زيتون – حسن الكمال
تسحرك حقاً حقول الزيتون الممتدة على مساحات شاسعة من ريف ادلب، ولاغرابة بتسميتها ادلب الخضراء، فهي الأولى في زراعة هذه الشجرة العريقة رمز المحبة والسلام، ولعل أكثر المشاهد روعة، مشهد الأهالي أثناء قطاف الزيتون، مجتمعين حول الأشجار يجنون حباتها وكلهم أمل بمحصول جيد يكفيهم معاشهم فثمار الزيتون تمثل مصدر الرزق الأساسي لسكان هذه المحافظة وقوتها الرئيسي من الزيت الذي يتفاخرون بجودته وأصالته، ولكن ماهذه الشجرة إلا من هذه الأرض ومن أهلها، وعليها ان تتحمل ما يتحملونه، وفي خضم ماتتعرض له سورية من ألم ومعاناة نتيجةً للأوضاع المتردية في البلاد، فقد كان للزيتون من ذلك نصيب، ولم يشفع لهذه الشجرة رمزيتها فنالت حصتها من الضرر أيضاً.
عبدالرزاق كنجو مزارع من مدينة سراقب، تحدث لزيتون عن أبرز الصعوبات والمشاكل التي تتعلق بزراعة وقطاف الزيتون التي تواجه الفلاح هذا الموسم:
“الإنتاج هذا العام دون الوسط، وذلك لأن الأشجار قد أهملت لمدة أربع سنوات متتالية, فالفلاح لايتمكن من الذهاب إلى حقله خشية القصف الجوي من الطائرات، والقصف المدفعي من معمل القرميد ومعسكر المسطومة والمناطق العسكرية المحيطة بالمنطقة -قبل تحريرها- هذا ناهيك عن تحطم الكثير من الأشجار نتيجة دخول الدبابات والعربات العسكرية إلى الحقول بسبب المعارك.
وتابع قائلاً :إن أشجار الزيتون حرمت عمليات التقليم الضرورية لنموها، وحرمت عملية المكافحة الدورية التي تحافظ على سلامتها نتيجة هذا الواقع بالإضافة إلى نقص الأدوية وارتفاع ثمنها, ولم تقتصر معاناتنا على هذا وحسب، بل هناك قلة في اليد العاملة بسبب موجات النزوح المستمرة، وانخفاض كبير في عدد المعاصر التي تعرض أغلبها للقصف المباشر، وماسلم منها أصبح يعتمد على المولدات الخاصة لأن الكهرباء مقطوعة بشكل كامل كماهو معلوم مايزيد أجورها وأجور النقل بسبب سعر المحروقات المرتفع”.
أما سرحان الحسين من قرية الخشير المحاذية لمطار أبي الظهور العسكري فقد قال:
لقد قام جيش النظام في مطار أبي الظهور بتجريف الأراضي الزراعية في القرية وذلك قبل تحرير المطار، وعمد إلى قطع شجر الزيتون من جذوره انتقاماً من سكان القرية بحجة انها تخبئ المسلحين، وهاهي الأن عبارة عن أرض جرداء ليس فيها شجرة واحدة خالية من مظاهر الحياة.
وفي سياق هذا الواقع الزراعي المرير قال المهندس الزراعي “زياد عبيد” من المكتب المسؤول عن الفلاحين في المجلس المحلي لمدينة سراقب مؤكدا على سوء الوضع بالنسبة لأشجار الزيتون والموسم الحالي:
إن أشجار الزيتون تتطلب عناية خاصة يعرفها المزارع من تقليم ومعالجة وسقاية متكررة، ولذلك فقد انخفضت نسبة الإنتاج منذ بداية الثورة لعدم حصول كروم الزيتون على الرعاية اللازمة في ظل الظروف القاسية التي يعيشها الأهالي، وشح مياه الأمطار التي لم يتمكن المزارع من تعويضها عبر الآبار الإرتوازية لندرة الوقود وغلائه إن توفر.
كما أشار إلى موضوع التهريب الذي تتعرض له مادة زيت الزيتون إلى البلدان المجاورة وضرورة إيقافه حتى يتسنى للمواطن تأمين حاجته من الزيت بثمن أقل.
يقدر سكان المنطقة هذه الشجرة المباركة كثيرا فقد وردت في كتابهم الكريم كما كانت لهم ظلاً وارفاً وملجأً في نزوحهم الطويل، آوتهم من حر الشمس وأشعلوا من حطبها نارهم في برد الشتاء، من زيتها صنعت الأمهات لأطفالهن عرائس الزيت والزعتر، وعلى جذوعها استندت ظهور الثائرين المتعبين.
ولما طالت الأيام على النازحين ذهابا وإيابا كلما جاء البلاء من الطيران، صار لكل عائلة عنوان بأحد الكروم، يتواعدون فيه مع أقاربهم ليجملوا حياتهم البائسة ويحموا عائلاتهم لبعض الوقت، وانتقلت البيوت الى الكروم شيئا فشيئا ليقترب السوري من شجرته الى حد التوحد بالحياة.
عام آخر يمر على ادلب وموسم الزيتون بلا أهازيجه المعتادة ولكن وبرغم المعاناة لايزال سكانها يثمنون هذه الشجرة المباركة ويؤكدون محبتهم لها وتعلقهم المستمر بها واصفين ثمرتها بالذهب الأخضر.