تبدو صورة الواقع اليوم شديدة التعقيد، والنصر تصوّر مبهم ، واحتمالات الانفراج للخروج من المأساة هشة متأثّرة بكل مستجد وطارىء؛ إذ الهجوم على سوريا شرس والحروب الداخلية والخارجة طاحنة. غير أنّ الثورات الشعبيّة في أغلب الحراك التاريخي تبدأ وتستمر لتحقّق هدفا. ومع تدفّق الدماء يصبح من الاستحالة العودة للبدء، أو هدر حقوق الدماء. الثورات بدأت لتنتصر. وستنتصر… أما الثمن فباهظ.
كيف ستنتصر ثورة سوريا؟ أين ستنتصر؟ متى؟
أسئلة إجابتها صعبة، وتفسيرها عصي على الإحاطة بالحقائق، خصوصا مع تفاقم إشكاليات الحرب في سوريا، وتوسّع عجز المعارضة السورية وانصياعها إلى تنازلات المتطلبات الدوليّة وصراع المصالح الحزبية مع اشتداد الحصار الدولي على الثورة عسكريا ومعنويا وسياسيا بموضوع الإرهاب.. وما يرافق ذلك من اتساع خارطة الدمار في سوريا؛ فما نشهده من وضع دموي شديد التشابك والتعقيد، يبدو مأساة كبرى. ومعضلة بلا حل؛ لكنّ التفكّر في حركة التاريخ توضّح أن صورة الواقع الحالي هي طور من أطوار المسير التحرّري….
الحرب السوريّة أكبر من صراع أهلي، أو من ثورة مضادة لثورة. هي صراع أممي في سوريا كجزء جغرافي وتاريخي استراتيجي مؤثر في مصير المنطقة، لاحتلال الإرادة العربية واستقلال قرارها. سوريا، تعارك تحت رحى مصالح متضاربة متصارعة: مصالح الغرب وإسرائيل. ومصالح إيران وتركيا ودول الخليج.
فإيران برنامجها هو إقامة الدولة الساسانية باسم التشيّع، هدفها الاستحواذ على النفوذ الأوسع في المنطقة. عقيدتها هي مصلحتها السياسية؛ لذلك انتقل خطابها من محاربة الغرب وقطب الشر أمريكا”الشيطان الأكبر”، إلى محالفته وتأييده في محاربة الإرهاب المتمثل في السّنة العرب، وعقد الصفقات ضد العرب. زاوية النظر في التعامل الأمريكي مع إيران، هي أنّه شرطي قوي في المنطقة، له مشروعه ومستعد أن يتعامل مع المشروع الغربي، بغض النظر عن الصراع الإعلامي والظاهري القائم بين إيران والغرب. ليس لدى إيران مشكلة حقيقة مع إسرائيل؛ ففلسطين في بلاد العرب لا في إيران. والأرض المغتصبة عربية وليست إيرانية. يجب عدم إغفال أن إيران حليف سابق للغرب ونقطة ارتكاز له. ومن الطبيعي الاعتماد عليها من طرفه في خنق المنطقة، بغض النظر عن نظام الحكم فيها… لذلك يجدّدون المفاوضات مع إيران من أجل البرنامج النووي، بينما، في الموضوع نفسه، لم يعط العراق، سابقا، مجالا للحركة والمناورة في برنامجه العسكري ، رغم أنه حاول خلق تفاهم مع الغرب. لذلك ممكن لإيران احتلال العراق وسوريا مقابل إسهام إيران في حماية أمن إسرائيل.
أما تركيا التي يتعاظم وجودها الاقتصادي والسياسي وتزداد قوّتها الدولية، فإنّ الحرب الدائرة في سوريا، تهدّد مصالحها، وقد تمتد إليها بمشاكل داخلية خطيرة وبحرب أهليّة، وهي تجد نفسها، بسبب الحرب، في صراع مباشر مع الغرب وأمريكا حليفتها في الناتو، لتوريطها في حروب تراها تركيا خاسرة تهدّد أمنها. فما يحصل يهدد مصالحها الحالية والبعيدة. ومصير تحالفاتها السنية والعقائدية والاقتصادية في المنطفة، لذلك لا غرابة في أن تلجأ لتغيير تحالفاتها وأحلافها، او قد تتفرّد في تنفيذ منطقة عازلة في شمال سورية. أمريكا، بسبب عنجهتيها تورّط حلفاءها في خسائر، وتتخذ قرارات خاطئة تؤذيها. فلا يمكن لها محاربة تركيا. والخروج بنصر. لأن ذلك كمن يطلق رصاصة في قدمه، فليس سهلا خسارة تركيا الحليف الاستراتيجي.
هناك من يعتقد بانّ موقف أمريكا تحوّل من الثورة السورية، فقد كان ضد نظام بشار؛ وأصبح يصبّ في مصلحته. لكنّ ذلك غير صحيح. أمريكا موقفها استراتيجي ضد الثورات العربية التحررية. وقد انكشف واصبح عاريا من اي كذب ومراوغة . ومن رأى موقف أمريكا ضد الأسد وإيران، فهو مخطىء. موقفها ضد أي مشروع تحرري يطيح بمنظومة الطغيان التي عملت طويلا على تأسيسها. أمريكا لعبت بالوقت في محاربة الثورة السورية ؛ فأطالت زمن الصراع لكي تحول الثورة السورية إلى مأساة بحق الشعب. وعندما عجز نظام بشار تدخلّت لتقتل مشروع الثورة.
أما دعم روسيا لنظام بشار، فنابع من حسابات مشتركة من الغرب، لكنّه ورقة بيد روسيا ضد الغرب، وما فعلته روسيا في أوكرانيا مؤشر على تحد عنيد للغرب وأمريكا. العقوبات الاقتصادية التي لحقت بروسيا، لا تكفي لتركيع روسيا وتطويعها. وموقفها من الحلف الدولي لمحاربة الإرهاب ليس منسجما كليا مع أمريكا. وليس مستبعدا أن يحدث طارىء يجعلها تغيّر في أحلافها.
أما الخليج؛ فلا خيار له. تسيّره أمريكا ، وهو يسير خلفها بلا وعي لمصلحة وطنيّة أو قوميّة، تسنزف طاقاته وماله، وتبقي له البعبع الفارسي.. حليف يقدم لأمريكا أكثر بكثير مما تقدمه له.
أمريكا، تشبه الدول الكبرى التي سقطت في العالم نتيجة غطرستها وعنصريتها، تضعف حلفاءها يوما بعد يوم، وتسيّرهم في برامج ضد مصلحتهم ومصلحتها . تماما مثلما فعلت اثينا قبل أن تسقط في حربها مع اسبارطة، ويتخلى عنها حلفاؤها الذين خسروا كل امتيازاتهم نتيجة تحالفهم معها..
التحالف الدولي أخطأ في موقفه، لاسيما في وقت يقبل فيه العالم على تغييرات كبيرة والتغييرات تحتاج لأفعال تفهم فيها المعطيات. السوري،. لكن التغيير يستمر رغم إرادة امريكا. سياساتها في العالم وفي المنطقة، وبالتحديد في سوريا وماحولها، أساءت جدا لمصير المنطقة ومصير العالم فيها… وقد تكون فتحت الباب على مصراعيه لمجيء من هم أشد تطرفا وعنفا وقسوة من داعش. ولا شك في أن الحرب ستاخد منحى تطهيرا مضادا لن يكون بمنأى عن ويلاته الغرب ومن والاه. فماذا سيكسب العالم وأنظمته الناهبة؟ خلال السنين القادمة هناك عالم جديد… وأحد فصوله تكتبه ثورة سوريا.
الكاتب: سماح هدايا