“طرطوس” والقطيعة مع الثورة السورية
“وكأنها خارج خريطة سوريا، إنها فعلياً البقعة شبه الوحيدة التي لا علاقة لها بما يجري للسوريين، لا من قريب ولا من بعيد، دون أن يدرك بعض من فيها بأنهم جزء من هذا المجتمع المفترض عليهم الوقوف معه”. بهذه الكلمات وصف الناشطة هديل الشامي من حمص دور طرطوس في ظل الثورة السورية المندلعة منذ أذار/مارس من العام 2011م.
يبلغ عدد سكان محافظة طرطوس قرابة 925 ألف نسمة وفق آخر التقديرات، فيما تقدر نسبة العاملين في إدارات النظام والجيش من أبنائها بقرابة 90 %، حيث يشكلون مكوناً رئيسياً في هيكلة النظام السوري، وركناً رئيسياً من أركانه الفاعلة أمنياً وعسكرياً.
طرطوس التي تعد خزاناً بشرياً يمدّ النظام بالعناصر والجنود، لم تكن بعيدة في حقيقة الأمر من حيث الخسارات البشرية في صف النظام، عن مثيلاتها من المحافظات ذات التوجه العام نفسه، لا بل إنه يمكن القول إنها قد تتصدر المناطق السورية تلك، حيث ذكرت مصادر ميدانية لـ”زيتون” أن عدد القتلى منذ بداية الثورة في طرطوس بلغ حوالي 67 ألف قتيل، فضلاً عن مئات المفقودين والأسرى ولدى الثوار، فضلاً عن عشرات المعاقين.
بالمقابل، ساهم في تحييد طرطوس للسنة الخامسة عن مسار الثورة السورية عوامل أخرى، لعل أهمها هو ميناء طرطوس الذي يستقبل السفن الروسية التي تمد النظام السوري بالسلاح والذخائر والخبراء، بالإضافة إلى القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة في سوريا المسماة (قاعدة طرطوس البحرية)، وهي القاعدة الوحيدة لموسكو على البحر المتوسط، ومنطلق حالياً لتوزيع قواتها في سوريا.
كما استفاد نظام بشار الأسد من طرطوس بلا أدنى شك، سواء من حيث نقاط القوة المشار إليها، أو لجهة استغلال المحافظة وأبنائها وتطويعهم لمصالح المتعددة.
الناشطة الحقوقية، بتول علي من طرطوس، تقول لـ”زيتون”: “لعب النظام السوري على أكثر من ورقة رابحة في محافظة طرطوس، بدءاً من تسهيل استقبال آلاف النازحين من المحافظات الساخنة، وهذا أمر كان مدروساً، حيث أدى لتحسين المستوى المعيشي في المحافظة، مقارنة بسواها من المناطق السورية، حيث أن غالبية النازحين إلى طرطوس كانوا من رجال الأعمال والتجار وأصحاب المصالح، ممن اصطحبوا أموالهم وتجارتهم وقاموا بفتح ورش مهنية ومصالح معيشية متعددة، أنعشت الواقع المزري في المحافظة، وهو ما ساهم تحسين الظروف المعيشية هنا”.
وتضيف “على الرغم من الممارسات الطائفية لقوات النظام والميليشيات المرتبطة بها، بدءاً من المذبحة الطائفية الشهيرة للأمن السياسي في قرية البيضا قرب بانياس، فقد حافظ نظام الأسد على نوع من التوازن في تعامله مع مختلف الشرائح هنا، ويظهر ذلك من خلال تسهيل احتضان النازحين وانخراطهم مع المجتمع، ويبدو أنه يستفيد من ذلك اقتصادياً من جهة، وسياسياً من جهة أخرى من خلال تقديم نفسه للعالم كنظام سياسي يحتضن جميع الطوائف، وهي لعبة مدروسة من هذا النظام لا أكثر ولا أقل، لأنه أول من تاجر بقضية الأقليات في حقيقة الأمر”.
حسام .ح. م، وهو مواطن سوري من طرطوس يقول: “لا يمكن بحال التحرك في طرطوس ضد النظام، لأنه يعزز قوته في طرطوس من خلال العشرات الحواجز في داخلها، فضلاً عن الحواجز المتواجدة على طرق الأوتوستراد المؤدية إلى طرطوس من باقي المحافظات، فمثلاً تبلغ المسافة بين حمص وطرطوس قرابة مائة كم، هذه المسافة تتوزع عليها أكثر من 27 حاجزاً ثابت للنظام، من أمن وجيش وجمارك، ونجدة، ومرور، وشبيحة، فضلاً عن الحواجز الطيارة (المتحركة)، وبالتالي فطرطوس مخنوقة بالكامل ضد أي احتمال لدخولها في إطار ما يجري بسوريا”.
بالمقابل، أشارت مصادر ميدانية إلى أن انحدراً شهده منسوب التطوع في صفوف الجيش والقوات المسلحة النظامية، بلغ ذروته مع نهاية العام 2015م، فضلاً عن الأعداد الكبيرة من المتخلفين عن الخدمة في جيش الأسد، لا سيما من أقارب القتلى فيه وذويهم، وهو ما أثار هاجس النظام السوري ذاته، ودفعه لتصعيد حملة التجنيد واستدعاء الشبان إلى صفوف قواته في مختلف المناطق في مدينة طرطوس وأريافها، تزامناً مع تصاعد حدة الغضب في تلك المناطق، بسبب أعداد القتلى في صفوف أبنائهم في الجيش والميليشيات المسلحة الأخرى، ما دفع قسم منهم للفرار إلى لبنان، وآخرين إلى أوروبا عبر مدينة مرسين التركية، لتبقى طرطوس لغاية تاريخه على وقع الاحتمالات التي قد تفرضها المعطيات الميدانية القادمة في سوريا، بين الاستمرار في الحياد أو “الموالاة” كما يقول البعض، وبين الانخراط بالثورة بعد أعوامها الستة.