زيتون – عبد الرزاق كنجو
ولأننا نحب أن نسمي الأشياء كما نحب أن نكون عنونت الشاعرة الدمشقية “عواطف بركات” ديوانها الأول “معارج المانوليا” متبنيةً موقف هذه الشجرة من الجمال والبياض والقدرة على التجدد في متاهات الحياة..
عن ديوانها الأخير إلتقيناها بهذا الحديث:
– من أي مشتل جئت بهذا العنوان المغري (معارج المانوليا)؟
العطر والبياض والجمال والصعود مفردات المعنى الداخل في تكوين / معراج المانوليا / المانوليا شجرة عطرية ذات زهر أبيض تتموسق نحو السماء بزهو وعلو وأحيانا بأنانية، تعيش في ظروف خاصة من الحرارة والرطوبة وأجمل ما يميزها مقدرتها على الذود عن نفسها أمام هجمات الخنافس والحشرات التي تريد بها ضرراً، هكذا أرادت بإسم واحد جمع الجمال والقوة والإرادة ليُصار الى تشكيل عنوان يناسب رحلتي في القصيدة وضنكي في الحياة وعزيمتي التي لم تفتر للصعود نحو قمةِ الشعر.
– متى تبدأ القصيدة لديك؟ وكيف تقبضين علی الجملة الأولى متلبسة؟
القصيدةُ لا تبدأ ولا تنتهي، القصيدةُ ماءُ العين حاضرةٌ دائما، المشاهدُ التي أعيدُ تدويرها في صناعةٍ تحويلية راقية لأعثر على لقطةٍ مكتنزة، ترتبطُ بالأنا من جهة ومن جهة أخرى بالمكان والزمان ..وبالفكرةِ المفتاح التي تسوقُ أمامها فيما بعد قطيعَ الحروفِ إلى لوحةِ القصيدة الحقيقية.
” -ميغ واليتزر” تكتب كي تحقق نوعا من التعديل ولتخلق من العالم المشوه عالما مثيرا.. “عواطف” لماذا يكتب؟
عواطف تكتب لتصنع فارقاً بين زمني/ قبل القصيدة وبعد القصيدة/ أخطر ما يمكن في هذا الكون مرور العمر استاتيكيا بصمت برتابة، بلا نتوءات بلا ندبات غائرة في الوقت وفي الذاكرة أكتبُ لأحصدَ المتعة من الوجع ومن الفرح، لأطهوا سمَّ الشعر وترياقه، لأصنع حياة بين دفتي موت وشيك.
– الجثث، الموت، القتل، الدم، المقابر، الحس جماعية و… ماحكاية هذا القاموس اللغوي الكفكاوي؟
مادام الشعر بطريقة أو بأخرى عنصر من عناصر الثقافة في مجتمع ما فبالتأكيد سينعكس عليه هموم المجتمع المتعاظمة أياً كان نوعها ومسمياتها، ولا أحد يخفى عليه ما يحدث في الوطن من اقتتال وحروب وموت ودم وضحايا، لذلك تجدني أفرز في قصائدي مفرزات البيئة ذاتها التي أعيش فيها محاطة بذات الظروف.
– قصائدك أحيانا صغيرة كالطلقة، وأحيانا أخری بنفس كالطويل، فأين يجدك القارئ؟
القصيدة الفعل ورد الفعل، وعلى أكتافها كثيرا ما أرمي إرهاقي وإحباطي، لذلك أراني أكثر غبطة في الطويل منها وأكثر ارتياحاً، ذاك أني كلما اتسع صدر القصيدة كلما بثثت شكواي أكثر وكلما أصبحتُ أكثر رشاقة بلا أفكار حبيسة تريدُ الهرب من جسدي الثقيل ومن روحي المتعبة.
– ما دور القصيدة في زمن الصورة وفقدان الكلمة لقوتها الإعلامية لفائدة الشيء المرئي؟
القصيدة أشبه بالثروات الباطنية في باطن الأرض هي ذخر للثقافة المجتمعية، مهما تحولّ عنها الجمهور لصالح المتعة بالمرئي إلا أنه سيعود يوماً ومن خلال طبقته الواعية المثقفة بالجمال للاستعانة بالقصيدة لمتابعةِ فتح قنوات أخرى في الإبداع، القصيدة ذهب عتيق وكائن سرمدي لا ينتهي ابدا.
– لكل مبدع عاداته الكتابية، بلزاك يضع أمامه دلوا من القهوة، بالمناسبة هل من طقوس لـ “عواطف” أثناء خلق القصيدة؟
أكثر الطقوس الحاضرة قبيل الكتابة/ الفوضى/، تدافعُ وجوهٍ للخروج من رأسي وصخب أجنة حروف للقفزِ خارجاً من رحمِ المعاناة تأتي الكتابة لترتبني وغالباً أحضّر الموسيقا والعطر، لكن هناك مخاض قسري تأتي الكتابةُ كقدحِ وميضٍ لا يحتاج إلى مقدمات سوى النزق والشعور العالي بالمحيط الضاغطِ على الروح.
– مراياك متعددة في قصائدك، فأي مرآة ترتاح لها ملامح مجازاتك واستعاراتك؟
مرآة الأرض والوطن والطبيعة أنا عاشقةٌ للتراب وللمطر وللبحر وللغابات، أعشق الماء والألوان وأميل دائما لصناعة لوحات درامية تعتمد على مفارقات لونية في معظم قصائدي.
– ترسمين مساراً مبكراً للموسيقى، هل هو محاولة جديدة للهرب من شبح الحرب؟
الموسيقى أنين الوجدان، صوت وصورة الحواس بطريقةٍ ما، الموسيقى المساحةُ الخضراء الفاصلة بين تمامِ الموتِ ومركزِ الحياة، أحيانا ثمة وعاء شاسع ويتسع فيه الفضاء للسرد، وقد تتبدد حتى الشعرنة؟
قد يتحول الشاعرُ إلى ساردٍ عندما يتوه في القبضِ على الصورة الشعرية المنشودة فتراهُ يدور في تفاصيل باحثا عنها قد تفسدُ نكهةَ الشعر، وهذا لا يحدث دائما، وقد يحدث لأن الكمال شيءٌ وهمي لا يبلغهُ بشرٌ مهما حاول.
– ما قصة هذا الغياب الذي يسكن قصائدك؟ وما الذي يعنيه؟
الغياب حضورٌ في مكان آخر، هو مادةُ صراعي مع الواقع اللامكتمل، بل هو يبدو أحياناً مسمار جحا الذي أعلق عليه خيباتي ورغبتي في الانفلات نحو المطلق.
– تبالغ “عواطف” مبالغة جامحة في وصف تجربة الحب أحد أسطرتها ما تعليقك؟
الحب هو المبرر الحقيقي للوجود على هذه الأرض بمنظوري، وما بني عليه من حوادث مفصلية أثرت في مسار البشرية جمعاء.
– هل القصائدُ سواسية في وجدان “عواطف”؟ أم أنها من ذات الخصوصية؟
القصائد جميعها أبناء القلب، لكن لكلٍّ نكهتها حسب الظرف العاطفي الذي أدى إليها، جميع القصائد أزهارٌ تتفتح حالما تسقط على الورق.
(بفرحٍ غامرٍ ألوي عنقَ السراب
أضرجُّ سريرَ الحلمِ
بدمِ الشعر الواثبِ على عجلٍ
فوقَ النبوءةِ وأعلنُ أرضي خضراءَ
أنا اليباس.. أنا معنى الرحيق
وأنا شيء يذكر في احتفالات النسيان).
مقطع من ديوان معارج المانوليا