مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور
فيصل دهموش المشهور
يحاصر تنظيم الدولة الإسلامية مناطق سيطرة قوات نظام الأسد في محافظة دير الزور منذ تسعة أشهر, ويعزلها بشكل تام عن المناطق الواقعة تحت سيطرته, ويمنع دخول المواد الغذائية, ويوقف حركة التجارة فيها, حيث لم يتبق لها منفذ إلا بواسطة الطيران. كما تشتدّ المعارك الدائرة بينهما على جبهات القتال في المحافظة, ويعتبر مطار دير الزور من أهم جبهات القتال على الإطلاق في المحافظة لما له من أهميّة استراتيجية باعتباره مفتاح السيطرة على المحافظة ككل. منذ بداية أيلول يخوض تنظيم الدولة الإسلامية حرباَ ضروس ضدّ قوات نظام الأسد في موقع مطار دير الزور, ويحشد كلا منهما إمكانياته العسكرية والإعلامية في تلك المعارك ليحقيق كل منهما أهدافه الخاصة في ظل المستجدات العسكرية والسياسية الحالية.
أولاً: مطار دير الزور الدولي:
يعتبر مطار دير الزور الدولي ثالث أكبر مطار في سوريا. ويقع على مسافة (10) كم جنوب شرق مدينة دير الزور, وهو مطار مشترك مدني/عسكري, يمتد المطار على مساحة (3.5) كم2. فيه مدرجين للإقلاع والهبوط, تستخدمان للطيران المدني (النقل الداخلي, نقل البضائع), كما تستخدمان للطيران الحربي والعسكري, بالإضافة إلى صالات استقبال, ومخازن للشحن, وأبنية الإدارة, و ورشات الصيانة والهندسة, وأنظمة تحكم حديثة. يحيط بالمطار من جهته الجنوبية الشرقية كتيبة الصواريخ, ومن الجهة الجنوبية كتيبة المدفعية على الجبل المطلّ على مدينة دير الزور.
- مطار دير الزور خلال الثورة:
بعد بدء معارك التحرير في محافظة دير الزور, تحول مطار دير الزور إلى مطار عسكري يضم ترسانة عسكرية ضخمة, وأصبح مركزاً رئيسياً للدبابات والمدفعية المستخدمة بقصف القرى والبلدات المتاخمة له, ومنطلقاً للطائرات الحربية والمروحية لقصف المدن والقرى القريبة والبعيدة, كما يعتبر نقطة الإمداد الرئيسية بالسلاح والذخيرة والعناصر والأغذية لجيش نظام الأسد في الأحياء التي يسيطر عليها من المدينة, ولمواقع نظام الأسد في المدن الأخرى القريبة: “الحسكة, الرقة”.
يستقدم نظام الأسد الكثير من التعزيزات, سواء الأفراد أو العتاد إلى مطار دير الزور العسكري وفقاً لحاجته.
لا تتوفر أرقام دقيقة لأعداد قوات نظام الأسد المتواجدة في المطار, إلّا أنّ التقديرات تشير إلى تواجد ما يقارب من (1300) مقاتل, ما بين عسكريين, أو ميليشيات موالية لنظام الأسد يخضعون جميعهم لرقابة أمنية شديدة من قبل عناصر الأفرع الأمنية في المطار, بالإضافة لعتاد عسكري مكون من الطائرات المروحية والحربية والمدرعات الثقيلة موضحة في الجدول التالي:
الفــئــــة | العــدد | ملاحـظــــــــــات |
مقاتلين ضباط | 20 | من رتب عسكرية مختلفة |
عناصر أمن | 30 | يتبعون لأفرع أمنية مختلفة في المدينة |
مقاتلين أفراد عسكريين | 300 | عناصر اللواء 137 ميكا |
مقاتلين أفراد عسكريين | 300 | عناصر اللواء 104 حرس جمهوري |
مقاتلين أفراد عسكريين | 300 | عناصر الفرقة 17 |
مليشيات موالية (جيش العشائر) | 150 | منشقة عن كتائب الثوار بعد سيطرة تنظيم الدولة على المحافظة |
مليشيات موالية (جيش الدفاع الوطني) | 200 | شكلها النظام من الموالين له في المحافظة |
طائرات حربية مقاتلة | 15 | طراز ميغ 23 و 21 |
طائرات مروحية عسكرية | 7 | |
دبابات طراز T72 | 7 | متحركة |
دبابات طراز T52 | 15 | في وضعية الثبات |
مدرعات BMB | 10 | متنقلة |
مدفع ميدان عيار 120مم | 7 | متمركزة على الجبل المطل على المدينة |
مدفع مضاد عيار 57 مم | 20 | متمركزة على الخطوط الأولى على الجبل المطل على المدينة |
- الطبيعة الجغرافية لموقع مطار دير الزور:
يعتبر مطار دير الزور العسكري موقع شديد التحصين بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي يقع فيها, حيث يشكل الجبل المطل على مدينة دير الزور حصناً طبيعياً للمطار من الجهة الجنوبية, والذي تتمركز عليه كتيبة المدفعية مما يمنحه تفوقاً عسكرياً, وقوة دفاعية عالية لصدّ أيّ هجوم يقع عليه. بالإضافة لوجود طريق إمداد يمتد عبر مقبرة دير الزور يؤمّن التنقّل بسهولة للعناصر والعتاد ما بين المطار من جهة, واللواء 137 ميكا, والأحياء التي يسيطر عليها قوات نظام الأسد من جهة أخرى.
عملت قوات نظام الأسد على زيادة تحصين مطار دير الزور من خلال بسط سيطرتها على قرية “الجفرة” المحسوبة على نظام الأسد في الجهة الشرقية للمطار, وعلى مزارع قرية “المريعية” المحاذية لسور المطار من الجهة الشرقية الجنوبية, كما عملت على حفر خنادق دفاعية, وأنفاق اعتراضية لمنع تسلل الثوّار عبر الأنفاق الهجومية إلى خلف خطوطه الدفاعية, و زرعت الألغام الأرضية المضادة للمدرعات والأفراد في جبهة قرية “المريعية” ومنطقة “كتيبة الصواريخ”.
تستميت قوات نظام الأسد في الدفاع عن مطار دير الزور العسكري حتى لا تقع قواته ومقراته الأمنية في المدينة, وفي مناطق أخرى تحت ضغط لا تستطيع احتماله. كما تسعى قوات نظام الأسد لحصر منطقة الاشتباكات ضمن منطقة الأمان: “قرية الجفرة, مزارع المريعية, جبال ثردة” للحفاظ على حيوية وفعالية المطار العسكرية بعدم تمكين الثوّار من رصد مدرجات الهبوط والإقلاع.
- الأهمية الإستراتيجية لمطار دير الزور العسكري:
تنبع الأهمية الإستراتيجية لمطار دير الزور العسكري كونه شريان الإمداد الرئيسي بالنسبة لقوات نظام الأسد في محافظة دير الزور, بالإضافة إلى أنه خط الدفاع الأول وصمّام الأمان الذي يوفر لقوات نظام الأسد استمرار سيطرتها على أحياء المدينة الغربية: “القصور, الثورة, الفيلات, قرية البغيلية”, أما الأمر الأهمّ, هو قربه من آبار النفط, حيث أن بقاء المطار تحت سيطرة قوات نظام الأسد يشكل ورقة ضغط هامّة لاستمرار حصوله على حصته من النفط والغاز من خلال التهديد بقصف الآبار.
كما أن الموقع الجغرافي للمطار يعطيه أهميّة عسكرية كبيرة كونه موقع في عمق مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية, فهو يشكل قاعدة إمداد لوجستية لربط مناطق سيطرة نظام الأسد ببعضها. بالإضافة لكونه نقطة ارتكاز عسكرية لضرب مواقع وقوافل التنظيم, وانطلاق عمليات عسكرية باتجاه مواقعه, وهذا ما روّج له نظام الأسد سياسياً في سعيه لتعويم نفسه كشريك في الحرب ضدّ الإرهاب منذ الإعلان عن التحالف الدولي.
ثانياً: محاولات التحرير قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية:
بعد تحرير كامل ريف دير الزور في آب 2012, باستثناء قرية “الجفرة” المتاخمة لمطار دير الزور شرقاً, وقرية “البغيلية” غرباً حيث مواقع جيش نظام الأسد في مستودعات الذخيرة, واللواء 137 ميكا.
عملت الكتائب المقاتلة في دير الزور على محاصرة مطار دير الزور جزئياً في البداية, وصدّ محاولات قوات نظام الأسد للتقدم في الريف الشرقي للمحافظة, وذلك لعدم امتلاكها الإمكانيات العسكرية اللازمة لتحرير المطار, ولامتناع الكثير من الكتائب المقاتلة في المحافظة عن المشاركة في معركة تحريره.
المحاولة الأبرز كانت في شهر نيسان عام 2014, بعد اجتماع عدة كتائب مقاتلة وضعت خطة عسكرية لاقتحام المطار. وتتلخّص بمحاصرة المطار من ثلاث جهات, الشرقية, والجنوبية الشرقية, وتركيز الهجوم من الجهة الشمالية الشرقية (جبهة قرية الجفرة) لاقتحام المطار من بوابته الرئيسية, وبالتزامن مع إشغال قوات نظام الأسد على جبهات المدينة الداخلية لتشتيت تركيزها, مع ترك منفذ لانسحاب لقوات نظام الأسد عن طريق مقبرة دير الزور. وقد استطاعت كتائب الثوار من التقدم في قرية “الجفرة” وصولاً إلى أسوار المطار من الجهة الشرقية. لكن ضعف التخطيط العسكري وعدم توفر فرق الإسناد والإمداد والإسعاف أدى إلى إضعاف أعداد القوات المهاجمة, وانشغالها بإسعاف المصابين على حساب تحصين المواقع التي سيطرت عليها, ما أفسح المجال لعناصر قوات الأسد من استقدام تعزيزات وتنفيذ عملية التفاف من حويجة “المريعية” مدعومة بالطيران الحربي, والتغطية الصاروخية الكثيفة, فاستعادت على إثرها قرية “الجفرة”. وعادت مناطق السيطرة إلى ما كانت عليه.
ثالثاً: مطار دير الزور بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية:
بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على محافظة دير الزور بشكل كامل في 14/07/2014. استشعرت قوات نظام الأسد خطورة التغيير الحاصل في القوة المسيطرة, حيث أصبحت قوة واحدة تمتلك إمكانية التحرّك والفعل والحشد العسكري, على عكس ما كانت عليه كتائب الثوار المتناحرة وغير المتفقة.
- تأمين مطار دير الزور:
استغلت قوات نظام الأسد حالة ارتباك تنظيم الدولة الإسلامية, وانشغال قياداته بوأد بؤر التمرّد في ريف المحافظة, والعمل على استقرار سيطرة التنظيم العسكرية والأمنية عليها. فبدأت معركة تأمين مطار دير الزور لتوسيع الطوق الآمن حول مناطق سيطرة نظام الأسد في قرية “الجفرة”, وحويجة “صكر”, وكانت بداية العملية في 20/09/2014 بقطع طريق الدعم اللوجستي لتنظيم الدولة الإسلامية من خلال تفجير “جسر السياسية”, المدخل الوحيد إلى داخل مدينة دير الزور. بعدها شنّت قوات الأسد هجوماً مباغتاً بقيادة “عصام زهر الدين” بتاريخ 06/10/2014. حيث استولى جيش نظام الأسد على قسم كبير من حويجة “صكر” شمالاً, وحويجة “المريعية” في الشمال الشرقي.
استنفر عناصر تنظيم الدولة الإسلامية والثوار إثر هذا التقدم لقوات نظام الأسد خشية محاصرة المدينة, واستطاعوا صدّ الهجوم وإيقافه, وامتلاك المبادرة واستعادوا في 16/10/2014 السيطرة على أجزاء من حويجة “صكر”, وحويجة “المريعية” بعد معارك عنيفة كان للثوار دوراً بارزاً فيها.
- محاولات اقتحام مطار دير الزور من قبل تنظيم الدولة الإسلامية:
بعد تحرير مطار الطبقة العسكري في أواخر آب 2014, ازدادت الضغوط على تنظيم الدولة الإسلامية من قبل المناصرين له في محافظة دير الزور, إذ كانت قيادات التنظيم قد قطعت وعوداً لقادة الكتائب العسكرية المبايعة للتنظيم باقتحام مطار دير الزور كونه أولوية عسكرية بالنسبة لهم, بالإضافة لاستعادة السيطرة على الجزء المتبقي من حويجة “صكر”.
-المعركة الأولى: بدأها تنظيم الدولة الإسلامية المعركة في 03/12/2014, وعرفت باسم: “معركة الجبل” لتركيز التنظيم هجومه الأعنف على الجبل المطل على مدينة دير الزور كونه مصدر تفوق عسكري لقوات نظام الأسد, لم يكن الهجوم معداً وفقاً لخطة عسكرية واضحة, وإنما كان هجوماً على كافة جبهات القتال مع قوات الأسد في المحافظة, مع تركيز القوة الهجومية على الجبل المطل على المدينة لشلّ القدرة الدفاعية لقوات نظام الأسد, حيث قام التنظيم بهجوم واسع على مواقع قوات الأسد في: “اللواء 137, حويجة صكر, قرية الجفرة, مزارع المريعية, جبهات المدينة الداخلية”, واستطاع التنظيم التقدم بعمق مواقع قوات الأسد في الجبل, ودمّر عدد من المدافع المتمركزة فيه, وقتل وأسر عدد من عناصر قوات الأسد, إلّا أنّ خبرة قوات نظام الأسد بطبيعة المنطقة الجبلية وتلالها, مكّنها من استقدام تعزيزات عسكرية من معسكر الطلائع, ونصب كمين محكم لمقاتلي التنظيم قُتل فيه العشرات منهم, وانسحب بقية المقاتلين باتجاه المدينة. وبذلك انتهت العملية, وكانت نتائجها استعادة التنظيم السيطرة على حويجة “المريعية”.
قدّر عدد القتلى في تلك المعركة بـ(72) مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية بينهم (7) مهاجرين, و(55) قتيلاً من قوات نظام الأسد والميليشيا الموالية لها.
الجدير ذكره أن غالبية القتلى في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية هم من مقاتلي كتائب الثوار في محافظة دير الزور الذين آثروا البقاء تحت سلطة تنظيم الدولة الإسلامية لاستكمال حربهم ضد نظام الأسد استخدمهم التنظيم لخبرتهم في القتال, ولتحقيق نصر مجاني, وبذات الوقت زجّ بهم على خطوط القتال الأولى للتخلص منهم باعتبارهم بؤر تمرّد محتملة قد تزعزع سيطرة التنظيم على المنطقة.
- هزائم تنظيم الدولة الإسلامية تدفعه لمحاولة اقتحام مطار دير الزور:
منذ شباط, وحتى أوائل آب من عام 2015, خاض تنظيم الدولة الإسلامية معارك عدة على جبهات لها أولوية استراتيجية مقارنة بمطار دير الزور: “كوباني, تل أبيض, مدينة الحسكة”, ونقل الكثير من المقاتلين من محافظة دير الزور إلى تلك الجبهات.
طوال تلك الفترة اقتصرت المواجهات على جبهات القتال في محيط مطار دير الزور على اشتباكات متقطعة, وقصف متبادل, والعملية العسكرية الوحيدة التي شنّها التنظيم هي لاستعادة سيطرته على حويجة “صكر”, من خلال تفجير عربة مدرعة مفخخة على جبهة حي “الصناعة” داخل المدينة بموقع “حاجز جميان” ما جعل قوات نظام الأسد تنسحب من حويجة “صكر” خوفاً من محاصرتهم بداخلها.
تعرّض التنظيم لضغوط عديدة بسبب ارتفاع أعداد القتلى من أبناء محافظة دير الزور في معارك: “تل أبيض, الحسكة”, بينما مطار دير الزور لا يزال تحت سيطرة قوات الأسد, وهذا ما سبب خلافات ما بين المناصرين من أبناء المحافظة مع قادة التنظيم من المهاجرين. بذات الوقت برزت حاجة التنظيم لتحقيق نصر عسكري هام يعيد له الاعتبار في أوساط مناصريه, ويستعيد من خلاله القدرة على المبادرة والتقدم بعد هزائمه الكبيرة في تلك المعارك, بالإضافة لاستشعاره الخطر المحدق به إبّان التواجد الروسي على الأراضي السورية, وهذا ما دفعه إلى محاولة اقتحام مطار دير الزور مجدداً.
-المعركة الثانية: شنّ تنظيم الدولة الإسلامية هجومه على مطار دير الزور في 08/09/2015. بعدما قام التنظيم بتغييرات على مستوى قياداته العسكرية في محافظة دير الزور بسبب فشل الهجوم الأول على مواقع نظام الأسد, وتكبّده خسائر بشرية كبيرة.
تخلّى التنظيم في خطته العسكرية عن مهاجمة قوات نظام الأسد المتمركزة في الجبل المطل على المدينة, واتبع استراتيجيته العسكرية المعهودة من خلال العمليات الاستشهادية والمفخخات لإحداث ثغرة, وخلق حالة ارتباك في صفوف العدو, ومن ثمّ مهاجمته بأعداد كبيرة. إذ فجّر التنظيم عربتين مدرعتين مفخختين في مواقع وتحصينات قوات الأسد في “مسمكة المريعية, الجفرة”, ومهاجمة منطقة جبال “ثردة” المحاذية لكتيبة الصواريخ . وتقدم مقاتلوه في عمق دفاعات قوات الأسد في قرية “الجفرة”, واقتربوا من أسوار المطار وبوابته الرئيسية, وتقدموا في المزارع المحيطة بالمطار من جهة قرية “المريعية”. هذا التقدّم لمقاتلي التنظيم دفع قوات نظام الأسد لاستخدام غاز الكلور السام لصد الهجوم المفاجئ والسريع, بالإضافة لتكثيف الغارات الجوية على مواقع التنظيم العسكرية في الريف والمدينة, مما أدى إلى انسحاب عناصر تنظيم الدولة الإسلامية من المواقع التي سيطر عليها في قرية “الجفرة”, مع بقاء سيطرته منطقة جبال “ثردة”.
يقدر عدد القتلى في تلك المعركة بـ(91) قتيل من الطرفين, منهم (48) قتيلاً من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية, بينهم (8) إنغماسيين, وسجّلت (13) حالة اختناق. وأسر التنظيم عدد من عساكر نظام الأسد وقام بقطع رؤوسهم وصلبهم في مدينة “المياذين”.
-المعركة الثالثة: لم يمض وقتاً طويلاً حتى عاود تنظيم الدولة الإسلامية في 05/10/2015 الجوم على مطار دير الزور, هجوماً يعتبر الأعنف على الإطلاق بعد أن استقدام تعزيزات عسكرية من الأراضي العراقية بسبب قلة العناصر اللازمة لبدء المعركة, حيث استخدم التنظيم المعتقلين في سجونه للقيام بأعمال حفر الأنفاق, وبناء المتاريس على جبهة مطار دير الزور, كما استقدام آليات ومدرعات من مدينة الرقة إلى جبهات القتال في مطار دير الزور, وإلى داخل مدينة دير الزور. وبذات الاستراتيجية القتالية استطاع التنظيم التقدم في عدة محاور أهمها: “قرية الجفرة”, كما سيطر مقاتلوه على “كتيبة الصواريخ” المحاذية للمطار من الجهة الجنوبية. إلا أن قوات نظام الأسد استطاعت صد الهجوم, واستعادت أجزاء كبيرة من المواقع التي فقدتها خلال الهجمة الأولى من خلال نصب الكمائن, وتكثيف الغارات الجوية على مواقع هجوم التنظيم, وعلى طرق الإمداد من “حقل العمر النفطي” والقرى المتاخمة للمطار ومدينة دير الزور, وسجل الطيران الروسي حضوراً في العمليات القتالية من خلال غارة على مواقع التنظيم في قرية “الجفرة”.
توقفت المعارك بعد ثلاث أسابيع من القتال الشرس, وعمليات الكرّ والفرّ, وتبادل السيطرة, عادت مواقع السيطرة إلى ما كانت عليه, باستثناء “كتيبة الصواريخ” التي انسحب منها مقاتلو التنظيم, ولكن قوات نظام الأسد لا تستطيع التقدم إليها, بالإضافة لسيطرة التنظيم على حوالي (20)% من قرية “الجفرة” بمحاذاة ضفة نهر الفرات من الشمال الشرقي.
يقدّر عدد عن القتلى في تلك المعركة, (133) من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية, و لا تتوفّر أعداد لقتلى قوات نظام الأسد في المعركة, إلا أنه قُتل ضابطين من قواته في مطار دير الزور, وبلغ عدد المصابين نحو (300) من الطرفين.
رابعاً: مطار دير الزور في المعادلة السياسية والعسكرية الجديدة:
أحدث التدخل الروسي في سوريا لحماية نظام الأسد تغيراً نوعياً في الوضع السوري على كافة الأصعدة, محلياً وإقليمياً ودولياً. وخصوصاً أنه تحت غطاء محاربة الإرهاب, وهذا ما يشكّل ضغطاً على التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ورغم تركيز العمليات الحربية الروسية على مواقع ما تسمّى “سوريا المفيدة” إلا أنه بالعموم يمنح قوات نظام الأسد في الجزر المعزولة دفعاً معنوياً كبيراً للاحتفاظ بمواقعها, والتدخل لتعزيزه في حال تطلب الأمر ذلك.
وفقاً لنتائج العمليات العسكرية لغاية الآن, تمكن نظام الأسد من الاحتفاظ بمواقعه العسكرية في مطار دير الزور, ومن المرجح, في ظل المستجدات السياسية والعسكرية المتمثلة بإعلان الروس عن تشكيل تحالف رباعي لمحاربة الإرهاب, سيزداد تمسّكه بمطار دير الزور كموقع استراتيجي هام في عمق مناطق سيطرة التنظيم, وكصلة وصل لنقل الدعم العسكري من العراق وإيران إلى سوريا.
أما وقوع تنظيم الدولة الإسلامية تحت الضغط في عدّة جبهات, واستنزافه بشرياً, من خلال ارتفاع أعداد القتلى في المعارك والانشقاقات في صفوفه, بالإضافة لصعوبة تعويض مقاتليه بسبب المعارك العديدة التي يخوضها في العراق وسوريا, وصعوبة تنقل قوافل التنظيم العسكرية بسبب استهدافها من قبل طيران التحالف الدولي. هذه جميعها عوامل تؤثر سلباً على مقدرة تنظيم الدولة الإسلامية في تأمين الإمداد العسكري اللازم لإدارة ورفد معاركه, خصوصاً أن التنظيم يخوض معركته في بيئة غير مستقرة, ولا تدين له بالولاء المطلق مما يضع المزيد من الضغوط الأمنية أثناء محاولاته اقتحام مطار دير الزور.
يعي تنظيم الدولة الإسلامية الخطورة المتأتية من استمرار سيطرة قوات نظام الأسد على مطار دير الزور, ولذلك فإنه سيعمل على استباق أية عمليات عسكرية للتحرّك ضدّه بقيادة روسية من خلال محاولة اقتحام مطار دير الزور, وزيادة الضغط على جبهات القتال في محافظة الحسكة, كونهما الموقعين المرشحين لأن يشهدا محاولات تقدم لقوات نظام الأسد باتجاه مناطق سيطرة التنظيم, وهذا ما سيجعل التنظيم يرفع من وتيرة عملياته العسكرية على تلك الجبهات مما يجعل المواجهات القادمة أشدّ شراسة وأكثر عنفاً, ومفتوحة على كافة الاحتمالات الممكنة.