كان يحلو لسراقب أن ترتدي الخريف، وترتدي عُدتها لموسمِ القُطنِ والمدرسة، كانَ يحلو لها كما يحلو لكلِ مكانٍ ، مدُّ السجادِ في الغرف، وعلى أعتابِ الشتاء، مازال يحلو لسراقب كل شيء.
صديقي الميت ، مازال موالهُ الاخير يُطربني، في قبرهِ ذكرياتُ البطريقِ والأقزام و تعليقِ «عصام الشوالي» وأهدافهُ الاكروباتية، كانَ اسمهُ «أبو الشواف»، وقبرهُ يحيطُ بي لا بجسدهِ، القلبُ قبر كبير لا يتسعُ لأحدٍ، سوى الصوت.
من عادتي ألا أصمت، تماماً لا أصمتُ، نقلتُ عادتي لهذا الأزرقِ أمامي، أثرثرُ أكثرَ مما أعرفُ، لا مشكلةَ لديّ في التيهِ ،في النهايةِ الموضوعُ أشبهُ بقراءةِ النعوات في الطريق ، ولكنني لا أستطيع أن أنقل ما في القلب كله، القلبُ قبرٌ موصد، قبرٌ بلا أبواب.
أيلول الابن الحرام للسنة، لا يشبهُ أحداً من اخوته، أجوفٌ، لا شيءَ فيهِ سوى أغاني عن العودةِ لكلِ شيءٍ، كأنهُ محطةٌ انتظارٍ لكلِ شيءٍ، حتى الحب يؤجلُ في أيلول.
والمواويل بلا موسمِ الحصاد فارغةٌ كقبر، عفواً كقلب صديقي الذي إلتهمهُ برميلٌ من السماء، القلبُ مضخةُ ذكرياتٍ وتنهداتٍ وندم، صديقي لم يكن يملكُ متسعاً لكلِ هذا ، كانَ عليهِ العمل ليطعمَ الجميع، كمحاربٍ لا يحملُ سوى حقيبة، ويمسكُ بيدهِ بندقية .
كانَ يحملُ البيتَ بكفهِ، وفي الأخر يمسحُ العرق، القلبُ هو الابنُ الحرام للجسد، أجوف .
-قبر !!!
لا إنه قلب.
-هلا صمت أو تركتَ الريح تعبر؟
لا ، لا مسامَ في الروح، لا مسامَ للقبر، تنفس ببطءٍ، الغبارُ قاتلٌ يا صاح.
_ أريد أن أغني
عد عند الحصاد اذاً
فاتَ الموعدُ مرةً أخرى، أيلول لا يشبهُ صديقي، الحصاد أبعدُمما نشتهي، البرميلُ أقرب، الرصاصُ قلبٌ ممتلئٌ، ليس أجوف، ليس كأيلول أبداً.
محمد حاج حسين