كثيراً ما طلبنا على صفحاتنا المساعدة لآخرين، فهل طلبنا من أنفسنا، ولو بين كل حين وآخر، أن نغير من عاداتنا المكلفة، كي نساعد بفروقها الآخرين؟ هل تعتقد بإمكانية التغيير عبر البدء بخطوات صغيرة تقود لخطوات كبيرة!
هل تعلم يا عزيزي المدخن، أن توفيرك في شراء السجائر، ينقلب ايجاباً عليك، حيث تكتسب أجراً بغير حدود، مع امكانية الاستغناء عن التدخين، مرحلياً، كلما فكرت، أن الاستغناء عن حرقك لهذه السيجارة، قد يعني امكانية تدفئة طفل، يرتجف من البرد، في هذا البرد القارس؟ اربط بتفكيرك صورة أعزّ أطفال العائلة اليك، يناديك ويحتاج اليك، ابدأ بالعزم بأن تتخلى عن نسبة معينة من سيجاراتك، التي اعتدت تدخينها يومياً، وتدريجياً ستجد أن توفيرك سيحدث فرقاً.
هل فكرت صديقي، النازح الميسور، أن تخليك عن بعض الامتيازات في شقتك التي تستأجرها، قد يمنح آخرين سقفاً ينامون تحته؟ نعم، لا تستغرب! فحين يكون آجار منزلك، في بلد النزوح، يساوي أضعاف إيجار منازل آخرين، غير ميسورين، فلا بأس عليك حين تستذكر أن توفيرك في أخذك بيتاً عادياً هو عون منك لآخرين لا يجدون سقوفاً تؤويهم، حين تقر لنفسك، بعد محاكمتها، أحقية أولئك، بالفروق التي أقرتها انسانيتك، وهكذا يصبح الدين، الذي اخترته لنفسك، تطبيق بالقول والفعل.
أخي الذي تتحدث عن نوعية الطعام، الذي لا تفكر في تبديل عاداتك فيه، تذكر أن هناك كثيرون يطوون ليلهم جوعى، لا يملكون حتى ترف التفكير بتبديله، تذكر وأنت تضع طعامك، الذي طهوته البارحة في سلة القمامة، لأنك معتاد على عدم تناول الطعام البائت، أنك لو بحثت قليلاً عن الجمعيات، التي تقبل بقايا الطعام، وتعيد توزيعه على المحتاجين، لنفعت نفسك والآخرين، بدل اسرافك، الذي يدل على أن الكارثة، التي نعيش فيها، لم تبدل فيك قيد أنملة، وأنك تحسب نفسك بعيداً عن تقلباتها المريعة، اعلم أخي هداني واياك الرحمن، أنها عصفت بعوائل كانت تعيش حياة الرغد، وقلبت حيواتهم نحو
الضنك. فتدبر وتفكر يا رعاك الله.
صديقي الذي اعتدت أن يكون منزلك عامراً بالدفء في كل أركانه، عزيزي الذي لا يقبل أن يتسرب البرد لكنف غرفة من غرف منزله، أخي الذي لا يقبل أن تكون غرفة الضيوف أقل دفئاً من باقي غرف منزله، لأنه من المعيب أن يزوره ضيف طارئ، وتكون غرفة استقباله باردة، رغم أنها خاوية طوال أيام. اسألك بالله، أن تستقطع غرفة من قلبك، ينزل فيها لاجئ، تستضيفه، أو تنفق عليه بما استطعت، واستعض عن تدفئة الغرف الخاوية بذاك الدفء الذي سيتسرب لقلبك القاس والخاوي الا من حب الذات والأنانية.
سيدتي التي اعتدت أن تباهي بين جيرانك، بألبسة أطفالك، وبأنها لم تعد تناسب ذوقك، ومستوى معيشتك، رغم كونها لا تزال محتفظة برونقها، علمي نفسك وأطفالك، التواضع و تقدير النعمة التي تعيشين فيها، تذكري وأنت ترمين ملابسك.
هل فكرت صديقي، الذي تتنقل مع عائلتك بالطيران، من مدينة لأخرى في ذات الدولة، أن تأخذ عائلتك برحلة واقعية، يعرفون فيها كم هي الحياة صعبة، وكم هي قاسية بعيداً عن ترف المواصلات السريعة! وأن تعطي الفارق لآخرين هم في غاية الحاجة فتجمع بين استذكار الواقعية وأن النعم لا تدوم وبين مشاركة الآخرين بعضاً من همومهم وأحزانهم؟
هل فكرت مثلاً أن تستغني عن التنقل بسيارتك لأسبوع من الزمان وأن تقوم بدفع الفارق ليستفيد منه منكوبون في بلدك سوريا أو في بلدان تعج فيها النكبات! قدم لنفسك عرضاً بالنشاط الرياضي كتعويض عن هذا الحرمان لمدة أسبوع وبمجرد أن تربطه بمدى احساسك بالأخرين فسيتولد لديك أفكار ستتوالى لدعم المعوزين والمحتاجين.
اخوتي الكرام دعونا نستذكر أن هذه المحنة والشدّة والضنك التي نعيشها ما هي الا ذكرى لوأد كوارث اعتدنا أن نجعلها عادات في مجتمع بات شيئاً فشيئاً قاس القلب لا يرحم فقيراً ولا معوزاً ولا صاحب حاجة. دعونا ننظر للكارثة التي نعيشها اليوم على أنها زلزال ضخم هز مملكة الأنانية والجشع لتكون انساناً أفضل في ظروف فظيعة وغير اعتيادية.