زيتون – بشار فستق
إلى أيّ مدى يمكن أن يصل بهم الارتزاق؟
بدأ حياته العمليّة كمساعد لصانع إعلانات تلفزيونيّة في بداية السبعينيّات، لكنّ وجود جثّة رجل ملقاة في الغرفة التي كان يقطنها في أحد أحياء دمشق الشعبيّة، جعله يغادر البلاد إلى الأردنّ، ليعمل هناك في عدّة مهن، منها تصوير الإعلانات.
مرّت أكثر من عشرين عاماً، حين التقت به صدفة الممثّلة المعروفة منى واصف، وعرفت أنّ هذا المصوّر سوريّ، فسألته: لماذا لا يأتي إلى سورية ليعمل فيها وقد ازدهرت صناعة المسلسلات والبلد بحاجة إلى الكثيرين للعمل في هذا المجال؟ أجاب نجدت أنزور بأنّه لا يستطيع أن يعود فهو (مطلوب للجيش) متخلّف عن خدمة العلم الإلزاميّة. فضحكت السيّدة واصف ووعدته بأن تحلّ هذا الموضوع.
التحق أنزور بشركة الشام الدوليّة للإنتاج السينمائيّ والتلفزيونيّ التي يملكها أولاد عبد الحليم خدّام نائب (الرئيس) حافظ أسد. وانتشر اسم نجدت إسماعيل أنزور في الأوساط الإعلاميّة، من مقابلات تلفزيونيّة أو إطلاق تصريحات صحافيّة استفزازيّة كدعايات، وهي أمور برع فيها أنزور، إضافة إلى إنشاء شبكة علاقات مبنيّة على تقديم خدمات متكاملة لجهتين: إحداها أمراء وأصحاب رؤوس أموال، والأخرى ضبّاط القصر الجمهوريّ والمخابرات.
أخذ مسلسل “نهاية رجل شجاع” ضجّة إعلاميّة كبرى في عام 1994، فهو إنتاج مشترك بين شركة الشام الدوليّة والتلفزيون السوريّ الرسميّ. المحرّك الرئيسيّ للمسلسل كان حسن م. يوسف (الدينامو) كما كان يحبّ أن يسمّي نفسه، الرجل المقرّب من القصر، والذي لا يغيب عن التلفزيون أو الإذاعة أو الصحف يوماً واحداً، وفي كلّ منها يتحدّث عن “الحدث الفنّي الكبير” وهو المسلسل الذي كتب السيناريو له عن رواية لحنّا مينه وأخرجه نجدت إسماعيل أنزور، الذي أصبح بدوره ضمن الدوائر القريبة التي تتلقّى التوجيهات في اجتماع وزرير الإعلام بصانعي المسلسلات لتحديد المسارات الفكريّة لعروض رمضان، من تهّجم على دول معيّنة، أو انتقاد دوائر معيّنة، أو تمجيد طرف وتلميع صورته أو تمييع قضيّة ما، إلخّ.
برع أنزور في تنفيذ مثل هذه الأعمال الدعائيّة، فهي مباشريّة في التوصيل، وتُخصّص لها ميزانيّات إنتاجيّة كبيرة، وتترافق بحملات إعلانيّة من شتّى الوسائل، وتخصّص لها ندوات وأبحاث، وتقف معها أجهزة الدولة، إلى درجة تخوين من تسوّل له نفسه بأن ينتقدها؛ لذلك سعى بعض رجال الأعمال إلى إنشاء شركات إنتاج خاصّة، في ظلّ هذا الدعم الواسع، تحت شرط تنفيذ التوجيهات السنويّة الصادرة عن (القيادة الحكيمة والرشيدة). بالطبع كان أنزور أحد الشركاء، فهو يملك كامل المواصفات باستثناء الأموال، فهو لاعب قمار، لدرجة أنّ بعض الممثّلين الذين لم يعطهم أجورهم أقاموا عليه دعاوى، فقد كان يضع كلّ ما يصل إلى يده في كازينوهات صلنفة وبيروت وأبو ظبي وغيرها.
في أعمال مثل “الجوارح” فيما أسماه الإعلام السوريّ (فانتازيا) تجد فيها الخيال السلبيّ، فهي مجموعة من الأحداث واهية الترابط، غير واضحة المكان والزمان، على خلفيّة من ثوب قماش أخضرمعلّق على أعمدة خشبيّة، يسيطر على الجوّ العنف والبدائيّة، فترى وجوهاً موتورة، وحركات عدوانيّة، مع إثارة جنسيّة من خلال إبراز أجزاء من أجساد نساء بمكياج معاصر جدّاً، وكذلك وضعيّات الكاميرا البهلوانيّة دون مبرّر.
وكأنّ هذه الأعمال عديمة المعنى تقريباً، ولكنّ دعمها من قبل السلطة بشرائها وتسويقها وحمايتها يجعل لصانعها عوائد مادّية لكي يستمرّ في التبويق حسب التوجيهات، فمكافئة هؤلاء عادة ما تكون في سورية بإطلاق يدهم لينهبوا، والأخطر تشويه الذوق العامّ وفرض ذائقة منحطّة عنفيّة، أو سخيفة سطحيّة تتعوّد على ما تتلقّاه دون إدراك أو وعي.
تشكّل اليوم هذه الشركات (الإنتاجيّة) الخاصّة أجهزة موازية لأدوات القتل، فهي تنتج مبررات القتل، وتصوّر القاتل ضحيّة، والضحيّة إرهابيّاً. إذ يقول نجدت أنزور في لقاء ضمن الفلم الوثائقيّ “داخل سورية الأسد” ردّاً على سؤال من الصحفيّ مارتن سميث حول قتل المدنيّين في سورية بالبراميل المتفجّرة: “إنّ المناطق التي تقصف من قبل النظام والتي يدّعي الغرب والآخرون أنّ فيها مدنيّين، برأيي أنّهم حاضنة للتطرّف المخيف” ثمّ يوضح رأيه أكثر ويفسّره: “لذا عندما ترمي برميلاً على منطقة حيث يعيش المتطرّفون، برأيي يجب على الحكومة أن تفعل أكثر من هذا” ويصل الأمر بالمرتزق في نهاية إجابته إلى أن يقول : “ردّة فعل الحكومة تجاه ذلك لم تصل إلى المستوى المطلوب”.
فهل سيصل الارتزاق بمثل هؤلاء، بعد استخدام السلاح الكيميائيّ، إلى صناعة مسلسل يرمي فيه الروس قنبلة ذريّة على سورية لتخليصها من الإرهاب؟