تعد محافظة دير الزور من أولى المحافظات الثائرة في وجه النظام، ما جعلها تتعرض منذ ذلك الوقت لردة فعل عنيفة من نظام الأسد، لتكون المحافظة الواقعة شرق سوريا، على موعد مع انتهاكات من نوع آخر، كانت مع سيطرة تنظيم «داعش» على مساحات واسعة من أريافها، وفرضه حصاراً خانقاً على مدينتها التي بقيت لغاية تاريخه تحت سيطرة قوات الأسد، والتي لم تألُ جهداً في اتجاه تركيع المدنيين، ليكون الأخيرين بعدها بين فكي كماشة «داعش» و»الأسد» معاً.
تعاني مدينة دير الزور من حصار موازي لحصار بلدة مضايا غرب دمشق، وتفتقر المدينة للتغطية الإعلامية التي تبرز حجم المأساة التي يعيشها الأهالي في ظل القبضة الأمنية لنظام الأسد وتجار الحروب من جهة، إضافة لتنظيم «داعش» من جبهة ثانية، وفق ما يقول ناشطون من المحافظة.
ألاف المدنيين بلا طعام ولا دواء
مع نهاية شهر أيار/مايو من العام 2014 فرض داعش حصاراً خانقاً على مدينة دير الزور، وبالتحديد كافة المحاور التي تقع تحت سيطرة قوات الأسد، بالتزامن مع قصف مركز تقوم به قوات الأخيرة بالمدفعية والطائرات لقوات التنظيم، وعبره للمدنيين، فيما تنقطع الاتصالات عن غالبية أحياء المدينة المحاصرة بين سندان نظام الأسد ومطرقة داعش، حتى وصل الأمر فيها إلى التهديد بكارثة إنسانية عامة وشاملة قد تطال آلاف المدنيين والمهجّرين.
خالد ص.ح أحد القاطنين في أحياء دير الزور المحاصرة، يقول لـ»زيتون»: نحن هنا نعيش فقط بانتظار أن نموت، ليس هناك طعام ولا ماء صالح للشرب ولا دواء، كذلك لا يمكن للمدنيين تجازوه الأحياء المحاصرة، إلا بعد دفع مبالغ مالية لضباط وعناصر النظام ذاته على المخارج، وذلك من أجل تسهيل عبورهم، وإن وقعنا بيد داعش لن يرحمونا، فلذلك أصبحنا نعيش بانتظار الموت بكل اختصار..».
واتهم خالد ص.ح الحواجز التابعة لقوات الأسد، وأشهرها ما يسمى «حاجز عياش»، بفرض مبلغ يتراوح بين 50 إلى 200 ألف ليرة سورية على من يرغب من الأهالي بالخروج من الأحياء المحاصرة، مشيراً إلى أن غالبية ضباط النظام يشترطون أن يتم الدفع بالدولار الأمريكي، وكثيراً ما يتم سلب العائلات الخارجة ملابس أو مصاغ ذهبي أو نقود أو محافظ أو حتى بقايا طعام وشراب، وفقاً لـ»خالد» من دير الزور.
حواجز داعش.. بانتظار القادمين
كما ينتظر المدنيون الهاربون من جحيم الحصار بعد تجاوز حواجز النظام حواجز أخرى أمنية تابعة لتنظيم «داعش»، وعندها يتم توقيفهم وأخذ بطاقاتهم الشخصية، وغالباً ما يتم نقلهم عبر سيارات أو باصات لمقرات تابعة للتنظيم في ريف دير الزور الغربي، بغية التحقيق معهم، ومعرفة من هو مطلوب وفقاً للوائح «داعش»، كما يروي أحد الناشطين من دير الزور لـ»زيتون»، فضّل عدم ذكر اسمه.
كارثة إنسانية محتملة وسط فقدان شبه تام للغذاء والدواء
تكاد تندر في الأحياء المحاصرة من قبل تنظيم داعش أنواع وأصناف الطعام والشراب بالنسبة للمدنيين القابعين فيها، وهو ما كان بسبب منع تنظيم «داعش» دخول المواد الإغاثية والتموينية والمحروقات لتلك الأحياء، التي تحوي قرابة 200 ألف مدني، تشير مصادر «زيتون» إلى أنهم يعيشون حالياً كارثة إنسانية بكل المقاييس، في ظل عدم وجود منظمات دولية أو محلية مساعدة في تجاوز الأزمة التي يمرون بها منذ أشهر.
من جهة أخرى، يتعرض المدنيون القابعون في تلك الأحياء لأعمال التنكيل والاعتقال من قبل قوات الأسد، لا سيما جهاز «الأمن العسكري»، في الوقت الذي يعاني فيه الأهالي من فقدان الأدوية وعدم توفر حليب الأطفال وحالات الأغماء لدى الأطفال والكبار في السن، نتيجة النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية والغذائية، فضلاً عن فقدان الخضار وكل المواد الأولية الأخرى، وفي مقدمتها مادة الخبز ومادتها الأساسية وهي الطحين التي بدأت مع بدايات آب/أغسطس 2015م بالنفاذ بشكل شبه نهائي من تلك الأحياء، فيما يعتمد بعض الأهالي حالياً على القليل من المعلبات التي كان قد خزنها بعض التجار المتنفّذين في تلك الأحياء، والتي تباع لهم بأسعار تفوق قدرتهم على شرائها.
وتعاني الأحياء المحاصرة كذلك، لا سيما حيي الجورة والقصور، أوضاعاً طبية مأساوية للغاية، في ظل حصار خانق مزدوج، من جانب قوات الأسد التي تسيطر عليهما من جهة، ومن تنظيم «داعش»، الذي يفرض في محيطهما طوقاً خانقاً من جهة أخرى، مع عمليات استهداف لتلك المناطق بالهاون من قبل «داعش»، وهو ما يؤدي باستمرار لوقوع ضحايا بين المدنيين، حيث سجل سقوط عشرات الشهداء جراء عمليات الاستهداف تلك، بينهم أطفال ونساء وشيوخ كبار في السن.
دعوات لتدخل عاجل من المنظمات الدولية
أطلق ناشطون من دير الزور مؤخراً حملة بعنوان «دير الزور تموت جوعاً»، للفتِ نظر المنظمات الإنسانية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، ومطالبتها بالتدخل الفوري لفك الحصار وإيقاف سياسة التجويع من قبل نظام الأسد في مناطق سيطرته في مدينة دير الزور، إضافة لوضع حد لانتشار الأوبئة والأمراض في صفوف الأهالي، وهو حصار اتهم ناشطو المحافظة تنظيم «داعش» بمساندة نظام الأسد به، عبر تطويق تلك الأحياء ومنع دخول المواد الأغاثية إليها.