المدن – منهل باريش
سقطت ربيعة أكبر بلدات جبل التركمان بيد قوات النظام ومليشيا “فوج مغاوير البحر” المساندة لها، بعد يومين من القصف الجوي الروسي المركز. وتأتي خسارة ربيعة، بعد أيام على خسارة سلمى في جبل الأكراد، وذلك على الرغم من تمكن “الفرقة الساحلية الأولى” وفصائل المعارضة من نصب الكمائن وتدمير عدد من الآليات والعربات. وكانت الكمائن قد أثمرت في استعادة السيطرة على قرية الحور، شمال غربي سلمى، واغتنام المعارضة لدبابتين وعدد من الرشاشات وصناديق الذخيرة المتنوعة.
وبدأ هجوم مليشيا “فوج مغاوير البحر” وبعض المليشيات العراقية، صباح الجمعة، بقصف قرى دورشان والروضة وطوروز والريحانية، التي تعتبر خط الدفاع الأخير لربيعة، وتمتد على قوس من شمال ربيعة وصولاً إلى الجبال الملاصقة لبرج القصب جنوباً.
وقطعت قوات النظام والمليشيات، أحد الطريقين الواصلين إلى ربيعة، بعد سيطرتها على برج القصب، فيما بقي الطريق الآخر تحت السيطرة النارية المباشرة للقوات المهاجمة، عبر نصب قواعد صاروخية لاستهداف آليات الثوار. عُزلت ربيعة تماماً، وقطعت طرق إمدادها البشرية واللوجستية، فما كان من المعارضة فيها سوى الإنسحاب الفردي منها باتجاه الشرق.
وتأتي خسارة ربيعة بعد سلمى، لتضع الثوار في مأزق محرج، فكل أسباب صمودهم في مناطقهم الجبلية كانت متوفرة، فهم أبناء المنطقة ويستطيعون إستنزاف أكبر قوة مهاجمة بتكتيكات حروب العصابات في الجبال، التي هزمت جميع الجيوش النظامية الغازية، ابتداء من الجزائر والمغرب وليس انتهاءً بفيتنام.
ولعل الخطأ الأكبر الذي اقترفه الثوار في جبل التركمان، هو قلة التحصينات الهندسية، خاصة الخنادق الفردية، التي تبنى على خطوط متتالية، للحفاظ على خط الجبهة متماسكاً في حال انهيار الثوار في خط الاشتباك المباشر. وتمتاز الخنادق الفردية بمقدرة كبيرة على التخفيف من الخسارة التي تشكلها الكثافة النارية من مدافع العدو أو حتى من القصف الجوي، إلى حد كبير.
وكان الخطأ الأكبر للمعارضة، هو عدم الحفاظ على خطوط الإمداد الخلفية، وغياب تدابير “التموين الإداري” الذي يحفظ الثوار في حال حصارهم، عبر التخزين المسبق للغذاء والدواء. وهذا ما حدث مع الثوار في ربيعة، بعدما سيطرت قوات النظام نارياً على أغلب الطرق، ما اضطرهم للانسحاب.
ورغم التفوق العسكري لقوات النظام والمليشيات، بسبب الدعم الروسي الكبير الذي تطور لإنزال جنود من “القوات الخاصة” الروسية إلا أن للثوار نقاط قوة هي لصالحهم، وعليهم التنبه إليها والاستفادة منها، كما فعل المقاتلون الأفغان، الذين سخروا الطبيعة الجبلية لمصلحتهم إلى أقصى حد.
خطأ المعارضة في سلمى، كان في التحصن في خط ثابت، وبناء جبهة قتال مباشرة مع العدو. الأمر الذي حدد مواقع الثوار داخل الأبنية مباشرة، وجعلهم هدفاً لقوات النظام والطيران الروسي. وكان من الأجدى تمركزهم على شكل مجموعات، في خنادق، تنصب الكمائن للقوات المهاجمة، وتباغتهم في أماكن متعددة.
وتتيح الجبال بالنسبة للثوار، إمكانية التسلل والضرب من الخلف، كما فعلت “الفرقة الساحلية الأولى” في قرية الحور في جبل الأكراد، عندما أسرت ضابطاً من قوات النظام وعدداً من مقاتليه. وتؤثر عمليات التسلل على معنويات قوات النظام والمليشيات.
كما أن غياب المدنيين في القرى والبلدات التي سيطرت عليها قوات النظام ستسمح بامكانية استخدام المعارضة للألغام الفردية في الطرق الضيقة واستخدام العبوات الناسفة لتفجير العربات والدبابات المتحركة التي تحاول التقدم.
يذكر، أن ثوار جبل التركمان لم يخسروا المعركة بسبب نقص الذخيرة، فقد قامت الدول “أصدقاء الشعب السوري” بدعم تلك الجبهة بكميات كبيرة من الذخيرة، لو أرسل مثلها إلى سلمى لتمكن الثوار من التقدم والسيطرة على صلنفة.
وأكد مصدر عسكري معارض لـ”المدن”، أن دعم الجبهة كان كبيراً، ونفى صحة ما يتم تداوله عن وقف امداد فصائل الجيش الحر بصواريخ “تاو” المضادة للدروع. وقال: “على العكس بعض الفصائل تسلمت صواريخ فاغوت ليلي وصواريخ كونكورس المضادين للدروع، إضافة لصواريخ تاو”.
ومن المتوقع أن تزيد خسارة ربيعة المعقل الأساسي للتركمان السوريين، من تعقيد الوضع أقليمياً، وتعمق حرج تركيا، التي كثيراً ما نددت بتهجير التركمان السوريين، أو “الأخوة” كما يفضل الكثير من الأتراك تسميتهم.
لاشك أن خسارة ربيعة، تأتي قبل يوم واحد من الموعد المفترض لمفاوضات جنيف، التي كانت مقررة في 25 كانون الثاني/يناير، قبل أن تؤجل لاحقاً. والأهم أنها تتزامن مع الضغط الأميركي على اللجنة العليا للتفاوض، للقبول بحل يبقي الأسد ويشرك المعارضة في حكومة واحدة مع النظام.
كل ذلك، يجعلنا نفكر في الأيام القادمة: “ماذا لو شح الدعم عن المعارضة المسلحة، ومنعته أميركا”؟ وفي انتظار الجواب، على الثوار بناء استراتيجية تكيف جديدة، تعتمد على الجغرافيا أساساً.