سماح خالد – زيتون
مازال شؤم الحرب مخيماً على جميع القطاعات الإقتصادية، بما فيها الزراعة التي تعتبر من القطاعات الإنتاجية الهامة، التي تحقق الأمن الغذائي فضلاً عن تأمين فرص عمل للكثيرين.
فقد تراجع الإهتمام بالقطاع الزراعي خلال سنوات الحرب الأربع والنصف الماضية، وذلك لعدة أسباب أهمها الاشتباكات الدائرة بين قوات النظام وكتائب الثوار، في محيط الأراضي الزراعية لتتحول إلى ساحات للمعارك، مما جعلها خالية من الحياة، وبحسب إحصائيات فإن أكثر من نصف مساحة الأراضي المزروعة مهمشة بسبب وقوعها في مناطق الاشتباكات.
وتعتبر مدينة الحسكة من المدن الزراعية الهامة كونها تنتج القمح والشعير اللذان يشكلان أساس الغذاء في سوريا، ولكن يواجه المزارعون العديد من المعوقات في ارتفاع أسعار المواد الزراعية والأسمدة، فقد بلغ إنتاج الموسم السابق 400 ألف طن من القمح والشعير بعد أن كان يصل إلى 3 ملايين و600 ألف طن قبل الأزمة، وبعد أن كانت سورية تنتج سنويا ما يكفي لسد الحاجة ويسمح بالتصدير أصبحت الأن تستورد القمح.
فأغلب الأراضي الزراعية هجرت من قبل مزارعيها نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات التي تشكل الدعامة الرئيسية للزراعة، فأوضاع المزارعين في ريف سوريا باتت مروية في ظل المخاطر التي يتعرضون لها، أثناء الزراعة أو جني الموسم، فالمحاصيل الصيفية كالخيار والبندورة والكوسا وغيرها يلزمها ري، وهذا الأمر يتطلب تشغيل المولدات لساعات طويلة مما ينعكس سلباً على المزارع والمواطن.
ومن المعوقات التي تواجه قطاع الزراعة هروب أصحاب رؤوس الأموال خارج البلاد، فقد كانوا يدعمون القطاع بالعديد من المشاريع الزراعية حيث لم يتم تسجيل أي مشروع العام الماضي.
وبحسب إحصائية قامت بها وزارة الزراعة التابعة لحكومة النظام فإن عدد المشاريع في السنوات الخمس السابقة وصل إلى 123 مشروعاً، بلغ ذروته في عام 2010 ليسجل 48 مشروعا، وبدأ بالانخفاض ليصل إلى 25مشروعا في 2011.
وفي ظل الارتفاع المتكرر لأسعار السلع نجد ثباتاً في أجور ورواتب العاملين بالزراعة مع تدهور سعر صرف الليرة السورية عاماً بعد عام، الأمر الذي دفع بالكثيرين لترك هذا العمل والبحث عن مصدر آخر للرزق لسد رمق العيش.
ولأشجار الزيتون في إدلب ألف غصة فقد قامت قوات النظام بقطع مئات الأشجار في محيط المدينة لتحصين نفسها مما سهل الأمر أمام تجار الحطب لإقتطاع ما شاؤوا من الأشجار وبيعها للمواطنين بأسعار مرتفعة.
وقد طال قصف النظام بطائراته الحربية الأراضي الزراعية في المناطق المحررة لحرق المحاصيل، وكسر إرادة الحياة للمزارعين، وتعتبر مدينة الحولة في ريف حمص من المدن المناضلة، التي تحدت ظروف الحياة الصعبة ليقوم النظام باستهداف أراضيها الزراعية بقذائف الدبابات، من الحواجز القريبة من المدينة وذلك بحسب مكتب الحولة الإعلامي مما أدى لإشتعال الحرائق في المحاصيل التي انتظرها المزارعون طيلة العام.
وقد قامت قوات النظام بزرع الألغام في الأراضي الزراعية مما أدى لحدوث العديد من حالات الوفاة بين المزارعين، وتخوف الآخرين من الذهاب إليها حتى بعد انسحاب النظام منها.
أبو أسعد مزارع من ريف إدلب: «كنا نعمل أنا وأخي في أرضنا القريبة من بلدة محمبل في قطاف الزيتون وفجأة سمعت صوت انفجار قريب لأتفاجأ بأخي مرمياً على الأرض وقد قطعت ساقه نتيجة لغم قد انفجر به».
وبالرغم من الألم إلا أن الأمل مازال ينبع من قلوب المزارعين السوريين البسطاء، الذين تحدوا صعاب الحياة لننعم ولو بجزء بسيط من خيرات بلادنا، التي أصبحت مهددة بالجفاف بعد سنوات من الحرب.