وكانت طائرتان روسيتان قد قصفتا ظهر السبت، محكمة “دار القضاء” في معرة النعمان، بستة صواريخ فراغية؛ أربعة منها أصابت مبنى المحكمة بشكل مباشر، فيما سقط الصاروخ الخامس أمام المبنى، والسادس استهدف المدرسة المجاورة للمحكمة.
وقُتل نتيجة القصف أغلب مراجعي المحكمة المدنيين، في بهو بناء المحكمة الواسع، نتيجة الضغط العالي الذي تحدثه الصواريخ المستخدمة. في حين قضى أغلب السجناء، نتيجة سقوط صاروخ فوق “مهجع السجناء” مباشرة، بحسب مصدر محلي. وأضاف المصدر أن ستة سجناء من عناصر تنظيم “جبهة النصرة” كانوا في مهجع مستقل، لقوا حتفهم أيضاً.
وقال قائد فريق “الدفاع المدني السوري الحر” في مدينة معرة النعمان، محمد زكرة، لـ”المدن”، إن “أغلب الشهداء كانوا في بناء المحكمة، وهم من المراجعين وأصحاب الشكاوى”، وأضاف أن “عدداً كبيراً من النساء والأطفال هم من بين الشهداء”.
أحد الأطباء الميدانيين في المستشفى الوطني في معرة النعمان، قال لـ”المدن”: “استنفرت المشافي الأربعة؛ الأورينت والوطني والسلام والصناعة في المدينة، ونُقل عدد كبير من الجرحى إلى مشافي سراقب وأطمة وتركيا. وعدد الإصابات وأنواعها كان فوق قدرتنا على الإستيعاب أو التدخل الجراحي”.
ووجهت انتقادات لاذعة لتنظيم “جبهة النصرة” نتيجة وضعها للسجناء في أماكن غير محصنة، ومعرضة للقصف المباشر. الناشط الإعلامي جودت ملص، من مدينة معرة النعمان، وأحد المعتقلين السابقين لدى “النصرة”، قال لـ”المدن”: “النصرة لم تعامل المدنيين السوريين كما عاملت الطيارين الذين أسروا العام الماضي. وأعتقد أن حرص النصرة في الحفاظ على أولئك الطيارين يعود إلى محاولة التفاوض عليهم وكسب المال، أما المواطن السوري البسيط ومن يُتهم بالإنتماء إلى جبهة ثوار سوريا، يلقى حتفه تحت قفص بأربعة جدران في مرمى الطيران”.
واعتقل عناصر من “جبهة النصرة” الإعلامي جميل لبابيدي، من المستشفى الوطني، عصر الأحد، ليقوموا بالافراج عنه بعدما أخذوا “كرت الذاكرة” في كاميراته، التي وثّق بها صور القتلى. ويعتقد أن سبب اعتقال لبابيدي، يعود إلى نشر صور بعض عناصر التنظيم دون تمييزهم عن بقية الضحايا، الأمر الذي تتجنبه “النصرة”، فهي لا تنشر صور وجوه مقاتليها، خاصة الأجانب منهم.
وكان تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، صادر في 6 كانون الثاني/يناير 2016، قد أشار إلى أن قوات النظام استهدفت 774 مركزاً حيوياً في عموم البلاد، خلال عام 2015. فيما قامت القوات الروسية باستهداف 119 مركزاً حيوياً. وأغلب القصف بحسب “الشبكة” تركز على البنى التحتية؛ فقصفت قوات النظام وتلك الروسية، نحو 243 من المراكز الطبية و216 من المراكز الدينية و202 مركزاً تعليمياً و104 مربعات سكنية. وأوضحت “الشبكة” أنه خلال كانون الأول/ديسمبر 2015، قصفت “القوات الحكومية 99 مركزاً حيوياً” بينما قصف الروس 26 مركزاً.
وطالبت “الشبكة” مجلس الأمن، بالضغط على “القوات الحكومية” بشكل رئيسي، لتطبيق القرار 2139 الصادر عن المجلس والقاضي بوضع حد “للإستخدام العشوائي عديم التمييز للأسلحة في المناطق المأهولة. بما في ذلك القصف المدفعي والجوي، مثل استخدام القنابل البرميلية”. ووقف استهداف مراكز التجمعات الحيوية، كالمدارس والمشافي والأسواق والمخابز والأماكن الدينية. وأكدت “الشبكة” في تقريرها السنوي الخاص باستهداف “المراكز الحيوية” على عدم وجود مقرات عسكرية في تلك المراكز الواردة في هذا التقرير، سواء قبل أو أثناء الهجمات عليها.
ويبدو أن القوات الروسية تستمر في انتهاج سياسية قصف العمق الحيوي للمعارضة السورية، والمناطق المحررة. كما تتعمد قصف الحاضنة المدنية للثورة، بعد فشلها في تحقيق انجاز لافت عسكرياً، رغم سخونة العديد من الجبهات التي تقوم روسيا بالتغطية الجوية لها أمام قوات النظام والمليشيات التابعة لها.