تحرير زيتون
أكثر من ألف يوم مستمرة من الحصار الخانق من قبل قوات الأسد، مُنع فيها على أهالي حي الوعر غرب حمص دخول أي من المواد الغذائية والطبية، وسط حالة مأساوية وخطر بات يتهدد أكثر من أربعمائة وخمسين ألف نازح ومهجر من جحيم الحرب.
يشتكي أهالي حي الوعر الذي دخل في دوامة من الهدن والمصالحات مع قوات الأسد، بهدف تحييد المدنيين عن الموت قصفاً وجوعاً، من نقص المواد الأساسية، ويأتي على رأسها التموينية، فيما كان نظام الأسد يفشل مساعي التهدئة كعادته في كل مرة، سعياً للضغط على الثوار عبر حاضنتهم من المدنيين.
وفي إطار الحصار الخانق الذي تفرضه قوات الأسد وميليشيات مدنية تقاتل معها على أهالي الوعر، وصل بها الأمر إلى أن منعت عن المدنيين دخول حتى ملح الطعام إليهم، وذلك لزعمها أن الثوار يقومون باستخدامه في صناعة المتفجرات التي يتم استهدافهم بها، ما جعل مسألة البحث عن كمية قليلة من الملح اللازمة للغذاء اليومي للسكان أمر بالغ الصعوبة.
جوليا سراج، اللاجئة من شمال حمص في حي الوعر منذ قرابة الستين تقول لـ»زيتون»: «نبحث الأن عن ذرات من ملح الطعام لنطهو ما يتوفر لدينا من خضار قليلة نشتريها بثمن باهض تماماً كمن يبحث عن إبرة في كومة من القش، لا تسمح قوات الأسد بدخول الملح، وما يدخل منه يتم تهريبه عبر تجار متعاملين مع حواجز النظام حيث يدفعون المال لضباط الأسد، في مقابل تسهيل دخول كميات قليلة من المواد الأولية تصل للحي لتباع للمدنيين بأثمان مرتفعة، وبالنتيجة كنا نحن كأهالي ونازحين ولا زالنا الضحية الأكبر لهذا الصراع القاتل..».
وتضيف سراج «ليس الأمر طبعاً مقتصراً على مادة ملح الطعام التي يحتج النظام بأنها تستعمل في صناعة العبوات المتفجرة من قبلنا، فهذا النظام لا يفرق كعادته بين مدني ومسلح، بين إنسان يموت من شدة الجوع، وأخر يقاتله وجهاً لوجه، الجميع هنا في الوعر مستهدف وهو مشروع ضحية في أية لحظة، ومن جملة ما منعته حواجز الأسد علينا أيضاً مادتي الفحم ومسحوق الغسيل، إذا أنها باتت من المواد التي يندر وجودها في الحي ويبلغ سعر القطعة الواحدة من الفحم قرابة الدولار الواحد وأحياناً أكثر من ذلك، هذا إن كانت موجودة أصلاً، أو استطاع التجار تأمينها».
وبدوره، يروي «أبو خالد»، وهو نازح مقيم في حي الوعر من مدينة الرستن شمال حمص، جانباً من معاناة الأهالي اليومية ويقول: «تقوم قوات النظام بمحاصرة الحي من كافة الجهات، كما أنها تمنع كافة السيارات التي تدخل وتخرج من المرور، إلا بعد خضوعها لعمليات تفتيش دقيقة بحثاً عن المواد الغذائية التي قد يحتمل أن تكون بها، وكذلك المواد الأولية من المحرقات، لا سيما البنزين والمازوت».
ويتابع «إذا دخلت سيارة للحي ومن ثم حاولت أن تخرج منه تقوم حواجز الأمن العسكري واللجان الشعبية بفحص كمية المحروقات التي توجد بها بعد أن يكونوا قد سجلوا لديهم رقم العداد وكمية المحروقات الموجودة فيه أصلاً قبل دخول السيارات الحي، وإذا ما ثبت لديهم أن كمية قليلة من البنزين أو المازوت سحبت داخل الحي، فالاعتقال سيكون مصير صاحب السيارة، ومن ثم التغييب إلى جهة مجهولة، وهذا الأمر حصل مع كثير من الأهالي».
ويشير «أبو خالد» الذي يقوم إنه أب لستة أطفال إلى معاناته المستمرة في تأمين الغذاء والدواء ومواد التدفئة لهم، في ظل عدم توفر الماء الصالح للشرب وكذلك الكهرباء، لافتاً في ذات الوقت إلى وجود فئة من التجار يسميهم (تجار الحرب) يحتكرون ما يتوفر من مواد أولية ويبيعونها للأهالي بأسعار مرتفعة جداً، تفوق قدرتهم على شرائها.
ويقع حي الوعر والذي يعرف باسم «حمص الجديدة» غرب محافظة حمص، وسط سوريا، ويقسم إلى قسمين الوعر الجديد والوعر القديم، حيث يقع حي الوعر القديم مقابل الكلية الحربية في حمص، وهو ملاصق للحي الجديد الذي تمّ تقسيمه إلى تسع «جزر» متقابلة. ويضم الحي بعض الدوائر، من أهمها بلدية حمص الجديدة، كما يضم المجمع الحكومي الجديد وفيها المحاكم الخاصة بمدينة حمص، ويعد حي الوعر أحد أهم الحواضن المدنية للنازحين وسط سوريا.