في الدورة الثالثة والعشرين لمهرجان «هامبورغ السينمائيّ» التي ستجري خلال الأيّام العشر الأولى من شهر تشرين الأوّل الحاليّ، يُعرض الفلم الوثائقيّ «قصّة حبّ سوريّة» للمخرج البريطانيّ شون ماليكستير الذي اعتقلته أجهزة المخابرات السوريّة مع بدايات الثورة السوريّة 2011 بينما كان يصوّر فلمه هذا في دمشق.
يوثّق الفلم نزوح زوجين معتقلين سابقين في سجون نظام الأسد، الزوجة رغدة حسن والزوج عامر داوود ذو الأصل الفلسطينيّ، وقد التقيا في أحد أشهر أفرع الأمن العسكريّ وهو فرع فلسطين! حيث يفصل بينهما جدار الزنزانة، فيتعارفان وتنشأ بينهما قصّة حبّ، يتزوّجان بعدها عندما يفرج عنهما؛ حتّى هذه النقطة تبدو الحكاية الموثّقة خلاصة للنضال ضدّ الاستبداد والظلم بقوّة الحبّ والتوق إلى الاستمرار في الحياة، لكنّ الاختراق جاء من مجريات الواقع حين اعتقل نظام الأسد المخرج ماليكستير أثناء التصوير، وصادر الأجهزة والأدوات ومعها التسجيلات الصوتيّة للزوجين، التي تضمّ انتقاداتهما للنظام، وتفاصيل عن مشاركتهما وتنظيمهما للتظاهرات، ما اضطرّ الزوجين للهرب مع ولديهما إلى بيروت.
هكذا أصبحت شخصيّة المخرج وحياته جزءاً من الحكاية، فقد أتى إلى سورية في 2008 ليرصد ما يجري فيها تحت ظلّ «الديكتاتوريّة الفعّالة» كما أسماها، ولم يكن يصدّق – خلال ثمانية أشهر – ما يقوله المسؤولون الرسميّون من أنّ «كلّ شيء يسير على ما يرام» فقد شاهد الخوف في عيون الناس وصمتهم وابتعادهم عنه حين كان يسأل بفضول عن تفاصيل علاقتهم بالسلطة؛ إلى أن صادف عامر داوود في إحدى الحدائق، وعرف أنّه كان معتقلاً لمدّة ثلاث سنوات بسبب انتمائه إلى منظّمة التحرير الفلسطينيّة.
المصادفة جذبت المخرج إلى عالم الزوجين، لدرجة أن وصل لمراوغة أجهزة المخابرات السوريّة، عندما اعتُقل، وعدم إعطائهم معلومات عن أبطال فلمه ليترك لهما حيّزاً زمنيّاً للهروب بعد توحّش القمع الممارس ضدّ الثورة السلميّة، وقد مضى على دخوله سورية نحو ثلاث سنوات، ممّا دفعه للاستمرار في عمله على الفلم بعد خروجه من المعتقل.
الزوجة رغدة، اعتقلت بسبب انتمائها السياسيّ مرّتين، ثلاث سنوات ثمّ سنة ونصف، وأفرج عنها مع بداية الثورة. لا تستطيع البقاء مع زوجها وابنها وبنتها في بيروت فتعود إلى دمشق ما يفشل عمليّة اللجوء التي كانت العائلة تسعى إليها، لكنّ رغدة ترضخ لهم أخيراً ويلجأ الجميع إلى فرنسا. حيث يبرز دور المخرج مرّة أخرى في سياق الأحداث، فالعائلة توشك على التفكّك في حيّز اجتماعيّ لم تتأقلم معه، وتصل إلى قمّة المأساة في محاولة للانتحار، فتستنجد العائلة بمن يعرف القصّة كاملة لينقذ ذلك الزواج المبني على الحبّ والثورة وحلم الحرّيّة وثمرة هي طفلين الآن.
يذهب المخرج إلى فرنسا تلبية لنداء الزوجين في محاولة لإصلاح العلاقة بينهما، ويتابع التصوير الممتدّ منذ خمس سنوات، وترى الزوجة أنّه يمكن اعتبار ما جرى معها ملخّصاً حكاية كلّ السوريّين، خاصّة وأنّ قصة حبّها وزواجها ومن ثمّ نزوحها كانا يكثّفان ألم الوطن.
علّق المخرج الذي أصبح شاهد عيان أيضاً على مشهد العائلة في اللجوء بقوله: كان الأمر غريباً، لأنّهما في آلبي، ذلك المكان الجميل في جنوب فرنسا الذي اعتقدت أنّه الحلم، وقتها عدت بالذاكرة إلى بداية الرحلة، يوم كانا يحلمان بالحرّيّة، ولكن يبدو لي أنّه بوصولهما إلى هناك فقدا الكثير، بل وفقدا بعضهما البعض، ولم يصبحا قادرين على فهم نفسيهما أو أين يقفان.
ما بعد الفلم يبقى عامر في بلد اللجوء مع الولدين، ويقول: شاهدت شريط الفيديو عبر شاشة جهاز الكومبيوتر المحمول، إنّه أنا، وهؤلاء زوجتي وأطفالي، لم أستطع أن أحبس دموعي.
أمّا رغدة فتعيش في غازي عنتاب التركيّة، قريباً من سورية، كما تقول.
حاز فلم «قصّة حبّ سوريّة» في حزيران الفائت الجائزة الكبرى لـمهرجان «شيفيلد» للأفلام الوثائقيّة.
بشار فستق