زيتون – محمد حاج حسين
كان الجميع ينتظر الشتاء، لا لشيء فقط ليعود ذلك الإحساس بأن الوجبات المعدة بحنان ودفء قد عادت.
ستخلو قريبا السماء من الطيور، وسترحل لأعشاشها، سنرحل من ملاعبنا الى مدارسنا، الى حلقات من العائلات وقصص البرد و”قمامو”، سنرحل لنَفسِ الأمهات الذي يطهو الحب وينشره على أفواهنا الباسمة.
كلنا نعرف طعم الخبز المحمر على مدفأة، طعم الكستناء أو التي كانت تسمى “ابو فريوة”، كلنا نشتاق لهذه الأعشاش، ونشتاق لشركائها الذين باعدتهم الريح، بعضهم بقي شمالاً وبعضهم رحل جنوباً وبعضهم تاه في زحمة الشوق كحبة الكستناء التي تخفق في يسار الصدر.
في لحظات كثيرة تصبح الوجوه أرغفةً ضاحكة، المطر لا يقتل أحد ولا الجوع، في تلك السنوات التي رتبت لنا شتاءنا، كان لابد من الشاي لقتل المخاوف كلها، كان البرد زائرك الدائم، الأهل كُثر في قريتنا، كل الأبواب مفتوحة لك، كل الوجوه التي تشبهك تحتضنك كأنك فرع من شجرتها، لم يفرقنا شيء حتى هذه لم تقوى على كسر الحب الذي يربطنا، صوت موال واحد زفراتك، صوت عداوية وحيدة شهيقك ،أنت ابن هذا البرد، وهذا الدفء، وأنت ابن الكستناء كله.
هكذا البرد كان وحده متهميك كلهم، أجهزة الأمن التي تطاردك، كل الأسلحة التي تترصدك، أصدقاء يحبونك، أقرباء يخافون عليك، كلهم كانوا شتاءً لا يلبث أن ينتهي، لا يلبث أن يخلق من جديد، وتبقى أنت وحدك تحارب ثلج الغربة.
سنصحو جميعنا في صيف قادم، نحدث أنفسنا أي الدفء نفتقد، وأي الشموس تحرقنا، وأي الكستناء ذبلت في يسار الصدر.
كان يكفي أمام كل هذا البرد، صحن شوربة، شيش برك، فتة، أرز… لا كل هذا كلام فقط، كان يكفي صوت أم لا تبكي عبر المسافات، يهطل دمعها عليك مطراً قاتل، كان يكفي صوت أبٍ لم يرحل لعشٍ وحيداً تاركاً لك كل هذه المساحات التي لا تعرف من أين سترحل عنها، حين يمر الشتاء عنوةً، كان يكفي أن نكون بلا كل هذه الأجنحة، الاقنعة، بلا كستناء لا ينبض.
*قمامو: اسم شخصية خيالية لتجبر الأطفال على النوم.