بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة في سوريا و بدء مرحلة جديدة و خطيرة في مسيرة تاريخ سوريا , قام نظام الأسد بطمس أي علاقة بين المواطن وبين تاريخ سوريا الحديث , وذلك بهدف ترسيخ حكمه واعتبار أن تاريخ سوريا يبدأ من وقت استيلائه على كرسي الرئاسة لا من استقلال البلد , و تم إفراغ المناهج الدراسية من أي تطرق أو استعراض متسلسل لتاريخ سوريا الحديث , نقوم بزيتون بشر ملخص منهجي لتاريخ سوريا بعد استقلالها , وبدايات تشكل الأحزاب الفاعلة على الأرض والتي كان لها دور كبير بتلك الفترة قبل أن تنتهي صلاحيتها مع حكم بعث آل الأسد , وننشر هذا الملخص على أجزاء ضمن صفحات الجريدة , كي لا تكون المادة المقدمة طويلة على القارئ أو مكثفة المعلومات , منطلقين من مرحلة ما بعد الاستقلال .
بعد الاستقلال
تميزت مرحلة ما بعد الاستقلال بعدم الاستقرار السياسي. في عام 1948أعلنت دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية( وكانت
الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي السابق من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني الوليد ) ، وكانت سالزعيم.بين الدول العربية التي أرسلت قواتها إلى فلسطين للتصدي للدولة الصهيونية الوليدة. خسر العرب الحرب، وفي تموز (يوليو) 1949 كانت سوريا آخر الدول العربية التي وقعت اتفاقية هدنة مع إسرائيل في عهد حسني الزعيم . كانت تلك فقط بداية الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لا زال مستمراً حتى اليوم.
في 1949، تلقت الديمقراطية في سوريا ضربة موجعة، بقيام أول انقلاب عسكري في البلاد بقيادة حسني الزعيم. لم يدم حكم الزعيم سوى 139 يوماً، أزيح بعدها بانقلاب قاده سامي الحناوي، الذي سرعان ما قلب حكمه العقيد أديب الشيشكلي(أيضاً ملحوظة مهمة وهي أن الانقلابات التي حصلت في تلك الفترة كانت مدعومة من السعودية أو من العراق اللذان كانا في قمة تنافسهما على أكبر نفوذ ممكن في المنطقة) . استمر حكم الشيشكلي حتى سنة 1954، عندما أجبرته المعارضة الشعبية المتزايدة على الاستقالة ومغادرة البلاد إلى لبنان ومنها إلى السعودية. أعيدت الحكومة الوطنية وعادت الحياة الديمقراطية تدريجياً، لكنها واجهت اضطرابات سياسية أتت هذه المرة أيضاً من الخارج. مع تطور العلاقات بين سورية والاتحاد السوفييتي في أواسط الخمسينات، بدأت علاقات سوريا مع الغرب تسوء، ووجدت سوريا نفسها في متاهات الحرب الباردة وما نتج عنها من قيام أحلاف وتكتلات في الشرق الأوسط. في عام 1957 كادت الخلافات بين سوريا وجارتها الشمالية تركيا، أن تصل إلى حد المجابهة العسكرية،فقد حشدت تركيا قواتها على الحدود مهددة بغزو سوريا. ازداد التقارب السوري مع الاتحاد السوفييتي، وازدادت الفرقة مع الغرب.
الوحدة مع مصر والانفصال والتغيرات على الديمقراطيّة في سورية أثناء الوحدة
وكانت التهديدات الغربية أحد العوامل التي دفعت السوريين إلى الاتحاد مع مصر في دولة واحدة أطلق عليها اسم الجمهورية العربية المتحدة، تم إعلانها في 22 شباط (فبراير) 1958، واختير الرئيس المصري جمال عبد الناصر رئيساً لها. لم تستمر الوحدة مع مصر طويلاً، فقد كان حل الأحزاب السياسية السورية من الأسباب التي دفعت الجيش السوري إلى فصم الوحدة وإعلان الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة في 28 أيلول (سبتمبر) 1961. تجدر الإشارة إلى أن الانقلاب الذي قضى على الوحدة والذي قاده عبد الكريم النحلاوي كان له خلفية تفوق ما هو معروف على الساحة العربية إذ لا يمكن نسيان النظام البوليسي الذي كانت تحكم به سورية من قبل رئيس المخابرات ونائب جمال عبد الناصر ( عبد الحميد السراج ) أيضا القضاء على الديمقراطية الوليدة في سورية إذ أن مصر إبان ثورة يوليو لم يكن فيها مجلس نواب على الإطلاق بينما سورية كانت تعيش تجربة برلمانية فريدة إذ أن انتخابات عالم 1954 كانت من أهم الدورات الانتخابية في تاريخ سورية السياسي على الإطلاق كما تجدر الإشارة إلى أن أكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار ووهما من مؤسسي حزب البعث قاما بالتوقيع على بيان الانفصال لكن الأخير ألغى مساندته للانقلاب بسبب ضغوط مورست عليه
ثورة الثامن من آذار في حزب البعث والخلافات داخله ودور الطائفيّة فيه حتّى حدوث الحركة التصحيحيّة
في 8 آذار (مارس) 1963 قاد حزب البعث العربي الاشتراكي انقلاباً آخر، وروج له شعبياً فيما بعد حتى صار يدعى باسم ثورة الثامن من آذار آذار. أنهى البعث القطيعة مع مصر وأعلن نيته إعادة الوحدة، إلا أن المفاوضات التي جرت بهذا الخصوص باءت بالفشل. كانت الخلافات التي نشبت داخل حزب البعث نفسه عائقاً أمام تنفيذ مشروعه التنموي في سوريا، وتميزت أواسط الستينات بمزيد من الاضطرابات السياسية، قادت إلى انقلاب في 23 شباط (فبراير) 1966 والتي تم على إثرها اعتقال ضباط القيادة أمثال رئيس الجمهورية أمين الحافظ .
في أيار (مايو) 1967، كانت الاشتباكات الحدودية السورية-الإسرائيلية، التي نتجت أساساً عن تعدي إسرائيل على المنطقة منزوعة السلاح، قد وصلت ذروتها. قامت إسرائيل باعتداءات واسعة على أهداف سورية في الجولان، وحشدت قواتها على خط الهدنة مهددة بغزو سوريا. ردت مصر، التي كانت تربطها بسوريا اتفاقية دفاع مشترك، بحشد قواتها أيضاً في سيناء. تصاعد التوتر في المنطقة، وقامت مساع دولية حثيثة لمنع نشوب الحرب، إلا أن إسرائيل فاجأت العالم بعدوانها على مصر والأردن صباح 5 حزيران (يونيو) 1967. ابتدأ العدوان الإسرائيلي بضربة صاعقة للقوة الجوية المصرية والأردنية، تقدمت بعدها القوات البرية الإسرائيلية في سيناء والضفة الغربية للأردن لتحتلها في غضون أربعة أيام. في 9 حزيران (يونيو)، ورغم قبول الدول العربية بوقف إطلاق النار، هاجمت إسرائيل القوات السورية في الجولان، وتمكنت من احتلال هذه الهضبة الإستراتيجية بحلول يوم 11 حزيران (يونيو) 1967 أي خلال يومين فقط وكان وزير الدفاع حينها في سورية حافظ الأسد وقائد الجبهة أحمد المير.
كانت الهزيمة العربية مفاجئة للجميع. وقرر العرب الاستمرار في الصراع، وعدم الاعتراف بإسرائيل وعدم التفاوض معها. في تلك الفترة التي تلت الحرب، كانت سوريا تزداد ابتعاداً عن محيطها العربي، وكان حكم البعث في دمشق يزداد ابتعاداً عن الشعب. كما أن الصراع على السلطة بين أعضاء القيادة في سورية أدى إلى إعلان انقلاب جديد بقيادة وزير الدفاع حافظ الأسد طبعا كالعادة أستطاع البعث الترويج ل مصطلح شعبوي لهذا الانقلاب وسمي (بالحركة التصحيحية وقد قامت في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 وليس في 16 تشرين الثاني(نوفمبر)1970 كما هو معلوم في سورية )،
بعد سقوط القيادة القومية في فبراير (شباط) 1966، وخاصة بعد انقلاب حاطوم الفاشل، تجمع معظم الضباط العبثيين وأعضاء الحزب المدنيون، إما حول صلاح جديد أو حافظ الأسد اللذين كانا أبرز السياسيين في سوريا حينذاك. وبالرغم من أن جديد لم يعد له منصب رسمي في الجيش السوري منذ أغسطس (آب) 1965 –عندما استبدل منصبه كرئيس للأركان بمنصب مدني قيادي كأمين عام مساعد بالقيادة القطرية السورية –إلا أنه نجح لفترة من الزمن في إحكام قبضته على جزء كبير من سلك الضباط، وذلك جزئياً من خلال مؤيديه في المكتب العسكري الذي كان يتولى الإشراف على تنظيم الحزب العسكري. ومنذ إبريل (نيسان) 1966 شمل هذا المكتب أعضاء مدنيين. وقد تمكن جديد من السيطرة على جزء من القوات المسلحة عن طريق اتصالات جانبية شخصية مباشرة –رغم حظرها تنظيمياً- بعدد من الضباط العسكريين. أما الأسد، وبكونه وزيراً للدفاع ومنافساً لجديد، كان في وضع أفضل من حيث التأثير على سلك الضباط الذي كان يرتبط بجزء منه بصفة شخصية. وقد شغل الأسد منصب قائد القوات الجوية منذ عام 1964. وكان مسئولاً عن تعزيزها. لذلك، استطاع أن يعين الكثير من مؤيديه العسكريين في مراكز إستراتيجية هامة. علاوة على ذلك، كان الأسد قائداً كبيراً باللجنة العسكرية البعثية التي كانت مسئولة لعدة سنوات عن نشاطات التنظيم العسكري للحزب. وبعد انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 تكرر ظهور التوتر بين جديد والأسد