كان الدواء الذي يتم انتاجه داخل الأراضي السورية، وبخبرات وطنية،
يحتل مكانة محترمة بين مثيلاته من شركات الدواء العربية وكان يأخذ نصيبه من السمعة الحسنة لفعاليته ولمنافسته التسعيرية، فكان جزء من النتاج المحلي يحتل مكانته على سلم المواد التي يتم تصديرها لدول الجوار، حوالي 40 دولة.
وتعتبر الوفرة الدوائية واستقرار أسعارها دليلاً على كفاية الأسواق المحلية من هذا النتاج الحيوي والاستراتيجي. تقول الاحصاءات الرسمية أن نسبة 80 بالمائة من الدواء كانت تغطيه معامل الدواء السورية الوطنية.
فباتت من الصناعات الهامة التي ترفع ميزان الناتج الوطني، إضافة إلى توفيرها فرص عمل كثيرة تقدر بآلاف الفرص للعاملين في هذا الحقل الاستراتيجي الهام ، وكما أنها أوجدت صناعات ملحقة رديفة كالتغليف والبلاستك والزجاج وغيره.
يعمل في السوق السورية 68 شركة للصناعات الدوائية، اثنتان منها قطاع عام. وحسب موقع ويكيبيديا العربية: . على صعيد الصناعة الدوائية، يوجد 65 معملاً للأدوية تتركز معظمها في ريف دمشق وحلب،
لتحتل سوريا المركز الثاني عربيًا من حيث الصناعة الدوائية وتقوم بالتصدير لدول الخارج، أما بعض أنواع الأدوية التي لا تقوم المعامل السورية بإنتاجها تستورد وتشكل 20% فقط من مجموع حاجات سوريا للدواء.
مصاعب وتحديات:
منذ دخلت سوريا مخاض العمل العسكري بين الأطراف، الموالية للنظام السوري أو تلك التي تعمل على تغيير النظام، فتأثرت السوق الدوائية الكفائية بعدة عوامل منها أولاً: تأثر سعر صرف العملة المحلية مع العملة الأجنبية التي يتم عبرها استجلاب المادة الأولية للدواء، وثانياً: بسبب عدم القدرة على التحكم بالطرق الرئيسية للبلاد والتي يتم عن طريقها توزيع المستحضرات الدوائية ضمن المحافظات السورية، وثالثاً: بسبب انحراف بعض الفصائل المسلحة ومصادرة بعض المصانع الدوائية لتصبح تحت سيطرتها أو نهبها بحجج وذرائع مختلفة، ورابعاً: فقدان الطاقم المتخصص الذي كان يقوم بإدارة مثل هذه المنشآت، وخامساً كان هناك القصف العنيف الذي كان عشوائياً في كثير من الأحوال فاستنزف الصناعة الوطنية وأجبر الكثير من الصناعيين ومنهم أولئك الذين يعملون في الحقل الدوائي كي يفككوا معاملهم أو يعطلوها على أقل تقدير وينقلوها لخارج البلاد.
المعامل الدوائية تحت التخريب:
تضررت شركتا تاميكو في منطقة المليحة بريف دمشق وفارمكس في الحسكة وكان لهما النصيب الأكبر من التخريب، عدا عن اضطرار بعض المعامل للتوقف عن الإنتاج في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، وتم خطف بعض كبار الموظفين بهدف الابتزاز من مثيل خطف مدير مبيعات شركة ابن الهيثم الدوائية للحصول على فدية.
وتمت اتفاقيات من تحت الطاولة بين فصائل مسلحة وبين معامل ذات وزن كبير كي لا تصاب بأضرار، أبرز هذه الاتفاقيات هي تلك التي حدثت بين شركة آسيا الدوائية، لمالكها آل السخني، وهي عشيرة معروفة بولائها للنظام السوري، مع لواء أحرار سوريا وأشيع عن وجود اتفاق لتغطية 13 نقطة طبية مع مبالغ مالية تقتطع لقاء كل رأس شهراً، تحت مسمى الدعم للصمود الأهلي!
حجي الدواء:
قد يكون شخصاً عادياً، غير مختص، أو من ذوي الاختصاص الجشعين، يبدأ بفرض ضريبة على الدواء من على حاجز مسلح ومن ثم يبدأ بأخذ نسب دوائية من الأدوية التي تمر على حاجزه بحجة العمل الخيري والتوزيع على المستوصفات المجانية والمشافي الميدانية ومن ثم تباع هذه الأدوية وبعد فترة تصبح فكرة التجارة الرابحة بالدواء والتي لا تحتاج رأسمالاً أو رقابة كونها تصل بالمجان وتؤخذ عبر ترهيب السلاح وبحجج الانسانية ومن ثم يتعرف هذا ال(تاجر) على مجموعات اغاثية مزيفة وتصبح هناك شبكات أكثر تعقيداً تتاجر بالحالات الانسانية والدواء الذي ينبغي أن يتم اعتباره حق لجميع المواطنين، يحفظ شيئاً من كرامة المواطن السوري، الذي يتم قهره بكل الوسائل الممكنة، عسكرياً، صحياً ومعيشياً.
استقرار أسعار غير مفهوم حتى حين:
استمرت الأسعار الدوائية السورية محافظة على أسعارها لفترة طويلة حتى مع فترة التقلبات لأسعار صرف العملة المحلية مع العملة الأجنبية بعد دخول البلاد لفترة الاضطرابات المسلحة ومرد ذلك أن وزارة الصحة السورية كانت تطلب من المنتجين الذين يعملون في السوق الدوائية أن يقوموا بتخزين مواد أولية تكفي احتياطياً مدة 18 شهراً على الأقل وهو اجراء سابق بشكل وقائي من تقلبات الأسعار وليس دعماً حكومياً لهذه المادة الهامة.
ومؤخراً أكد المجلس العلمي السوري للصناعة الدوائية ان المصرف المركزي أوقف مؤخرا تأمين القطع الاجنبي المخصص لصناعة الدواء بالسعر الرسمي وهذا ألحق ضرراً فادحاً على الصناعة الدوائية المتبقية حتى الآن. مضافاً لتضرر القطاعات الموازية الداعمة للصناعات الدوائية من الكهرباء والمحروقات وعدم وجود طرق آمنة لنقل الأدوية ووصول العاملين إلى معاملهم.
في المرحلة التي سبقت الوصول لحالة الصدام المسلح تم التدقيق على أدوية اسعافية معينة من قبل النظام السوري لأنها كانت تستخدم ضمن معالجة جرحى المظاهرات في المشافي الميدانية وبالتالي كان حامليها مشبوهين ويتعرضون للتحقيق.
في المرحلة التي تلت الدخول للعمل المسلح كان الكثير من الأدوية المطلوبة في الحالات الاسعافية غير متوافر خصيصاً في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري.
الخارطة الميدانية للمعامل الدوائية حسب التوزع الجغرافي في حلب:
في منطقة جنوب حلب تتمركز عدة معامل في مدينة الزربة هي :معمل الأوبري، معمل ساندي، معمل الوطنية، وهناك معمل اوغاريت وهذه المعامل لا تزال تعمل بطاقة انتاجية منخفضة.
في منطقة المنصورة، غرب مدينة حلب هناك معمل ألفا، يمتلكه (فارس الشهابي)، من أكبر المناصرين للنظام السوري، لم يسرق المعمل أو يهدد وأدويته توافرت في السوق الحلبية رغم اغلاق كافة الممرات بين مناطق الثوار وبين المناطق المؤيدة للنظام السوري، وهذا يترك باب التأويل مفتوحاً عن إمكانية وجود اتفاق ما بين(الشهابي) وبين الفصائل المسلحة، وهناك معمل شركة شفا، معمل ابن الهيثم، معمل السعد، معمل بركات، معمل السلام، معمل الرازي، معمل راشا
وهناك معمل عمريت الذي تبادل موقعه الجغرافي بين النظام وبين المعارضة في منطقة حندرات
واعتبرت المعامل الدوائية التي تنتج الأدوية الشامية (يونيفارما) المناطق التي يسيطر عليها المعارضة مناطق غير آمنة ولذلك لا تقبل بشحن المواد الدوائية اليها.
في خضم التسابق على الساحة الدوائية ضمن الأراضي السورية نجد السباق بين شركتي ألفا واسيا ويونيفارما وهي معامل دوائية متميزة من حيث المصداقية والحصول على المواصفات القياسية الدولية وتتسابق على صدارة المنتجات الدوائية في السوق السورية.
بينما ينخفض سقف السباق في الطابق الأدنى بين معامل السعد والشفا والرازي وابن الهيثم من حيث الاستحواذ على السوق السورية.
ارتفاع أسعار متتالي قصم ظهر المواطن السوري:
قامت الحكومة في السنة الماضية برفع أسعار الأدوية المحلية نتيجة للظروف الراهنة وارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار الصرف، وذلك بناء على توصية اللجنة الاقتصادية رقم /4/ الصادرة بتاريخ 28كانون الثاني الماضي.
ارتفعت أسعار الأدوية التي يصل سعرها إلى 50ليرة سورية وما دون بنسبة 40%،
و25% لشريحة 51-100 ليرة،
و10% لشريحة 100 300 ليرة،
و 5% لشريحة 301-500 ليرة،
وصفر في المئة للأدوية التي يفوق سعرها 500 ليرة سورية.
وقابل ذلك رفعاً جديداً للأسعار في المرة الثانية حيث وفي الشهر السادس من العام المنصرم 2013
يقول الصيدلي عبد الرحمن سعد “ارتفع السعر الدوائي مضافاً فوق السعر المضاف في المرة الماضية من شرائح 0-120 خمسين بالمية مثال سابقاً 60 ليرة -75 بعد الرفع الأول -الرفع الأخير 120”
حالات غش دوائي تسببت باختلاطات مرضية لاحقة:
يلاحظ استشراء أدوية في السوق الدوائية، ليس لها علامة تجارية واضحة في خضم الفوضى العارمة وغياب الرقابة والاهمال وعدم المقدرة على الاحاطة بمتطلبات سوق الطلب على أنواع معينة من الأدوية بالإضافة لكل الزمر الدوائية ابتداءً من المكملات الغذائية ومسكنات الألم ومضادات الأوَّلِيَّات وانتهاءً بالأدوية التخصصية كمميعات الدم وموانع الحمل وأدوية الأورام السرطانية والضغط وغيرها. لوحظ العديد من حالات اجهاض كان سببها الأساس موانع حمل غير فعالة.
تشكل الأدوية التي لا تخضع لرقابة معيارية، انتاجياً أو تخزينياً، تهديداً حقيقياً على صحة المرضى، خصيصاً أولئك المصابين بأمراض مزمنة (كالسكري، الضغط) أو بأمراض تحتاج لعناية خاصة (كالذبحة الصدرية، السرطان). إذ أن التداوي بأدوية لا تحتوي الكميات الصحيحة من المواد الفعالة سينتهي لطريق معالجة خاطئ وتراجع الحالة المرضية سوءً وقد يؤدي أيضا إلى كوارث واختلاطات أخرى.
يقول الصيدلاني أحمد الصطوف أن “هناك أدوية داعمة للحمل تتألف من مكونات 11 فيتاميناً وبسبب غياب الرقابة الدوائية فإن بعض الشركات الدوائية، اختارت الغش، بديلاً عن تدعيم ثقة الأمن الدوائي، في الوقت الحالي، الذي لا يوجد فيه رقابة، سوى رقابة الضمير، يضيف أحمد قائلاً: لقد تسبب هذا بعدة حالات نقص دعم لحمل غير مستقر مقابل الحصول على بعض الليرات الفاسدة، عبر وضع 3 فيتامينات فقط عوضاً عن ال11 المطلوبة.
الديكلوفيناك الأمبول، المنشأ الهندي، يسبب هبوطاً في ضغط الدم حسب الصيدلاني قتيبة الحسين، وذلك حسب عدة حالات متواترة. “القادم عبر التهريب هو أسوء من الدواء السوري المتوافر” يستطرد قتيبة حديثه: “الصيدلاني بشكل عام يميل للدواء الأجنبي لأن هامش الربح كبير، على سبيل المثال، لا الحصر، الفيالات صاد حيوي (روس) مع العلم أنه متوسط الجودة ومن منتجات شركة السعد يبلغ سعره بالليرة السورية(160) بينما الدواء الهندي لذات النوعية الدوائية يبلغ سعره (105) ليرة سوري والدواءان يباعان بسعر 200 ليرة سورية، فمن الطبيعي أن يكون ميل الصيدلاني للمادة الدوائية التي تعطيه هامش ربحي أكبر”. يستفيض قتيبة بالمقارنة عن مادة دوائية أخرى هي “حب الالتهاب والاوجمانتين السوري 392 ل.س من المعمل، 412 ل.س واصل للصيدلية بينما ذات الزمرة الدوائية من منشأ تركي مجهول الماركة 237 ليرة سورية فقط”!
“الفياجرا، الحبة الزرقاء، 49 ليرة الأجنبي ذا المنشأ الهندي، بينما المنتج السوري 214 ليرة آسيا فيجا” الكلام لا يزال للصيدلي قتيبة في معرض مقارنته بين الدواء الأجنبي والدواء السوري الوطني وهنا يضيف أنه يقصد أن الدواء الأجنبي الذي يتحدث عنه ليس ذلك الذي يتم استيراده عبر وزارة الصحة ف”ذاك الدواء مرتفع من ناحية السعر، لأنه يخضع لمعايير وفحوصات مختلفة تضمن جودة وفعالية المادة الفعالة لهذا الدواء”.
وعن الفروق بالسعر بين الصيادلة للمنتج الوطني يفسر قتيبة ذلك بأن” هناك أجرة مضافة هي خمسة بالمية على الحمولة الدوائية ولذلك نجد فروقات سعرية بين كل صيدلية وأخرى”.
اللجوء للطب البديل من الأعشاب:
ورغم أن هذا اللجوء غير آمن ويقوم به أشخاص غير ذوي كفاءة طبية بل مجرد أشخاص قد يكون لديهم المام بطبيعة المواد النباتية وعدم قدرتهم على معرفة التداخلات الدوائية وآثارها الجانبية والمخاطر المترتبة على ذلك في حالة الأمراض الجسدية المتعددة لدى الشخص ذاته الا أن هذه الطريقة تبقى أكثر أماناً واقتصاداً حسب السيدة أم خالد التي تقول أن نسب المواد الفاعلة في هذه النباتات ليست بقاتلة كما هي التركيزات الدوائية غير المراقبة أو منتهية الصلاحية والتي باتت تنتشر بطريقة كبيرة في الأسواق بسبب انعدام الرقابة. تجد أم خالد مثل هذا الملجأ أمراً لابد منه في حالة الحصار الذي تعيشه بلدتها الصغيرة.
جواب الصيدلي بالاعتذار وهز رأسه بالنفي أصبح سمة تلازم السؤال عن أصناف كثيرة من الدواء:
وعند سؤال الصيدلاني مهند السالم عن ماهية الأدوية المطلوبة للسوق الدوائية أفاد أن “الأدوية التي لا تصنع محلياً هي أدوية من قبيل التلاسيميا، حليب الأطفال الطبي، نقص المناعة المكتسب، اللقاحات، الأدوية المعالجة للسرطانات، الخ. وهناك أدوية معالجة السل(تم تصنيعه مؤخراً في سوريا) والتهاب الكبد وهناك طلب كبير على أدوية الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكّري، والأدوية النفسية والعصبية وكذلك الأدوية الخاصة بمعالجة أمراض الكُلى. وثَمَّة حاجة عاجلة للكواشف الكيميائية اللازمة لفحص الدم، وذلك لضمان سلامة ومأمونية الدم المستخدم في العمليات الجراحية والرعاية داخل المستشفيات”.
يشرح الصيدلي عقبة الأفندي عن هذا الوضع “حاولت الصيدليات سد الفجوة الكبيرة في الإنتاج المحلي عن طريق جلب الأدوية من الخارج أو عبر التهريب، لكن العشوائية في هذا الخيار وتغليب مبدأ الربح على مبدأ الأمانة والأمان، وبتكلفة أعلى لم يعد العديد من السوريين قادرين على تحملها”. هنا نجد اشكالية كبيرة خصيصاً في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري حين نجد أسعار الدواء التركي البديل تصل لخمس اضعاف السعر الدوائي السوري فسعر ابرة اللشمانيا المنتجة في سوريا على سبيل المثال يصل ل55 ليرة سورية بينما مثيلتها التركية تصل ل300 ليرة سورية وحسب مزاجية البائع وضميره.
ظروف التخزين الدوائية قد لا تتوافق مع المعيارية المطلوبة للحفاظ على المادة العلاجية:
هناك متطلبات ومعايير تسمى الدورة الدوائية وهي مفقودة بشكل عام بدءاً من موقع الإنتاج تتعلق هذه الدورة بنقاء المادة الفعالة وطريقة التعبئة والتخزين وأسلوب النقل إلى المستودعات-وأيضاً طرق التوزيع على الصيادلة والتأكد من صلاحية أماكن التخزين من حيث درجة الحرارة والرطوبة…فهل هذه الشروط متوافرة ضمن الوضع والواقع الحالي في سوريا؟ سواء من حيث توافر المواد الأولية اللازمة لتعبئة الأدوية بشكل صحي وفق المقاييس المتعارف عليها لحفظ الدواء من فقد فعاليته أو سوء التخزين وقد لوحظ لدى منتجات دوائية عديدة بيع المنتج الدوائي دون توافر المحفظة الكرتونية لتخفيض سعر المنتج كما يقول بعض الصيادلة أو العاملين في هذا الحقل الذي بات يضم الكثير الكثير من المتطفلين على هذه المهنة الخطرة.
لم يعد الانسولين متوفراً في كثير من المناطق المتضررة بالأحداث التي تجري على الأراض السورية. تقول إحدى الدراسات لجمعية خيرية أن حوالي40,000 طفل مصاب بالسكري في البلاد كانوا يعتمدون على أقلام الانسولين قبل اندلاع الثورة في سوريا، لكنها لم تعد متوفرة من خلال مراكز الصحة العامة والمشافي بسبب انحسار الاهتمام بالمناطق التي ثارت على النظام السوري لفرط تسيس الاهتمامات السياسية حتى ضمن الشؤون الصحية والاختلاطات الأمنية.
“حصلت على عدة ابر انسولين، من جهة خيرية، ولكن ليس لديّ كهرباء في المنطقة التي أعيش فيها (السكري- حي كبير ومعروف في حلب) كي أحافظ على درجة حرارة معينة لتحفظ لي هذه المادة التي تضمن عدم تفاقم وضعي الصحي نحو الأسوء في ظل غياب كبير للكوادر الطبية”. مفارقة كبيرة أن السيد عبد اللطيف مصاب بداء السكري، ويعيش في منطقة تحمل ذات الاسم. “ولذلك أضعها لدى بعض أقربائي الذين يمتلكون مولدة كهربائية وهم في منطقة بعيدة عني نسبياً” يستدرك عبد اللطيف، المصاب بداء السكري منذ عشرة أعوام.
معركة مع النظام ومعركة مع الدواء ومعارك مع الغذاء:
رجال الدين لديهم لوائح طويلة وعريضة من طلبات مرضى لم يعد ذويهم قادرين على دفع تكاليف علاجهم
يقدم الشيخ عبد الله وهو خطيب لجامع في المناطق التي يسيطر عليها المعارضون لحكم النظام السوري قائمة مهترئة بأسماء حوالي 67 عائلة يقول أنها بحاجة ماسة لهذه الأدوية التي تستهلك مدخرات العائلات التي أنهكت ضمن الصراع الدموي الذي يجري على الأراض السورية ولهذه اللائحة أولوية دورية على متطلبات الغذاء لدى تلك العائلات المكلومة والفقيرة.
السفر لتركيا أو لبنان من أجل الحصول على الرعاية الصحية المفقودة في البلاد:
الانجاب في هذه الظروف أصبح مخاطرة غير محمودة العواقب خصيصاً عند أولئك الذين لديهم تجارب مؤلمة سابقة أو اللواتي تكون هذه الحادثة الانجابية الأولى في حياتهم الزوجية فلوحظ حالات مختلفة من محاولات للإجهاض خشية الوقوع في مطبات المرحلة اللاحقة للولادة سواء لدى الطفل الوليد أو لدى الأم.
زوجة المواطن سعيد الأحمد لديها عدة حالات سابقة من الاختلاطات أثناء عملية الانجاب وتكون فترة حملها في الظروف العادية مرحلة معقدة جداً لدى عائلتها المكونة من زوجها وأهلها وهي بحاجة ماسة عقب كل محاولة انجاب لإبرة (تنافر الزمر) وهي بحد ذاتها تحتاج لمعاملة طويلة في الدولة كون الدولة تحتكر مثل هذا المركب الدوائي ولكنها هذه المرة وبإلحاح متواصل من زوجها قررت الذهاب لتركيا كي تتمكن من تسجيل اسمها بين اللاجئات فتحصل على الرعاية اللاحقة أو السابقة للحوامل.
حليب الاطفال المنتهي الفعالية:
في كثير من الحالات تواجد في السوق السوداء وعلى الأرصفة كما في الصيدليات التي لا يديرها صيادلة على الغالب مادة حليب (فرط) غير معروفة المصدر استخدمت لتأمين مادة ملحة وضرورية ولكنها قد تصبح خطرة صحياً على الأطفال خصيصاً الحديثي الولادة. وتم تحت عديد من حالات الدعم (الخيري) ادخال كميات كبيرة من الحليب المنتهي الصلاحية لتوزيعه على الأطفال على مبدأ أن الجوع كافر وأن انتهاء الفعالية أفضل من عدم توافر الحليب.
تقول السيدة أم صالح أنها أخذت من الجمعية الخيرية التي تم تسجيلها فيها علبة حليب من أجل طفل ابنتها التي أنجبت مؤخراً، ولديها مشاكل في ارضاع الطفل الوليد، وأنه تم اخبارها عبر الشاب الذي يقوم بالتوزيع، أن مادة الحليب منتهية الصلاحية، ويجدر بها الانتباه لأي ارتفاع حرارة أو اسهال، إن ظهر على الطفل الرضيع. وعندما نقوم بسؤالها إذن لم قبلت بأخذ الحليب وأنت تدركين المخاطر التي قد يؤثر بها على حفيدها، تجيب بحسرة ويأس: “الرمد أحسن من العمى، لو كان لدينا مقدرة مالية لشراء علبة حليب للطفل لما عرضنا أنفسنا لهذه المخاطرة وخصيصاً ان ابنتي فقدت زوجها المعيل في قصف صاروخي على الحي المعدم الذي تسكن فيه”
اللشمانيا وداء الكلب:
تعتبر اللشمانيا أو حبة حلب، التي تسببها ذبابة الرمل، أشبه بوباء معلن، وقد تكاثرت بشكل غير مسبوق جراء انحسار الاهتمام بالنظافة، جراء عدم ترحيل القمامة بشكل دوري وانتشار الجثث، خصيصاً في المناطق التي أصبحت خارج سيطرة الدولة. تعتبر الحاجة الملحة لهذا الدواء فوق المستطاع glugantime، حيث بلغت الاصابات اليومية في أحد المراكز الصحية أكثر من 400 حالة اصابة يومية ويرتبط هذا الوباء بالحاجة لمواد كيميائية تقوم بالتخلص من الحشرة عبر البخ والمتابعة الدورية للاهتمام بالنظافة العامة.
أما عن داء الكلب فمرده لانتشار قطعان الكلاب الشاردة التي أثر عليها حالات القصف وأصوات الانفجارات الشديدة ليزداد الوضع سوءاً جراء هيجان هذه الحيوانات بفعل الأصوات غير الاعتيادية وحوادث نهش الجثث المتفسخة وهذا الداء أعيا الدولة السورية جراء الكلفة العالية لعلاجه والذي كان يتم بمرافق صحية خاصة ويكلف الدولة السورية حوالي 6000 ألاف دولار لقاء 24 أمبولة استطباب للمصاب الواحد. يعرف الدواء باسم العلاج الوقائي أو “P.E.P.” فكيف يمكن سد مثل هذه الفجوة في هذه الأوضاع القاسية من كل النواحي على السوريين. مؤخراً كان هناك حملات للتخلص من الكلاب الشاردة حتى تنتفي الحاجة لمثل هذا الدواء المكلف جداً والذي يتم استيراده عبر الدولة السورية ووزارة الصحة حصرياً.
حق الأطفال باللقاح:
يساعد اللقاح على تفادي كثير من الأمراض التي تؤثر على مستقبل الأطفال الصحي وتساهم لحد كبير في وأد أي نكسة صحية قد تؤثر على نموه بشكل سليم وهي أحد حقوق الطفل تضمنها له الشرائع السماوية والوضعية ولكن مؤخراً ومع انحدار كافة الحقوق الأساسية باتجاه الحضيض ابتداء من حق الوجود وعدم تجنيب الأطفال ويلات القصف والتفجير وأزيز الرصاص، فقد لوحظ انحسار الاهتمام بهذه الاجراءات التي كانت اعتيادية من مثيل تلقيح الأطفال بشكل دوري فور ولادتهم ولوحظ انحسار كبير بهذا الخصوص حتى بدأ شلل الأطفال يظهر في المجتمع السوري بعد غيابه لعقود من الزمان.
وبهذا الصدد أكدت الناطقة باسم منظمة الصحة العالمية السيدة رنا صيداني أن تردي الخدمات الصحية وتوقف عدد كبير من المستشفيات عن تزويد الرعاية الصحية و تزويد الاطفال باللقاحات تشكل الاسباب الرئيسية وراء ظهور شلل الاطفال حاليا في سوريا ، مشيرة إلى أن هذا الفيروس لم يوجد في سوريا منذ عام 1996.
فالنقص الدوائي الحاصل ، كما اللقاحات، يؤدي إلى تأخير وتعقيد إجراء بعض العمليات الجراحية وهذا ينعكس سلباً على صحة الأطفال أو على حاجتهم للرعاية اللاحقة في حال كانوا من الخدج حديثي الولادة. وبشكل عام يلاحظ بوتيرة ملحوظة تزايد عدد الجرحى من الأطفال الذين يلقون حتفهم جراء جراحهم وعدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الطبية بسبب انعدام الكادر الطبي المؤهل والمختص ونقص المواد الطبية.
منذ فترة أشهر وضمن حملات من قبل منظمات المجتمع المدني في سوريا، ضمن مناطق المعارضة والنظام، على حد سواء، بدأت حملات للوصول للأطفال في بيوتهم وعبر مدارسهم للتخلص من هذا الكابوس عبر استعادة الاهتمام بصحة الأطفال لتأخذ مكان الصدارة في الاهتمامات. وتمت المهمة بنجاح حتى الآن وطالت أكثر من 2 مليون طفل في المناطق التي تقع تحت سلطة المعارضة السورية.
تقديرات منظمة الصحة العالمية تقول بوجود عشرات الحالات المؤكدة، لكن الأطباء المحليين يقولون أن عدد الحالات التي تحمل الأعراض هو بين 100 -200 حالة، ومع كل حالة مشخصة يوجد حَمَلة للفيروس بمقدار 200 -1000 حامل غير مصاب ينشرون الفيروس. حاولت الأمم المتحدة التعامل مع كل الأطراف لضمان استمرار الحملة، وكانت هناك حملات يقوم بها أطباء سوريون من الجانب التركي وينفذها حوالي 8500 متطوع في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتي حرمت من وصول اللقاح. إلا أن هذاالعمل كان دوماً محفوفاً بالمخاطر، وبعض المتطوعين تعرض لمخاطر فعلية في سبيل وصولهم للأطفال من بيت لبيت.
النداء الدولي الصحي الخجول:
تضمن نداء الأمم المتحدة لتمويل المساعدات الإنسانية، الذي تم تنقيحه في سبتمبر، تخصيص أكثر من 53 مليون دولار لمشاريع ذات صلة بالصحة في عام 2012 – لكن مستوى التمويل لا يزال أقل من ثلث المبلغ المطلوب.
بالمقابل ينكر الوسط الرسمي الحكومي الأزمة الدوائية وحالة العجز الكبيرة في تلبية متطلبات المواطنين العلاجية عبر رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي حيث يدعي أن «الأمن الدوائي في سوريا مستقر»، ويصر على أن «كل أصناف الأدوية متوفرة باستثناء البعض منها»، وما هو غير متوافر «يتم استجراره من الدول الصديقة، وعلى رأسها إيران وروسيا والصين وباكستان وكل دول البريكس وكوبا!!!
كيف يمكن دعم الأمن الدوائي في ظل الأوضاع الشديدة التعقيد عسكرياً وسياسياً:
من خلال تمويل مستوردات الأدوية، عبر دعم العملة السورية، التي بموجبها يتمكن المستورد الدوائي من تأمين المادة الأولية الدوائية الفاعلة، لسد النقص الحاصل أو عبر تقديم التسهيلات اللازمة لنقل معامل الأدوية المتبقية إلى المناطق التي لا يوجد فيها اشتباكات مسلحة وتحييد العمل الطبي وملحقاته بشكل كامل ومن خلال تأمين موارد الطاقة ( مازوت – كهرباء ) لهذه المعامل ذات الأهمية الكبرى على صحة المواطن وعبر توفير رقابة وحماية ولو في الحدود الدنيا على مستودعات الأدوية والصيدليات.
عبد الكريم أنيس