محدد، مجنزرات ، زبالة ،أحزاب ، نساء ،شيوخ ،كهنة ،قساوسة ، ، يراقبون ،يشمون ،يلعقون ، أناشيد لهم ،أناشيد لنا ,ويل لهم وويل لنا ،فنجان القهوة أصبح بارداً، صياح الديك لم يعد له معنى ، كمية الحنطة المعدة لإطعام الدجاج لم تتغير.
الحائط معلق بين كونين ، العلوي للاماني والسفلي للسير في الأحلام والكوابيس، غادرت سريري ،ظلي عارٍ و على السقف أحلامي المبتورة .
صنعت فنجان قهوة جديد ، ملعقة للذكرى ،اثنتان ،ثلاث ،وجه حبيبتي بنكهة الهال ، عيون أمي تتصاعد من الدخان ،أدرت الملعقة خرجت أرواح الكل ، مروا أمامي كسيل ،سرقوا سكون المكان والليل ،الفجر بلا ديكة هذا الصباح.
ملك الموت صار أكبر من أظافرنا .
ومع أول الشمس , والجباه المنتظرة لعرق وتعب ,الطفل أصبح برتبة إله, وأنا أخذتني الريح لموتى لا يعودون وبخار قهوة وصمت السحالي التي أصبحناها, صمت التماسيح التي لا زلناها.