يُصادف الـ 16 أغسطس/آب 2023، بداية انطلاق الشرارة الأولى لانطلاق الحراك الشعبي السلمي ضد النظام في محافظة السويداء، وكانت البداية مع بدء إضراب عام وقطع الطرقات وإغلاق مقار حزب البعث، والدوائر الحكومية والبلديات، لتغدو ساحة الكرامة رمزاً ومركزاً للاحتجاجات اليومية رغم كل ضغوطات النظام ولاتزال مستمرة.
وبدأ حراك أبناء السويداء احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية والخدمية، مع افتقاد الشريحة الأكبر من أفراد المجتمع لأبسط مقومات العيش الكريم، سرعان ما تحوّل إلى انتفاضة شعبية بمطالب سياسية ذات سقف مرتفع، دعت لتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالتغيير السياسي والانتقال السلمي للسلطة في البلاد، وأكد المحتجون مراراً على تمسكهم بتطبيق القرار 2254.
وحظي حراك السويداء بالتفاف الفعاليات الدينية ممثلة بمشايخ الطائفة على رأسهم “الشيخ حكمت الهجري” الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في السويداء، والذي أكد مراراً على سلمية الحراك، وضرورة الاستمرار بخطى ثابتة واضحة، مؤكداً أن الشعب يمارس حقه بالتظاهر السلمي، الذي يطلب من خلاله حقوقه المشروعة.
وأكد الهجري مراراً أن الجهات الأمنية بإداراتها الفاسدة قامت بمحاربتهم بلقمة عيشهم لإسكات الحقائق، محذراً من “المخربين” وطالب الحراك بأن يكون لهم توجيها وتصويبا لا قمعا وتخوينا، وشدد على أحقية مطالب الحراك الشعبي في السويداء، المستمر، وقال إن حقوق الناس لا بد من الحصول عليها “دون أن يدفعوا غير المستحق بابتكارات ضريبيه مستهجنة، ولا أن يتم سلبهم حريتهم وأمنهم وأمانهم وحقوقهم، إمعانا بإذلالهم لضمان صمت طال أمده”.
وشدد على أن الشعب لا يطلب سوى حقّه الشرعي بكل شيء “في وطن يأبى المحتلون ان نبقى فيه، فيكيلون لنا عن طريق أبناء جلدتنا حيلا وصنائع تجعلنا نهرب بأبنائنا تاركين تراب الآباء والأجداد للغرباء ، ولكنهم واهمون ، فنحن الأرض والجذور ، ونحن الشعب والصخور”.
وكان لانحياز الفعاليات الدينية البارزة إلى صف الحراك السلمي، دور كبير في استمراريته والتفاف فعاليات المجتمع حوله، علاوة على أنه شكّل صفعة مدوية للنظام الذي اعتمد لسنوات على الوجاهات الدينية والاجتماعية لضبط المواطنين، وكبح أي خطوة في مثل هذا الاتجاه، الأمر الذي زاد قلق النظام وأصابه بالعجز عن الحركة، فعمد إلى إطلاق يد بعض الإعلاميين والمؤثرين المحسوبين عليه لتشويه صورة حراك السويداء ونشطائه.
واستطاعت فعاليات السويداء المدنية والأهلية، من تنظيم نفسها وإثبات هويتها في الحراك السلمي، وخطت خطوات كبيرة في عمليات تنظيم هوية الحراك وتمثيله على مستويات عدة، لمنع الفوضى، فأعلن التجمع المهني في السويداء هويته، إنه يتكون من عدة تجمعات ذات طابع مهني “مهندسون، محامون، معلمون، مهندسون زراعيون، كُتّاب، فعاليات اقتصادية، كوادر القطاع الصحي، فلاحون، فنانون تشكيليون”. وظهرت هذه الوفود في حالة تنظيمية خلال تظاهرات يوم الجمعة في الأشهر الماضية.
أعلنت فعاليات السويداء، عن تشكيل هيئة عامة تمثل حراك السويداء السلمي، كهيئة منتخبة من قبل نقاط الحراك في محافظة السويداء، بالإضافة إلى الفريق المكلف من الشيخ الهجري، وأبرز مهامها بحسب الاتفاق بين أعضائها المضي قدما باستمرار الحراك السلمي حتى تحقيق مطالبه التي تلبي طموحات السوريين والوصول به إلى بر الامان وسط محاولات حثيثة من قبل النظام السوري وأجهزته الأمنية كسر الحالة السلمية وبث الفتنة والتفرقة بين أهالي المحافظة دون التفريق بين أحد.
ومؤخراً، أعلنت الهيئة العامة الممثلة للحراك الشعبي في السويداء، تشكيل لجنة سياسية تمثل الحراك، في سابقة هي الأولى التي يتم فيها ممارسة الديمقراطية بالشكل الصحيح لها، سبقها انتخاب أعضاء للهيئة العامة التي مثلت الحراك المناهض للنظام، والذي لعب دوراً بارزاً في الوصول للتمثيل السياسي عبر اللجنة.
وضمت اللجنة 11 عضواً منتخباً من قبل الهيئة، سبق الإعلان عنها فترة ترشيحات لأسماء من الحراك استمرت لمدة تزيد عن أسبوع تقدم خلالها أزيد من 70 مرشحاً، وانتخبت الهيئة المؤلفة من 47 ممثلاً لنقاط الحراك الشعبي في المحافظة أعضاء اللجنة السياسية في اجتماع مفتوح أمام العموم وشبكات الإعلام المحلية.
وفي سياق التضامن مع محيطهم الثوري، لطالما رفع محتجو السويداء، لافتات تضامن مع المدنيين في باقي المناطق السورية، لاسيما إدلب، والذين يتعرضون لحملات القصف والإبادة المستمرة لاسيما بعد مجزرة قوقفين التي استهدفت مدنيين يجنون موسم الزيتون في حقولهم، كان جل ضحاياها من الأطفال.
وبعبارات تضامنية وإدانة، رفع المحتجون لافتاتهم في ساحة الكرامة، حملت إحدى تلك العبارات “في إدلب الخضراء اختلط الزيتون بالدماء”، معبرين عن رفضهم للممارسات الإجرامية للنظام وروسيا بحق أهالي إدلب ومخيم الركبان، لاحقاً رفعت العديد من اللافتات التي تحيي باقي المكونات السورية وتؤكد على أن مطالب السوريين واحدة وموقفهم واحد.
ورفع المحتجون في تظاهراتهم الشعبية في السويداء، علم الثورة السورية، والذي كان إعلاناً واضحاً على موقف الحراك السلمي في السويداء من ثورة السوريين ضد نظام الأسد، والذين اتخذوا من راية الخلاص من الاحتلال الفرنسي راية تميزهم، فكانت ضربة موجهة واصطفاف واضح لأبناء السويداء إلى جانب باقي أطياف السوريين الأحرار المطالبين بالتغيير.
ومنذ انطلاق الحراك الشعبي المطالب بالتغيير السياسي في السويداء، والمناوئ للبعث بصفته “حزباً حاكماً”، أغلق المحتجون عشرات المقرات والمراكز الحزبية في مختلف أنحاء محافظة السويداء، وبات أعضاء الحزب في بعض المناطق يمارسون نشاطاتهم بشكل سري، في ظل عدم قدرتهم على افتتاح مقرات الحزب المغلقة.
وكانت عبرت عدة دول غربية، منها (واشنطن وباريس وبرلين ولندن)، عن قلقها البالغ إزاء التقارير عن حول استخدام قوات الأسد، العنف ضد المحتجين في محافظة السويداء، بعد قيام عناصر من نظام الأسد بإطلاق الرصاص الحي من داخل قيادة فرع حزب البعث، لتفريق مجموعة من المحتجين كانوا يحاولون إعادة إغلاق مبنى الفرع في المحافظة ما أسفر عن سقوط جرحى بين المتظاهرين، يوم الأربعاء 13 أيلول 2023.
واستطاعت الفصائل المحلية في السويداء، بمختلف تشكيلاتها العسكرية، سد الخلل الأمني في المحافظة، وقطع الطريق على النظام لضرب الحراك، وكانت قوة منيعة في وجه محاولات النظام ترهيب المحتجين بالاعتقالات والتضييق الأمني، علاوة عن ضبط الوضع الأمني ومكافحة أي خروقات أو تعديات، إضافة إلى معادلة “العين بالعين” التي انتهجتها القوى المحلية من خلال اعتقال ضباط النظام وعناصره لقاء اعتقالات مارسها النظام بحق أبناء المدينة.
وشكل الحراك الذي غابت عنه أي رعاية دولية حقيقية، حالة نوعية حضارية على مستوى العالم، إذ اتخذ الطابع السلمي البحت، وكان ولّاداً للكثير من النشاطات المدنية، خصوصاً مع تنوع الشرائح العمرية والفكرية المشاركة فيه، وقيادة النساء لنشاطاته، عدا عن تضمنه حركة فنية لافتة، وانبثاق أحزاب وحركات وتيارات سياسية واجتماعية ونقابية شكلت الوجه المدني للحراك.
وتواصل الفعاليات المدنية والأهلية في عموم محافظة السويداء، احتجاجاتها بشكل يومي، ويستمر توافد المحتجين إلى ساحة السير/ الكرامة، التي باتت رمزاً ومقصداً لكل من يريد التعبير عن موقفه وتأييده ودعمه للحراك المستمر، في وقت كانت طغت أحداث الشمال السوري والتصعيد القائم على الأحداث في عموم سوريا.
ورغم كل محاولات النظام، لتقييد حراك أبناء السويداء، إلا أنهم لايزالون مستمرون في احتجاجاتهم، وتستعد ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، لاستقبال حشود أهلية من مختلف مدن وقرى المحافظة، يوم الجمعة، في موعد أسبوعي ثبّته المحتجون/ات كل جمعة، لتظاهرة مركزية حاشدة.