أفرزت التطورات الدراماتيكية الأخيرة في المحور الشمالي من سوريا قراءات أخرى للمشهد، بدأت مع تحول قوي في نهج عدد من الفصائل، التي كانت تحتفظ بموقف الحياد الخجول عن مجريات الصراع العنيف للفصائل المسلحة العاملة في حلب وريفها – كما إدلب – في مواجهة محور النظام والمرتزقة التي تقاتل معه من جنسيات متعددة.
ومع دخول الروس على خط المواجهات الشمالية علناً، والمساهمة عبر إسناد جوي منقطع النظير حَرَق البشر ودمّر الحجر، في تحقيق تقدم لقوات الأسد، قد يساعد في إخراجه من ورطة حرب “المربعات” تارة و”الشوارع” تارة أخرى، التي أوقعت جيشه وميليشياته بها فصائل الثورة، بما باتت تمتلكه من خبرة كبيرة فيها، ظهرت بالمقابل تحولات شمالية أخرى لم تكن بحسبان السوريين جميعاً، وكان التحول الأبرز في تعاضد فصائل مسلحة أخرى مع النظام في محرقته التي يقوم بها.
فمن “وحات الحماية الكردية” التي كانت تدعي تجنب أية مواجهات مباشرة مع مؤسسة الثورة العسكرية، إلى تشكيلات أخرى طبخت في المطابخ الروسية لتظهر معلنة أذرع عسكرية لها في الشمال، سورية البنية، روسية المنشأ، كما يقول بعض السوريون، ممن كتموا أنفاسهم تجاه مجريات الشمال السوري، مع تصاعد أرقام الضحايا المدنيين بشكل مضطرد، تارة على يد الروس حلفاء الأولين، وتارة على يد الأسد حليف روسيا حليفة الأولين أنفسهم.
وفي السياق نفسه، أفادت مصادر متقاطعة بأن تنسيقاً عالي المستوى مع روسيا والنظام السوري، باتت تمارسه وحدات الحماية الكردية YPG وما يعرف بـ”مجلس سوريا الديمقراطية” عبر ذراعه المسلح “قوات سوريا الديمقراطية”، فضلاً عن ما يسمى “جيش الثوار” الفرع من الأساس السابق، في الميدان، ما أفرز بالمجمل تحولاً في سياسات تلك الفصائل التي تدعي محاربة نظام الأسد، إلى مواجهة الثوار أنفسهم بمعية الأسد وحلفائه.
ميدانياً، أكدت المعلومات أن عمليات هجومية متعمدة شنتها الفصائل المشار إليها على مواقع كانت تحت سلطة الحيش الحر، كما حصل في مطار منغ ومدينة اعزاز وتل رفعت بريف حلب اليوم، تحت غطاء جوي من طيراني النظام وروسيا، ما أسهم في المحصلة في تشتيت الفصائل الثورية التي أضحت تواجه عشرات التشكيلات والميليشيات التي تحارب بالوكالة عن دول الحلف ككل.
بالمقابل، زخم منقطع النظير لمنشورات انتقادية حادة، دونها نشطاء وسوريون داخل البلاد وخارجها عبر موقعي التواصل “فيسبوك” وتويتر”، وجهوا القسم الغالب منها إلى “كرد” سوريا، مطالبيهم بإعلان موقف صريح تجاه الثورة السورية التي اقتربت من عامها السادس، مع فاتورة دم بلغت وفق أرقام المنظمات المحلية ما يزيد عن 350 ألف شهيداً وأكثر من 12 مليون نازح ولاجىء، فضلاً عن دمار لا يوصف لمحافظات صنفت على أنها “ساخنة” في مقابل أخرى بقيت تراقب المشهد.
المعارض السوري مشعل العدوي، يقول واصفاً ما يسمى “مجلس سوريا الديمقراطية” عبر حسابه في “فيسبوك”: “ذات السفالة وذات النذالة وذات الماكينة الإعلامية للنظام. ذات المسوغات وذات الحجج لاحبه زايده ولاحبه ناقصه. الفارق الوحيد هو أنهم أشد حقداً على الثورة وكراهية للمعارضة من النظام نفسه”.
أما الناشط الميداني من ريف حلب الشمالي نفسه، سامي الرج، فكتب على صفحته قائلاً: ” يرسل الروس سرب كامل من طائراتهم لقصف قرية الطامورة التي لا يتجاوز عدد منازلها المئة منزل !!! فأعلم أن الثورة السورية ستنتصر، لأنها حطمت جبروت تلك الدولة العظيمة رغم كل هزائمنا الأخيرة”، واصفاً كلاً من قوات الأسد وميليشياتها ووحدات الحماية الكردية بـ”الشبيحة”، ومؤكداً هجومهم معاً على مدينة تل رفعت شمال حلب واحتلالها اليوم الثلاثاء.
أيضاً راغب الحجي، من درعا يرى أنه “على الأكراد كجزء من السوريين الأن وعاجلاً تبيان موقفهم من الثورة، وإلا فالأسد وروسيا سيكونون قد زجوا بهم في المحرقة”، مشيداً بصمود الثوار في شمال سوريا، ومضيفاً أنهم (أي الثوار) “لم يطعنوا أحداً ساندهم ولو بكلمة في ظهره، بينما الآن تتكالب عليه أمم لتحاربهم، لكن الله معهم وملائكته سينصرونهم”، على حد تعبيره.
بالمقابل، يقول الناشط الإعلامي من حلب، سامر دحدوح، متهكماً على سياسة الوحدات الكردية في مهاجمة مواقع الثوار، ومذكراً بما فعلته الثورة وثوارها للكرد السوريين: “ياحيف عالخبز والملح ..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟! (جمعة الوفاء للانتفاضة الكردية ٢٠٠٤)، لافتات ثوار تل رفعت في ٢٠١٢م (مشيراً إليها بالصور)، واليوم المليشيات الكردية تقصف وتهاجم تل رفعت!!”.
وفي سياق متصل، نشرت حسابات عشرات النشطاء السوريين صوراً تحمل شعار ما يسمى “جيش الثوار” التابع لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، ملونين رايته بألوان علم النظام السوري، في إشارة لتابعيته الأول للأخير.
وبين حجم الزخم الكبير العاتب تارة على الموقف الكردي، والناقد بشدة تارة أخرى للتنظيمات التي تعلن تمثيلها لكرد سوريا، تبقى المناطق الشمالية نفسها على صفيح ساخن في انتظار ما قد تفرزه تطورات الأيام القادمة، لا سيما بعد الحديث عن تدخل سعودي وشيك في سوريا بمشاركة تركيا، التي أعلنت، اليوم، أنها سترد بطريقة “حاسمة” على روسيا، على لسان رئيس وزرائها، أحمد دواود أوغلو، فضلاً عن عدائها المعروف للتشكيلات الكردية المدعومة من النظام.