زيتون – حسين جرود
تدخُّل بعض الفصائل بحياة المدنيين ليس بالأمر الجديد، تجلى ذلك،بشكلٍ رئيسٍ في التضييق على السكان المدنيين عبر إصدار قرارات جدلية من الجهات التي تسيطر على مناطق في محافظة إدلب، فيرى البعض أنه ليس الوقت الملائم للنظر بأمور شكلية كهذه في وقتٍ لا تتوقف فيه المعارك كما لا يتوقف القصف بأنواعه، في حين يرى آخرون أنه لا بد من تنظيم أمور تلك المناطق، ولو من جهات عسكرية، وطالب بعض السكان بتطبيق شرع الله على الأرض.
يزداد الجدل حول تلك القرارات كلما تعلقت بالحياة اليومية، والأمور الشخصية للسكان المحليين، حيث لقي بعض تلك القرارات رفضاً من السكان، وأدت لخروج مظاهرات، ومن ذلك: القرارالمتضمن إجبار أصحاب المحلات التجارية على إغلاق محلاتهم في أوقات الصلاة في عدة مناطق من ريف إدلب كسرمدا وسلقين وغيرها،والذي صدر سنة 2014، وقوبل باستنكار من الأهالي بسبب الأُسلوب القاسي في التطبيق مما أدى لمراجعة القرار بحيث نص على الطلب من أصحاب المحلات التوجه إلى الصلاة بدل إجبارهم. مروراً بقرار صدر نهاية 2014، يتعلق بمنع التدخين في سراقب، وقد لقي رفضاً قاطعاً، وتم الاعتذار عنه في اليوم التالي لكن تبين يومها أن الكثير من الأوامر والقرارات في المناطق المحررة قد تخرج دون دراسة أو تمحيص لتبعاتها مما قد يسبب مشاكل واضطرابات، وانتهاء بمجموعة من القرارات الجديدة التي يتعلق أغلبها باللباس والمظهر والتبرج وعرض الملابس في المحلات التجارية حيث صدرت، في الشهر الماضي، مجموعة من القرارات في إدلب وسلقين ومعرة النعمان وغيرها.
قرارات جديدة
طالبت الجهات العسكرية المسيطرة على مدينة إدلب وريفها النساء بارتداء اللباس الشرعي، ومنعت عرض «المانيكانات» في المحلات التجارية التي تبيع الألبسة النسائية، حيث أعلنت جبهة النصرة هذا القرار وظهر عليه توقيع جميع فصائل المعارضة العاملة في إدلب وريفها.
وجاء في نص القرار: “سيتم محاسبة ولي أمر أي أخت لم تلتزم باللباس الشرعي الساتر الذي حددته هيئة الفتح للدعوة والأوقاف، وسيتم إحالة ولي أمر الأخت المخالفة إلى المحكمة ويعمل بهذا القرار في الشوارع والأسواق”. كما تضمن القرار شروط اللباس الشرعي بأنه يجب أن يكون واسعاً وطويلاً وخالياً من الزينة وأن يكون لونه حصراً من بين الألوان التالية: “أسود، أو كحلي، أو بني”. كما نص بيان آخر على عدم السماح لأي معلمة أو طالبة لا ترتدي اللباس الشرعي الساتر الدخول إلى المدارس وقت الدوام الرسمي، بحسب نص البيان.
في حين عارض عدد من سكان المحافظة القرار الصادر، وقالوا “إنهم مسلمون دون ارتداء الملابس الشرعية التي تفرضها عليهم بعض الفصائل”.وفي لقاء مع “محمد”، صاحب أحد المحال التجارية،في إدلب، قال: “أن هذا القرار لقي إعجاب قسم كبير من الناس، وقد اعتبره بعض المواطنين قراراً صائباً لاسيما أنه كانت هناك كتابات عديدة على الجدران في مدينة إدلب تطالب بالقرار، وأيضاً خروج بعض الشباب مطالبين بتحكيم شرع الله على الأرض في ملابس النساء وتبرجهم.
وأشار الى أن القرار أعجب بعض النساء الذين يرتدون اللباس الشرعي، لأنه هؤلاء النسوة لا يحببن لباس الفتيات في العصر الحالي لأنه، وبحسب رأيهن، يفسد أخلاق الشباب وخاصة المجاهدين المتواجدين على نقاط التفتيش في أحياء المدينة.
وفي المقابل عارض بعض السكان هذا القرار، حيث قالوا أن قرار اللـباس الشـرعي يتحدث عن أمر خاص جـداً، ولا يمـكن لأحد أن يجبـر النساء أو يـفرض عليـهن لباسـاً معينـاً، ولكن أغلب النقد قد صب على طريقة تنفيذ القرار كما يقول “فهد حربة”، وهو من أبناء إدلب: “تقوم مجموعة من النساء تدعى نساء الحسبة بالتجول في الأسواق وإهانة السيدات فقد تم ضرب سيدة وإهانة وملاحقة أخريات”.
وقالت إحدى السيدات أن النصح بالشكل الحضاري مطلوب،ولكنها ليست مع إجبار النساء وخاصة الفتيات على اللبس بطريقة معينة، فالتطور لا يتناقض مع الحشمة في اللباس”.
وأضافت: “الدين قول وعمـل وليـس في القلـب فقط، ويظهر على الإنسان في لباسه وأخلاقه، لكنه لا يكره الإنسان على شيء ما لم يخل بالآداب العامة، فإن كان اللباس يخلُّ بها فيحقُّ لأي شخص النصح، والتدخُّل من باب النهي عن المنكر، وأما إن كان اللباس لا يصف، ولا يشف فلا يحق لأحد مطلقاً التدخل به”.
وقد اعتبر بعض السكان أن اللباس في مناطق إدلب شرعي ولا معنى لصدور القرار.
يقول “أحمد حلوم” أحد سكان مدينة سراقب: “لا معنى لتطبيق هكذا قرار، لأن النساء في مناطقنا ترتدي اللباس الشرعي، وقد سمح الإسلام بكشف الوجه والكفين، وبالتالي اللباس عندنا على السنة، ولا يستطيع أحد أن يفرض شيئاً آخر”.
وظهرت في سراقب بعض التعليمات التي تطلب من طالبات المدارس الالتزام ب”المانطو” الطويل.
ومن أهم الأحداث التي زامنت هذه القرارات هو إقدام مسلحين مجهولين على إغلاق جامعة إدلب بعد أسبوعين من بدء الدوام بها حيث منعوا الطلاب من دخول الجامعة بحجة الاختلاط، وعدم فصل الذكور عن الإناث، وعدم ارتداء الطالبات للباس الشرعي. كما تم إغلاق عدة مدارس في مدينة إدلب منها مدارس “العروبة وبليغ حميداني وحسام حجازي” من قبل مسلحين.
كما قامت المجموعة ذاتها من المسلحين برشق طالبة بالدهان بحجة عدم تقيِّدها باللباس الشرعي.
في سياق متصل، تم تداول بيان على الفيسبوك من قبل إعلاميي إدلب ذُكِر فيه أنه بعد اجتماع لواء شهداء إدلب مع محافظ المدينة “بلال جبيرو” تقرر أن أي شخص يتعرض لأي فتاة أو إمرأة في الشارع بقصد الحشمة سيتعرض للمساءلة الشرعية.
وكان جبيرو قد صرح في وقت سابق: “لن نرضى بأن تتهم بناتنا ونساؤنا بالكاسيات العاريات، ولكن جميعنا يعلم أن هناك من هو جاهل لا يفقه ما يقول ولا يعلم ما يتكلم، بالنسبة للبيانات التي تنشر فأنا أؤكد أن لاعلاقة للهيئة الدعوية بها، ولسنا المسئولين ولسنا راضين عما يصدر إذ أننا نؤمن بالتدرج في الدعوة والأصل في أهل الشام التقوى والإيمان والأصل ببناتهن العفة والطيبة، نحن نعمل على محاسبة كل من يتفرد بأي قرار قد ينشر دون الرجوع للإدارة أو الجهة المعنية، ولكن الأمر يحتاج وقتاً”.
ولا تزال السلطة في المناطق المحررة من سوريا تراوح بين شد وجذب؛ ما بين من يمثل المدنيين من أبناء مدنهم عبر المجالس المحلية، والتجمعات المدنية وبين القوى الأخرى التي تستطيع التدخل بالإدارة عن طريق المال أو السلاح.