زيتون – بشار فستق
تلك الكلمة الإشكاليّة، لازمة التلقّي، العموميّة، مع ضرورة تخصيصها وتحديدها، الحسّاسة لدرجة اعتبار ردّة الفعل الراجعة عنها مقياساً لنجاح العمل الفنّيّ غالباً. هي الذريعة عند من يهبط بمستوى الخطاب، أو يباشر بلا تلميح، قائلاً: “الجمهور عاوز كده”! وكم من فلم أو عرض مسرحيّ أو حتّى موجة فنّيّة أراد أصحابهم إخفاء الأسباب الكامنة وراء انحطاط منتَجهم، فأطلقوا مقولات مثل: “الناس العاديّون لا يفهمون هذا” محمِّلين الجمهور مسؤوليّة سوء التوصيل الفنّيّ!
ففي نقاش حول تغيير (إعداد) لغة مسرحيّة “عطيل يعود” لـ “كازنتزاكس” دافع مدير مسرح حلب القومي “جوزيف ناشف” عن عمليّة تحويل حوار المسرحيّة إلى اللهجة العامّيّة الحلبيّة، مدّعياً أنّ: هذا أسهل لـ (تفهيم) المتفرّجين. فاعترض المخرج باعتبار أنّ مستويات لغة الحوار وطبيعتها تحدّدها المسرحيّة ذاتها بحسب الموضوع والشخصيّات و…، وليس من خلال تقديرات الإدارة. هنا كان خطأ المخرج، فقد نسي أنّ ما يسمّى إعداد النصّ يعود على المُعدّ (وهو المدير) بمبلغ يفوق المكافأة المخصّصة للإخراج، وأنّ النصّ وحتّى العرض لا يعنيان شيئاً بالنسبة للإدارة – طبعاً بشرط ألّا يمسّا مقدّسات النظام – بقدر ما يشكّل لها مصدراً لنهب المال بأسماء مختلفة مثل: إعداد أو ديكور أو ملابس…
لم ينته الخلاف عند هذا الحدّ، فقد أصرّ المخرج على إبقاء الفصحى كلغة للحوار، وجادل متسائلاً: كيف يفهم حتّى الأطفال لغة أفلام الكرتون الفصيحة!؟ وأضاف أنّ مسألة التوصيل هي مسؤوليّته أوّلاً وأخيراً. فأفصح المدير “ناشف” عن رؤيته بوضوح قائلاً: “أنت ما عم تفهم… هادا شعب جحش”!!!.
يُعتبر المدراء في المجالات الثقافيّة أداة هامّة بيد رجال الأمن، فهم يمارسون فرض مقولات السلطة وتقديم التقارير لمعاقبة الذين لا يرضخون لها، في مقابل ذلك يُترك لهم نهب المال العامّ والخاصّ؛ من هنا يمكننا أن نأخذ بآرائهم كصورة صادقة عن نظرة وآليّة سير العمل القمعيّ في الأجهزة كافّة، وربّما يفسّر هذا أيضاً بقاء مثل هؤلاء المدراء عشرات السنوات في مناصبهم.
ومن المعلوم أنّ المناصب النقابيّة يتمّ تعيينها، كما المدراء، من قبل الأجهزة الأمنيّة كذلك. فأمثال “ع. ع. عرسان” و “أسعد فضّة” يشكّلون عبر خلودهم على قمّة الإدارات مصدر تيئيس وطرد للمبدع والإبداع، إضافة إلى دورهم المخابراتيّ المباشر الذي يستفحل مع مرور الوقت، فلا تبدو غريبة نظرتهم إلى الشعب السوريّ، وعدم اعتباره كائناً بشريّاً في الأصل.
ولكلّ ذلك يبدو مضحكاً الحديث عن: دراسة طبيعة جمهور الأعمال الفنّيّة، أو البحث في أسباب تقلّص أعداد متفرّجي المسرح، أو معالجة ظاهرة اضمحلال القراءة في المجتمع. فالمسؤولون الذين يفترض أنّهم معنيّون بهكذا أمور، يعملون لدى الأجهزة الأمنيّة التي تقتل الشعب السوريّ؛ والقضيّة ليست من باب التشبيه، فماذا يعني أن يوضع أحد أزلام الأمن “نضال الصالح” رئيساً لاتّحاد الكتّاب؟ أليس هذا استمراراً، بل ونضجاً في الإجرام؟!