رامي العاشق – طلعنا على الحرية
نشرَ الناشط رائد فارس، صور جداريّة فسيفسائية بانوراميّةٍ للثورة السورية تم صنعها في مدينة كفرنبل الشهيرة بلافتاتها، وكانت بطول “24.5 مترًا” في محاولة للدخول في موسوعة غينيس بأكثر من مليون قطعة موزاييك حجرية، تم إنتاجها في “مشغل الفسيفساء” الذي يموّله رجل الأعمال غسّان عبود، وأشار المسؤول عن المشروع عبد الله محمد البيوش إلى أنّ: “الجدارية تقدّمت لموسوعة غينيس على أنّها فيلم وثائقي أو موضوع يلخّص خمس سنوات مرّت على الثورة السورية”.
أخطاء تاريخية
ضمت اللوحة صورًا لرموز ثوريّة منها: حمزة الخطيب، أحمد الصياصنة، غياث مطر، باسل شحادة، الأب باولو، هادي العبد الله، عبد الباسط الساروت، فدوى سليمان، بالإضافة إلى صورتين لفيصل القاسم وغسان عبود، وارتكب صانعو اللوحة خطأً توثيقيًّا باعتماد مقتل الطفل حمزة الخطيب بدايةً للثورة فقد قُتل لاحقًا بتاريخ 29\4\2011 تحت التعذيب، وبغضّ النظر عن غياب شخصيات ثوريّة عن اللوحة قدمت أكثر من القاسم وعبود، كمعن العودات، عبد العزيز الخير، رزان زيتونة، أبو الفرات، وغيرهم، إلّا أن هناك خطيئة تاريخية لا يسكت عنها: وهي استعمال صورة المقدّم حسين الهرموش على شعار الجيش الحر، الهرموش الذي أسس حركة “لواء الضباط الأحرار” في حزيران 2011 التي اندثرت فجأة بعد الانقلاب عليها لإنشاء “الجيش الحر” بقيادة العقيد رياض الأسعد وضمّ الحركة إليه في أيلول بعد اختطاف الهرموش في تركيا، وتسليمه للنظام السوري في أواخر آب من العام نفسه، حيث تمّت تصفيته هناك على الأغلب، خاصّة بعد ظهور صورة تم نسبها إليه بين الصور المسرّبة لشهداء التعذيب.
أهداف تسويقيّة
لا يستطيع أحد إغفال الهدف التسويقي من هذه اللوحة قبل أي هدف آخر قد يحمل شعارات وطنية وثورية كبرى، هذا الهدف يصب في مصلحة الذي موّل المشغل ليصنع الجدارية التي تحمل صورته وثلاث لوغوهات لمؤسساته: أورينت نيوز، أورينت للأعمال الإنسانيّة، وبالتأكيد، وبما لا يقبل الشك يسعى السيد عبود للحصول على إنجاز إعلامي في موسوعة غينيس يرفع من رصيده عند شركائه وداعميه. وبالمحصّلة؛ فقد خرج عبود بنصيب “الأسد” من كعكة الجدارية بثلاث لوغوهات وبورتريه، وهذا ما لم يحصل عليه أحد من أبطال الثورة الذين “كُرِّموا” في هذا العمل!
المبدأ ذاته والملامح اختلفت
يمكن لأيّ سوريّ أن يبحث عن الفروق الخمسة بين بورتريه الأسد وبورتريه عبود، لم يختلف شيء، فقط وضعوا رأسًا مكان رأس، وهذا يعود إلى تجارية الحرفة التي اعتمدها أصحابها في سوريا منذ زمن، حيث قال محمد السلوم من كفرنبل: “جميع ورش الفسيفساء تجارية تعمل لأغراض الكسب المادي فقط، وقد أنتجت لوحات عديدة منها أكبر لوحة مسجلة في العالم، في الإمارات للشيخ زايد، ولوحات كثيرة جدًا لأبنية فروع الحزب والنقابات والأبنية الرسمية، ومؤخرًا صنعت لوحات مشابهة لأردوغان والملك سلمان!” وهذا ما ينفي أيّ صبغة تكريميّة عن اللوحة، ويجعلها لوحة تجارية تم تمويلها من غسان عبود لغايات شخصية وإعلاميّة تكرّسه ومؤسساته ورمزًا!
إنتاج عبوّد وليست إنتاج كفرنبل
وضّح السلوم: “حاول البعض تسويق أن من صنع هذه اللوحة هي كفرنبل بصفتها الثورية، وهذا غير صحيح، فمن قام بصناعة هذه اللوحة هو مشغل فسيفساء تابع لمؤسسة أورينت، أي أنه يتلقى أجوره من السيد غسان عبود شخصيًا رغم نفيه علمه بهذا الأمر” وأضاف: “أود التأكيد على أن هذه اللوحة لم تصدر عن مؤسسة ثورية في كفرنبل، ولا تعبر عن موقف المدينة الثوري، هي “حكاية ثورة من وجهة نظر مؤسسة أورينت” فقط لا أكثر ولا أقل، ونرفض نحن أبناء كفرنبل استغلال اسم المدينة والمتاجرة به لتوزيع شهادات شرف على أيّ كان”. وهذا ما وافقته عليه إيمان الأحمد التي تساهم في رسم لوحات كفرنبل الشهيرة: “اللوحة من إنتاج مؤسسة أورينت ولا تعبّر عن كفرنبل، وهذا لا يعني إنكار ما قدمه غسان عبود من خلال مؤسسة أورينت، إلّا أننا إذا أردنا تكريم رموز الثورة؛ فلا يجوز وضع صورة عبود في نفس مرتبة الشهداء أو الهرموش أو الأب باولو”.
غسان عبوّد: فاجأني العمل الرائع!
أنكر عبّود أن اللوحة من إنتاجه وشكر أهالي كفرنبل على تكريمه الذي “تفاجأ به” وكتب على صفحته: “أشكر أهالي كفرنبل الأحرار على الشرف العظيم الذي منحوني إياه. حقيقة فاجأني هذا العمل الرائع وأوقع بالغ الأثر في نفسي!” وحاول بشتّى الوسائل نفي علاقته بالموضوع والظهور بمظهر البطل المتواضع، وتلبيس أهالي كفرنبل ما حصل، واعتبار اللوحة تكريمًا له، والانتقادات حسدًا وحقدًا، وأكّد أنه لا يملك أي مشغل في سوريا بل يدعمهم فقط، الأمر الذي يتناقض مع موقف “المشرف الفني والتنفيذي للفسيفساء في مؤسسة أورينت للأعمال الإنسانية” أحمد الحميد البيوش الذي اعتبر المعترضين أبواقًا ومرتزقة وسبب تأخّر النصر، وعلّق على كلام عبّود “صرامينا أشرف من لحيتهم، ونحن لا نجازيك مهما قدمنا لك” في كلامٍ موغلٍ في السوء ويفوق في سوئه “الوطن العربي قليل عليك يا سيادة الرئيس”!
وبين تكذيب أهالي كفرنبل لغسّان عبود، وتكذيب عبّود لأهالي كفرنبل، أصبحت سوريا وثورتها كقطع الفسيفساء هذه لكنها متناثرة ومحطّمة بسبب سياسة عبّود المعادية لمكونات الشعب السوري التي كرّستها وسائل إعلامه وتصريحاته، تارةً بتجميل صورة داعش، وتارةً باعتبار شهداء سلميّة شبيحة، وتارةً باعتبار الكورد ماسحي أحذية، والكثير الكثير الذي يتعذّر إحصاؤه هنا، هكذا يُفرض على الثورة بقوّة المال تكريم أعدائها.
أراء وتعليقات
طلبنا التعليق على القضيّة من كثيرين، اعتذر بعضهم “خوفًا من سطوة عبّود” وبعضهم لعدم رغبته في فتح جبهات إعلاميّة تضر بمشروعه، وقال أحدهم: “عندما أكتب اسمه أشعر أن الكومبيوتر بدأ يرتجف!” وبالمقابل فإن بعضهم برّر خطوة عبّود واعتبرها من حقه، وعلينا النظر بطريقة براغماتية، أمّا من تجاوب معنا، فهنا نعرض تعليقه:
رائد الفارس: “إذا أردت القيام بعمل وقررت وضع لوغو مؤسستك عليه أو صورتك فهذا أمر يتعلق بك، ومن وجهة نظري ليس جيدًا، وهو أمر أقرب إلى السلبي، كل من يتبنى الثورة ويدعي العمل لأجلها يتبع ذات الأمر بأساليب مختلفة فالجميع يسعى للترويج للعمل الذي يقوم به ليستمر فيه أو ليطوره، وبدا الأمر طبيعيًا نوعًا ما. ليست الثورة كذلك، ولكن الظروف التي وصل إليها الشعب السوري وقسوة العيش التي يرزح تحته أودت به إلى هنا”.
الفنان منير الشعراني: “هي مهزلة من مهازل “معارضة” رجال الأعمال المتحالفين مع المال النفطي، والدول ذات المطامع في الوطن سياسية كانت أم اقتصادية أم استعمارية، هؤلاء الذين كبتوا الثورة وأعلنوها ثورة مضادة تريد أن تستبدل استبدادًا باستبداد، وتنكروا للشعارات الوطنية المدنية الرافضة للتدخل الخارجي المنادية بوحدة الشعب السوري المطالبة بالمساواة والحرية والكرامة له. هي اعتداء على صورة أهل كفرنبل وصوتهم العاقل، وفصل من فصول الكوميديا السوداء التي نعيشها والتي أسهم فيها كل قذر وكل تاجر رخيص من تجار الإعلام بأنواعهم وتجار السلاح مصدرين ومستوردين ومن المتاجرين بآمال السوريين وآلامهم ودمائهم مهما كانت الرايات التي يرفعونها قومجية كانت أم وطنية أم دينية أم مذهبية، تتجه شرقًا أم غربًا أم نحو القبلة أو قبلات العصر. الشعار الوحيد على اللوحة غيبي تسللوا به إلى عواطف الناس ومهد الطريق لوكلائه على ألوانهم: “مالنا غيرك يا الله”، إلى جانب الشعار الغيبي هذا، نجد آلهة الإعلام الجزيرة والعربية ووليدهما غير الشرعي “أورينت”، بالإضافة إلى رموز الإعلام الطائفي المصلحي المغرض التابع لكل شيء إلا الثورة التي يدعي النطق باسمها، فيصل القاسم ضيف الشرف على لوحة موّلها غسّان عبود زعيم الفساد والإفساد الثورجي، ووضع في قلبها صورته وذيلها بخاتم مؤسسته السوداء. عار أن نرى صور بعض من رموز ثورتنا إلى جانب كل هذه النفايات الإنسانية، عار أن نرى هذه اللوحة تسد الأفق في كفرنبل”.
الباحث مصعب الحمادي: “عندما يدفع هذا الشخص لبعض الشباب البسطاء في الداخل كي يضعوا صورته على لوحة فسيفساء جانب صورة الشهيد عبد القادر الصالح والمفقودين من رموز الثورة كالأب باولو وعبيدة بطل؛ فهذا عبث خطير واستخفاف بالثورة من أصلها لا يجب أن ينجو صاحبه من العقاب أبدًا”.
الباحث كريم عنكير: “صدمت عندما رأيت صورتي فيصل القاسم وغسان عبود في لوحة موزاييك كفرنبل الخاصة بتوثيق رموز وأعلام الثورة السورية، أصابني نوع من الذهول والتذمر والامتعاض من وجود هاتين الصورتين في تلك اللوحة الرائعة، التي لا يعكر جماليتها سوى هاتين الشخصيتين، فهما أبعد ما تكونان عن واقع الثورة”.
الصحافي والناشط الحقوقي شيار خليل: “تقديس الأشخاص الأحياء بهذه الطريقة هو تراجع عن معايير الثورة، ويشبه حكم البعث الذي قدس الأشخاص لخمسين عامًا والنتيجة كانت دمار سوريا، نحن لا نريد أصنامًا جديدة نريد أن نتحرر من كل هذه الشخصيات والأفكار العفنة التي زُرعت في أدمغتنا من خلال البعث العفن. غسان عبود هو أحد الأشخاص الذين يحولون مالهم السياسي إلى أليّةٍ تحكم الشعب، ويحاول من خلال المشاريع الاجتماعية والإغاثية التي يعمل عليها في المناطق المحررة تلميع صورته، حيث حاول في أطمة طباعة اسمه على ألبسة الطلاب، وبرأيي هذا العمل في قمة الانحطاط ويجب علينا محاربته كما نحارب النظام والمستغلين جميعًا”.
الصحافي ناجي الجرف :”القصة ليست أكثر من إرضاء غرور لرجل أموال سوري حرمه الأسد من إشباع غروره لعقود واليوم سنحت الفرصة له، المفارقة أنّ المشغل الذي صنع هذه “التحفة الوطنية” هو ذاته الذي صنع لوحات لقائد مسيرة التطبيل والتزمير بشار الأسد، والدنيا دولاب وأي واحد معو عملة فيه يقعد ويدور عليه”.
الصحافي بسام يوسف: “الثورة التي داست على أصنام مدججة بالسلاح، ومحمية بجيوش من العبيد، وعمرها عقود؛ ستدوس سريعا على لوحات يصنعها مهووسون بالعظمة، ولا يفهمون معنى أن يثور شعب، إنها ثورة وليست مزادًا!”.
الناشط السياسي أكرم الصفدي: “غسان عبود الذي قال لي ولعدد من السوريين في اجتماع غير رسمي لمناقشة مآلات الثورة السورية في عام 2011: “أنا جاي اليوم أحكي باسم السنة ولا تزعلوا مني!” هذا (البطل) اليوم يحاول مصادرة دماء أبناء هذه الثورة وشراء ذمم أبناء كفرنبل!”.
الكاتب فادي عزام: “على جدارية كفرنبل تم التصويت على الجدارة، جدارة من يستحق أن يكون من رموز هذه الثورة العظيمة، يمكن لك أن تهب كل ثروتك ولا تشتري بها سوى حقيقتك، اتعظ يا هذا فيرحمك الله حين تعرف قدرك، فليس هناك من حاقدين ولا حاسدين، فقط هو تصويت على مشروعيتك من خارج إطار أتباعك ومتملقي ثروتك، وأيضًا رسالة إلى كفرنبل نفسها، سوريا الحرة تحبكم، فانتبهوا لنبلكم وليس كل ما يصدر عنكم يمكن أن يكون هو البوصلة”.