زيتون – أسامة عيسى
على الرغم من حجم الموت الذي بات يخيم على جوانبها كافة، كما كل المناطق السورية الساخنة، مظهر أخر بدا معاكساً لما هو معرف وما يتبادر للأذهان عندما يذكر اسمها، “حمص”، المحافظة التي ذاقت من ويلات الدمار وجحيم الحرب المدمرة ما ذاقت، وأدت فيها همجية النظام وميليشياته التي وصلت لحد ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية إلى إحداث دمار هائل فيها، فضلاً عن تهجير عشرات الآلاف من أبنائها، بين نازحين ولاجئين.
وفي المدينة ذاتها، التقط العروسان، ندى مرعي البالغة من العمر 18 عاماً، وحسن يوسف ذو الـ27 عاماً، مجموعة من الصور لهما وسط أنقاض المباني المهدّمة، في “حمص” المصنفة في عداد أهم المناطق المنكوبة في سوريا.
وكما كل العرائس، ارتدت العروسة “ندى” فستان فرحها الأبيض، لكن العريس “حسن” اتضح أنه لم يكن فقط عريسا، بل كان “شبيحاً” في صفوف جيش الأسد، الذي دمر بذاته الأرض التي كانت تطأ قدمه عليها، ويلتقط وعروسه الصور فيها، بفخر وانتماء منه شديدين لهذه المؤسسة العسكرية الرائدة على مستوى العالم، والتي دمرت البشر والحجر في البلاد، وهو ما دلل عليه العريس “الشبيح”، حيث ظهر مرتدياً زيّ جيش النظام، مختالاً به، ومتباهياً بانتمائه إليه.
الصور ذاتها التي تناقلتها وكالات أنباء عالمية متعددة، أثارت غضب آلاف السوريين المعارضين، الذين اتهموا نظام الأسد وأزلامه بالمتاجرة بالقضية السورية، وتسويقها عالمياً على أنها حرب ضد الإرهاب، في حين أنها ثورة موجهة ضد الظلم والطغيان، كما تقول أروى حسون وهو طالبة جامعية من ذات محافظة حمص والتي التقطت فيها الصور المشار إليها.
وتضيف حسون لـ”زيتون”: “أنا كفتاة لا أقبل أن يكون يوم فرحي على دماء وأشلاء أناس بريئة، وعلى أنقاض منازل غادرها أصحابها بعد أن هدمت على رؤوس من كان منهم فيها، ومن هو الذي هدمها؟ هل الثوار لديهم طيران؟ هل الهاون والمدفعية قادرة على تدمير أبنية بحالها وتسويتها في الأرض؟ وهل يقصف الثائر بيته؟ أنا لا أقول أني مصطفة مع المعارضة، أنا مع الحق والحق في هذا الوقت واضح لي ولغيري”.
ويقول أبو عمار الشامي، الناشط الإعلامي من حمص أيضاً، إن “نظام بشار الأسد دمر البلد بالكامل، وما التقاط هذه الصور إلا جريمة أخلاقية بحق باقي السوريين، ممن حرموا أبنائهم وبيوتهم وحتى الفرحة بفعل الزي العسكري المشار إليه في الصورة”، ويضيف “هل الفرح يعني أن تترك الأسى في قلب ونفس شخص أخر؟ هل بهذا يكون الفرح والألفة والمحبة؟ هل يعني أن أدمر لك بيتك وأقتل ابنك، ثم أرتدي زي القاتل وأتصور لك بهيئة ملاك، هل ستصدقني حينها!!؟”.
من جانبه، قال المصور الذي التقط الصور ويدعى جعفر مرعي، إنه أراد من خلالها إيصال رسالة للعالم بأن الحياة أقوى من الموت، بحسب صديقه المصور جوزيف عيد الذي يعمل في الوكالة الفرنسية للأخبار.
وترى زهرة عدناني، وهي لاجئة سورية من حمص في ألمانيا، أن تلك الصور، وعلى الرغم من رمزيتها للحياة، إلا أنها توشحت بمظهر القتل، عندما بدا فيها العريس الذي تتهمه بأنه قد يكون (قاتلاً)، فخوراً بالانتماء لجيش النظام السوري الذي تقول إنه “بات متورطاً في دماء الشعب بالكامل، وحتى من يدعي منه غير ذلك فهو ساكت عن ارتكاب الجرائم، وهذه فضيحة أخلاقية بحد ذاتها”، على حد تعبيرها.
وتشير “زهرة”، وهي من أهالي حي بابا عمرو الشهير بحمص، والذي دمره النظام بشكل شبه كلي إلى أن الذنب الذي ارتكبه من خطط لتصوير هذه الصور ومن ثم نشرها، هو أن وجه إهانة لكل السوريين، ممن لاقوا من النظام الدمار والقتل، وتتابع “لا يوجد قاتل رحيم. لا يوجد ثعلب ليس بماكر. وهذا هو بالضبط نظام البعث السوري، إنه خير من درّس أزلامه فنون الكذب والتلفيق ومن ثم إذاعتها. أكثر من خمس سنوات وهو يكذب، يؤالف القصص وينشر والعالم يصدق، حتى العالم أصبح متأمراً معه برأيي ومشتركاً في لعق الدم السوري الطاهر..”.