هو يوم لا يختلف عمّا سبقه.. أجترّه كما قبله وعلى الأغلب كما بعده..
هناك حيث تتبدل الجغرافية وينطق التاريخ بحيثيات مغايرة، يرسم آمالاً وأفراحاً لبشر لم يحاصرهم الخوف ولا خاصرهم البارود والشحّ واليأس.
هنالك حيث لا إرث يُثقل الرأس ولا حاضر يلعثم اللسان.
حاول أن تهرب من خلاياك من ال «هنالك» فأنت لم تعد في الثابت، الكلّ متحوّل أو مرتدّ فالزمن «الآن وهنا».
وقد يكون الزمن غادرك وهرب من أيامك وثوانيك وبقيتَ مثقلاً بماضٍ يتثاءب منذ أن وعيته، وحاضرٍ لا يرى فيك إلّا التوزّع بين طبعٍ كنت، وطبيعةٍ صرتَ.
قد لا يفيدك أن تزرع الرصيف بخاراً تزفره، ولا أن تغلق نوافذ روحك، فنوافذ الروح عصيّة عن الإغلاق.
إياك أن تمنح لذاكرتك جواز سفر.. إن استطعت قاومها، علّها تبقى هنا فلا ينفع أحلامك التربع هناك.
ماذا ستقول لمن نصبوا أشجار فرحهم وغرسوا رنّات ضحكاتهم في ليل خلعوه عنوة من عتمته وأرغموه ألّا ينام.. فراح يهذي ويراقص شموعاً ملونةً في غرفة صغيرة إذا ما نُسبت إلى المتحركات، لكنّها تتسع لآلاف الرموز والمُعنيات.
لابأس هي الثانية عشرة ليلاً أو ما دون، لم يبقَ إلّا القليل.. ها أنت استطعت أن تغادر الزمن.. نعم هي لعبة العبث بالأشياء..
هي لعبة الدخول إلى أماكن لا تعرفها..
هي أن تشعل سيكارة وتطفئها في قرف ثمّ تشعل أختها.
لكن الثانية عشرة قد تحقّقت وخسرتَ رهان تبلّدك لصالح أنسنتك التي أرغمتك أن تكون أنت حاضراً في هواء ال «هنا» في الشرفة علّك تستطيع أن تتشارك – ولو لثوانٍ – آخرين من حقّهم أن يفرحوا فقد ينتظر البعض، أو يُوجد مناسبة ما، مقولة ما ليقذف فرحه ويصيب من قدره البيولوجي ككتلة زائلة.
الأحمر والأخضر والأصفر وكلّ ألوان الطيف الأخرى تمزّق هذا الظلام في صعودها السنويّ السماويّ لترسم كرة أو شجرة أو أيّ شيء يسرق من هذا الظلام لونه ولو للحظات، ولنعمةٍ في الضوء زاد سرعته عن كل الموجودات، وصل الصوت.
حاولتُ أن أهرب من ذكرياتٍ هي بالنسبة لي كانت مشكلة، لكنه الصوت، فقد يكون أقوى تنبيهاً وغطرسةً من الضوء، ولذلك ضغط على كلّ مسامي ونبّهها وقذف بي إلى جغرافية ال «هناك» حيث كنت أستشعر في هذا الصوت نذير خرابٍ وشؤم، لكنك أنت هنا والصوت هو عبارة عن ألعاب نارية يطلقها حولك ومن كل الاتجاهات مَن هم يودّعون زمنهم الماضي ليستقبلوا ما هو آتٍ، ومع أنك تعي ذلك تماماً
لكن ما اختزنته الذاكرة من رعبٍ عليك وعلى مَن هم حولك.
اتجاه هذا الصوت قد لا يمكن نسيانه بسهولة هذا إن أسعفتك الأيام، فهم هنالك ما زالوا يهربون خوفاً في العتمة أو في النور من هذا الصوت، ويرفعون أكفّهم دعاءَ أمانٍ أن لا يجهز هذا الصوت على أحدهم.
عبثاً تحاول أن تكون أنت في هذا المكان، وعبثاً أن يجعلك المكان تغادر وتنسى أسى وأحزان مَن هناك، ومع ذلك حاولتَ أن تكون لا مبالياً لا بهذا ولا بذاك، ولكنها كينونة الفرح الأخضر المستمد من إيمانٍ لا يقتله الحقد الأسود وبأن الزمن ماضٍ في صيرورته إلى الأمام ونحن قَدرنا أن نودّع ونستقبل مرغمين.
فليفرح كلّ من يستطيع الفرح وهنيئاً له فرحه وإن استطاع فليوزّع بعضاً منه، وليبكِ ويحزن كلّ من استطاع، فهذه هي الأنسنة وهذه هي مشاعرها المعطاة بيولوجيا عن سائر كل الموجودات.
وفي عظمتها قد يلتقيان ومن ثمّ يختلفان ويتمايزان، وهي نعمة ولعنة عقلنتها منذ الخليقة وهذا هو الإنسان وبغير ذلك لا يكون.
لا مصادرة للفرح ولا مانع من حزن شفيف غير قاتل.
كلّ الأمنيات لعام أبيض ليس فيه قتل ولا إجرام، لسورية الخروج من مخاضٍ عسيرٍ جذوره ضاربة في ماضٍ عتيق وحاضرٍ ملوّث بلوثة المرتزقة والطغاة.
لكلّ سوريّ في الداخل والخارج المحبة والسلام
ولأبطالها ولشهدائها ألف رحمةٍ وفردوسٍ.