مع استمرار القتل اليومي في سوريا جراء الصراع الدائر وفي ظل الانتهاكات الرهيبة لحقوق الإنسان،تبرز مأساة النازحين داخلياً كواحدة من أكبر المشاكل التي أفرزها الصراع في البلاد. وتشير التقارير الدولية وعلى الأخص الصادرة عن المفوضية العامة للاجئين إلى وجود أكثر من 6500000 نازح داخليا. جميع هؤلاء النازحين هربوا من الموت الذي أحاط بمدنهم وأحيائهم نتيجة الصراع إلى مدن وأحياء سورية أخرى بحثاً عن الأمان. ويكتظ الريف الحلبي بأعداد هائلة من النازحين وخاصة مناطق باب السلامة ومارع والأتارب والباب ومنبج وصولاً إلى جرابلس.
رغم الظروف القاسية التي يعيشها اللاجئون السوريون في دول الجوار، إلا أن النازحين داخلياً يعانون أضعافاً مضاعفة بالمقارنة معهم. فهم علاوة على كونهم فقدوا منازلهموتركوا قراهم ومدنهم، يواجهون خطر الموت يوميا إذ أن المناطق التي نزحوا إليها لم تسلم من القصف والبراميل والاشتباكات التي أزهقت أرواح المئات منهم. بالإضافة إلى عدم تولي المفوضية العامة للاجئين لقضية النازحين داخليا وإنما تركت تلك المسؤولية للجنة الدولية للصليب الأحمر الذي لم يستطع ضمان حماية هؤلاء النازحين أو وصول المنظمات الإغاثية والإنسانية إليهم مما جعلهم في أوضاع صعبة للغاية وليست أفضل من الموت. ومع قدوم الشتاء تبلغ معاناة النازحين ذروتها حيث البرد والطين والأمراض التي تفتك بهم نتيجة عدم توفر أي من الظروف اللازمة للحياة البشرية.
منذ ما يقارب أربعة أعوام يتكدس مئات الآلاف من النازحين في مخيمات (لا تصلح لسكن الدجاج) على حد وصف أحدهم، لكن ظروف الحرب والخوف من الموت تدفع بالمزيد من السوريين نحو تلك المخيمات. ولعل ما حدث في مخيمي السلامة وشمارين منتصف الشهر الماضي ليس سوى مثالا للظروف المزرية التي يعيشها النازحون هناك. ففي السادس عشر من تشرين الأول هطلت أمطار غزيرة وغير متوقعة أدت إلى كارثة حقيقية، حيث غرقت نحو مئة خيمة بشكل كامل في مخيم السلامة كما رشحت المياه إلى باقي الخيم وتسببت بأضرار طالت جميع السكان. كما غرق مخيم شمارين بالوحل والطين نتيجة تساقط الأمطار الغزيرة مما ينذر بكوارث ستلحق بالنازحين خلال فصل الشتاء القادم.
يبعد مخيم السلامة حوالي عشرة كيلومترات عن المعبر مع الحدود التركية ويضم أكثر من عشرين ألف نازح أغلبهم من النساء والأطفال وجميعهم يعيشون في خيم مهترئة لم يتم تجديدها منذ أكثر من ثلاث سنوات ويعتمدون في حياتهم على المساعدات المقدمة لهم والتي لا تسد حاجة أحد منهم كونها قليلة وغير منتظمة. ويعيش سكان المخيم بظروف لا إنسانية بكل ماتعني الكلمة رغم قربهم من الحدود التركية التي تعبر منها المساعدات ورغم قربهم أيضا من مدينة عنتاب التي اتخذت منها الحكومة السورية المؤقتة مقراً لها ولكنها لم تبد أي اهتمام بمصير المخيمات داخل الأراضي السورية.فقد اهترأ العديد من الخيم وتشقّق مع مرور الزمن، وما يفاقم الوضع سوءاً أنّ مجاري الصرف الصحيّ المكشوفة، والتي تمرّ بين الخيم، تفيض مع هطول الأمطار، ممّا يساهم بشكل كبير في انتشار الأوبئة والأمراض. وصف الطبيب ناصر أبو الجود الوضع الطبي في مخيم السلامة في شهادته لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا قائلاً: “هرب الناس من الموت إلى الموت والذل، الوضع الطبي سيء للغاية حيث تنتشر العديد من الأمراض وخاصة اللشمانيا الذي تم توثيق أكثر من ألف حالة مصابة به حتى الآن، وهناك تخوفات جدية من انتشار الأوبئة كالكوليرا والتيفوئيد والجرب بسبب عدم توفر شبكات الصرف الصحي في المخيم وقلة المياه النظيفة وندرة المواد اللازمة للتنظيف”. ولا بد من التذكير بأن الوضع في مخيم السلامة ليس الأسوأ بين مخيمات النازحين السوريين، حيث تعاني جميع تلك المخيمات من الصعوبات نفسها. فجميع المخيمات تفتقر إلى الحمامات والمطابخ والمياه الصالحة للشرب والطرقات فيها ترابية لم تعبد أو ترصف بالحصى على الأقل، بالإضافة إلى نقص الغذاء والدواء وانعدام التعليم تقريبا سوى بعض الأنشطة التي يقيمها بعض المتطوعين للأطفال هناك.
أبو محمد-56عام من ريف حمص وهو يقيم في مخيم شمارين يقول عن الأوضاع هناك: “لا ندري إلى أين المفرّ، هناك عشرات العائلات في المخيم ممن يفترشون الأرض ولا يمتلكون حتى حصيرة لأنهم اضروا لبناء خيمتهم بالحصيرة التي قدمت لهم بسبب النقص في الخيم، والأمر المحزن أكثر من أي شيء أن المشرفين على المخيم تنتشر بينهم المحسوبيات فإن كنت تعرف أحدهم ربما استطعت تأمين كرفان وإن كنت مثلي (معتّر) فعليك أن تبقى تحت رحمتهم ورحمة القدر بك وبأطفالك”.
أم خالد-38 عام من ريف إدلب وهي تقيم في مخيم السلامة قالت: “كنا نائمين وعند منتصف الليل هطلت أمطار غزيرة، أيقظت أطفالي بسرعةوتمكنت من إخراجهم قبل سقوط خيمتنا، لم نجد أي غطاء أو ملابس أو حتى مأوى فجميع الخيم تضررت…لقد كانت ليلة رهيبة جدا وخاصة بالنسبة للأطفال الذين أفاقوا من نومهم على كابوس من صراخ الكبار ومناظر الخيم المنهارة والبرد الشديد..كانوا يرتجفون كالعصافير المذبوحة ولم أستطع فعل شيء لهم”.
بعدما انقطعت السبل بالسوريين، حيث استمر النظام بقصف مدنهم وقراهم بلا توقف وتمددت داعش لتهدد أعداداً كبيرة “بسكينها” بعد سيطرتها على قراهم ومدنهم، وحيث أعلنت المنظمات الدولية عجزها عن تقديم أي شيء، بعد كل ذلك فإن فقراء سوريا ممن لم يتمكنوا من عبور الحدود يجدون أنفسهم مضطرين للتوافد إلى المخيمات الموجودة داخل الحدود. ليتكدسوا هناك بأعداد هائلة بانتظار الموت برداً وجوعاً ومرضاً تحت أنظار شعوب العالم أجمع. إن صورة طفل من أطفالهم وقد علقت قدماه بالطين، لهي صفعة في وجه الحكومة المؤقتة والمعارضة التي تتسول الدعم المالي باسم هؤلاء الفقراء وتنعم بتلك الأموال دون مجرد التفكير بما يجري على الحدود من الطرف الآخر.
مها الخضور