في مقال سابق تحدثت فيه حول مدنية الدولة على أنها ضرورة وليست خيار و لاحظت من خلال تتبعي لبعض المقابلات التلفزيونية بعض الاشخاص أن هناك ليس فقط فهما خاطئا للدولة المدنية ،بل خلطا بالمفاهيم، الآن لكل مجال مفاهيمه وأدواته الخاصة به، فمثلا سمعت احدهم يقول :
أني أريد دولة مدنية بمرجعية دينية إن هذا فرض علي أن أتحدث في الموضوع للمرة الثانية بإيجاز لعلي أوفق في توضيح مفهوم المدنية وكيفية تأسيسها وما هو المعبر عنها.
إن كل الدول الحديثة والقائمة في وقتنا الحالي تحوي كل دولة منها على عديد من المكونات المجتمعية والسياسية ،والذي ينظم العلاقة بين هذه المكونات المختلفة هو الدستور ،فالدستور هو انعكاس لتنوع المجتمع وبالتالي فهو صورة طبق الأصل لهذا التنوع ويحمي هذا التنوع من تغول البعض على الأخر لحجه أو لأخرى ومواد الدستور مطلوب منها أن تثري هذا التنوع ليبقى قوس قزح تتفاعل ألوانه مع بعضها وتتكاتف للعمل معا دون إقصاء أو هيمنة وهنا لا مجال للايدولوجيا في إطار الدستور.
مرجعية الدستور المدني هي كل أفراد المجتمع بكل تنوعهم لذلك عندما أقول الدولة مدنية بمرجعية دينية أكون قد أسست لنظام حكم استبدادي تحت حجة الأكثرية الطائفية أي نقلت البلد من ديكتاتورية الأقلية إلى ديكتاتورية الأكثرية وفي كل الأحوال نكون قد أعدنا إنتاج نفس النظام بلون أخر وهذه مأساة كبيرة، فالدستور شيء وشكل أو طبية نظام الحكم شيء أخر، والدستور كما قلت سابقا هو انعكاس التعددية المجتمع ولا يحمل أي طابع إيديولوجي ،وبشكل الدستور من خلال جمعية تأسيسية تضم جميع أطياف المجتمع ويشارك فيها مجموعة من الاختصاصيين القانونيين وممثلي المكونات الاجتماعية وممثلي الأحزاب والأعراق وبمشاركة فاعلة من الشباب والمرأة ولا مجال هنا للمحاصصة حيث القرارات تؤخذ بالتوافق والإجماع وهذا بالضرورة يأتي قبل الانتخابات العامة التي ستحدد من سيشكل الحكومة ،لكي لا نقع في إشكالات من سبقنا ونضع العربة أمام الحصان.
أما دور الايديووجيا فيأتي في المرحلة الانتقالية بعد أن تعيد الأحزاب القديمة ترمم نفسها وتتاح الفرصة لتشكيل أحزاب جديدة يطرح كل حزب برنامجه بخلفيته الإيديولوجية أي أن الايدولوجيا هنا عائدة للحزب وليست مفروضة على المجتمع وأفراد المجتمع مهمتهم التمييز بين البرامج المختلة وهي ستتخذ الطرف الذي ترى في برنامجه المعبر عن تطلعاته والمجيب على كل متطلباته وبالتالي الحزب الذي يفوز بالانتخابات يشكل الحكومة التي ستعلن ببرامجها وتحت سقف الدستور وليس من شانها تعديل أو تغيير في الدستور إلا في حالة التطوير الذي يدعم وحدة الشعب والتراب السوري لا أن يعيد هذا التغيير عقارب الساعة إلى الوراء ويعيدنا إلى أتون الاستبداد وأي تغيير فلي الدستور بالشرط السابق لابد أن يستفتى عليه شعبيا واستبعادا لأي لبس لابد من تذكير الجميع أن الطائفة أية طائفة والمذهب هو مكونات اجتماعية وليست سياسية فكل طائفة أو مذهب يحوي بداخله كل الأطياف السياسية وهذا واضح لكل متفحص بسيط فالكل لم يختر طائفته أو مذهبه وهو كان بحكم مولده من هذا المكون الاجتماعي أو ذاك لذلك علينا أن نرقى بتنافسنا إلى المستوى السياسي وليس غير ذلك.
حسين أمارة