زيتون – إبراهيم الاسماعيل
تنتشر المراكز الأثرية والشواهد الحضارية القديمة على رقعة كبيرة من محافظة ادلب، والتي كانت فيما سبق مقصداً للباحثين وعلماء الآثار والمهتمين في البحث في هذا العلم، كما كانت المقصد الأول للسائحين الأجانب ومناطق استجمام هادئة للمواطن السوري وأسرته.
تراجعت السياحة بشكل كبير بعد قيام الثورة السورية بسبب الحرب الدائرة في البلاد، حيث هجرت المواقع الأثرية لفترات طويلة بسبب اعتبار النظام لها مخبأ للمطلوبين وكانت حملات البحث والتفتيش تطالها بشكل يومي ومتكرر، لذا انقطعت الزيارات اليها واصبحت مناطق مهجورة بعد أن كانت تعج بالقاصدين لها.
من أهم المواقع الأثرية في ريف ادلب مدينة معرة النعمان ومدينة البارة وخرائبها الشهيرة ومنطقة شنشراح والأبنية الرومانية القديمة التي تنتشر في منطقة “الحرش” شمالي مدينة كفرنبل، حول النظام السوري متحف مدينة معرة النعمان الأثري لثكنة عسكرية لمدة ثلاث سنوات حتى وقت تحرير المدينة من قبل الثوار.
ضم متحف المعرة فيما سبق أهم الكنوز الوطنية واللوحات الفنية القيمة داخله، بات خالي الوفاض بعد قيام ضباط نظام الأسد وجنوده بسرقة هذه القطع وبيعها لتجار القطع الأثرية تحت مسمع ومرأى النظام وحكومته.
ونتيجة لذلك أسس عدد من الشباب الناشط مركزاً لحماية الآثار في محافظة ادلب وأطلقوا عليه “مركز آثار ادلب الحرة ” والذي يضم عدداً من الأكاديميين والمختصين بعلم الآثار ومهندسين وقانونيين، حيث يعمل المركز في مجال الحماية والحفظ والتوثيق والترميم.
ايمن النابو مدير مركز اثار ادلب الحرة في حديث موسع حول أهمية المركز وضرورة استمراره قال ل”زيتون”:
“أسس المركز في الشهر السادس من عام 2012 بجهود محلية وتطوعية من قبل شباب ناشط يعمل على حماية تاريخ بلده، قمنا بالتنسيق والعمل مع الحكومة السورية المؤقتة لمدة ستة أشهر حتى نهاية العام 2014، حيث تركز عملنا في المناطق المحررة وأصبحنا طرفاً رسمياً في الداخل السوري، واصبح لدينا ممثلين عن المركز في الخارج من اجل تمثيل المركز في المؤتمرات وأمام المنظمات العالمية كاليونيسكو وايكروم وغيرها من المنظمات العالمية”
وللمركز أهمية كبيرة في الداخل السوري كغيره من الدوائر الأخرى المشكلة خلال الثورة السورية والتي حلت مكان دوائر النظام، فمع انعدام الرقابة خلال السنة الأولى من الثورة السورية وماتلاها من أعمال تخريب، استمر البعض من ضعاف النفوس في سرقة ونهب القطع الأثرية والتنقيب عنها وبيعها في الخارج السوري فكانت الضرورة ملحة جداً للقيام بخطوة تضمن الحفاظ على الممتلكات الأثرية والاهتمام بها.
ونظرا للحاجة الى وجود جهة تضمن فرض السيطرة على المواقع الأثرية والمراكز المهمة، فمع التنسيق والتواصل مع المحاكم الشرعية من قبل المركز استطاع الحصول على دعم من قبل الفصائل المقاتلة والشرطة الحرة والمحاكم الشرعية من اجل ملاحقة لصوص الآثار أو المعتدين عليها في مناطق عدة من ريف ادلب.
يتابع “النابو” : “تعمل المحاكم الشرعية الآن على احداث قانون خاص بحماية الآثار والممتلكات الأثرية وضرورة معاقبة الجناة والسارقين من قبل هذه المحاكم والتي ستعمل بموجب قانون يضعه قضاة ومحامون لهم خبرتهم في مجال العمل القضائي والمحاكم.
تتواصل العديد من الجمعيات والمنظمات المهتمة بالآثار مع ادارة المركز والتي تقدم عروضاً لمشاريع من أجل حماية الآثار أو المراكز الأثرية المهمة، حيث تعتمد هذه المشاريع على الحفظ والترميم والتوثيق والحماية، ضمن عقود يتم توقيعها بشكل رسمي مع الممثلين عن مركز الآثار في الخارج السوري ويتم تنفيذها في الداخل السوري من قبل العاملين في المركز.
وعند الحاجة لدعم خارجي من المؤسسات العسكرية والخدمية يتم التواصل معها بالمخاطبة الرسمية بين المؤسسات كالشرطة الحرة أو المخافر أو المحاكم بطريقة الكتب الموقعة والموثقة لضمان التوثيق الكامل لعمل المركز والعمل بشكل رسمي مع الأطراف الأخرى من المؤسسات أو المحاكم.
يعتبر هذا العمل من الأعمال المهمة والتي تضمن الحفاظ على تراث شعوب عدة استوطنت في هذه الأماكن الأثرية القديمة، الهدم المستمر والقضاء على المعالم الأثرية التي اشتهرت بها سوريا من قبل قوات النظام المجرمة يحتاج لمثل هذه المراكز بشكل موسع وعلى نطاق المناطق المحررة في اماكن أخرى غير محافظة ادلب.
تنتشر مواقع عدة في العديد من المحافظات كقلعة حلب والقلاع الأخرى الشهيرة بالإضافة الى المناطق الأثرية الكثيرة المنتشرة في مدينة دمشق وغيرها ومدينة حمص كجامع خالد بن الوليد الذي دمر على ايدي جنود الأسد ولم تلتفت لهذا التخريب أي جهة تدعي حماية الآثار أو التراث العالمي، في خطوة من الأسد لمحو تاريخ أمة وحضارة شعوب.