شهدت عموم مناطق الشمال السوري المحرر (أرياف إدلب وحلب)، يوم الاثنين 1 تموز 2024، موجة غضب شعبية عارمة، جراء التعديات على اللاجئين السوريين وأعمال الشغب والتخريب التي طالت ممتلكاتهم ليلاً في مدينة قيصري التركية، في ظل توتر مستمر في عموم المنطقة.
ودعت فعاليات مدنية وإعلامية وأهلية في عموم مناطق الشمال السوري المحرر، حيث تتواجد القوات التركية، إلى تظاهرات واحتجاجات عارمة في الساحات وحول النقاط التركية، تخللها قطع للطرقات ومهاجمة سيارات الشحن التي تحمل لوحات تركية، والقيام بتكسيرها وحرق العديد منها في الباب وأعزاز وقباسين ومارع شمالي حلب.
تخلل الاحتجاجات التي أخذت طابعاً عشوائياً غير منظماً، صدام مع القوات التركية في عدة مواقع ونقاط لها أبرزها في “معبر باب السلامة – معبر جرابلس – الأتارب – الأبزمو – التوامة – مدينة عفرين – معبر خربة الجوز – السرايا في مدينة عفرين – جنديرس – الغزاوية …. إلخ”، حيث أطلقت القوات التركية النار في الهواء لتفريق المحتجين.
ووفق مصادر محلية، فإن مسلحين لم تعرف الجهات التي ينتمون لها أطلقوا النار حول السرايا الحكومي في مدينة عفرين واشتبكوا مع القوات التركية هناك، في حين سجل سقوط عدد من الإصابات المدنية في باب السلامة ومعبر جرابلس والتوامة والأتارب، جراء إطلاق القوات التركية النار باتجاه المحتجين حول نقاطها العسكرية، تخلل ذلك حرق آليات ومعدات لوجستية حول النقاط.
وأوضحت المصادر، أن الوضع متوتر بشكل كبير في منطقة باب الهوى شمالي إدلب، مع دعوات أطلقتها فعاليات أهلية للتجمع في ساحة باب الهوى والتظاهر هناك، لكن القوى الأمنية والشرطة التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” عملت على ضبط الأوضاع وقطع الطريق ومنعهم من الوصول للمعبر الحدودي.
في سياق متصل، دعت قيادة “الجبهة الشامية” في تصريح إعلامي، المدنيين في عموم المنطقة إلى الالتزام بضبط النفس، والتعبير السلمي عن مطالبهم المشروعة، وأدانت بشدة أي أعمال تخريب أو إساءة للأشخاص أو الممتلكات، مؤكدة أنها وجهت لعناصرها للقيام بواجبهم بحفظ الأمن والأمان، وحماية المنشآت والمؤسسات العامة والخاصة والعاملين فيها، هدفنا هو منع أي محاولة لاستغلال المظاهرات في زرع الفتنة وشق الصف.
وأكدت جماعة (الإخوان المسلمين في سوريا)، في بيان رسمي، أن ما حدث ليلة أمس في مدينة #قيصرى التركية كان جريمة كراهية ضد الإنسانية، ارتكبت ضد لاجئين أبرياء، مطالبة الحكومة التركية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لردع المجرمين، كما طالبت المواطنين السوريين، أن يلتزموا بالقوانين السارية، ويتحلوا بالحكمة والصبر والهدوء وبعد النظر، وأن لا يستجيبوا لدعاة العصبية والفتنة، مع التحذير من ردود الأفعال الخاطئة في المحرر وغيره، وفق تعبيرها.
ودعا “المجلس الإسلامي السوري” المدنيين في الشمال السوري المحرر إلى عدم الانجرار وراء الفوضى، وإلى عدم التعامل بردّات الفعل غير المنضبطة على سلوك بعض العنصريين ضد اللاجئين السوريين، مؤكداً أن هؤلاء العنصريين الذين يمثلون أنفسهم فقط ولا يمثلون شعوبهم.
ودعت “إدارة الشؤون السياسية” في حكومة الإنقاذ، المدنيين إلى ضبط النفس وعدم التعدي على المؤسسات أو النقاط التركية، مثمنة التصريحات الصادرة من الرئيس رجب طيب أردوغان والإجراءات التي قامت بها وزارة الداخلية التركية بتوقيف 67 شخصاً من الداعين للتصعيد وأعمال العنف ضد اللاجئين السوريين.
وأدان “جيـ ـش الإسلام” التابع لـ “الجيش الوطني السوري”، يدين الاعتداءات بحق السوريين في تركيا ويدعو السوريين في الشمال السوري لعدم الانجرار وراء خطابات الكراهية، معتبراً أن الخطأ لا يقابل بخطأ مثله وما يحصل من اعتداءات على الممتلكات العامة في المحرر لا يخدم القضية ولا يحل المشكلة.
وأكد أن ما يحدث يخلق مطية لأهل الفتة لاستهداف الأبرياء من السائقين الأتراك وتأجيج الحقد والكراهية والفوضي، موصياً المدنيين بالالتزام بضبط النفس والعمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة
(بيان رسمي)
وفي السياق، أدانت (هيئة علماء فلسطين) الاعتداءات العنصرية التي وقعت بحق اللاجئين السوريين في #قيصري، كذلك الاعتداءات التي يتعرض لها الأتراك وممتلكاتهم في الشمال السوري، معتبرة أنه اعتداء محرم شرعاً كونه اعتداء على غير المعتدي، وكذلك فإنه لا يجوز مقابلة الممارسات العنصريّة بممارسات عنصرية مقابلة، وناشدت الهيئة مؤسسات العلماء والمؤسسات الفاعلة والمعنية وكل الغيورين في الجانبين السوري والتركي إلى التدخل العاجل لوأد الفتنة وإطفاء لهيبها.
وكانت طالبت “إدارة الشؤون السياسية” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام”، الحكومة التركية بضرورة تحمُّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية بحماية اللاجئين السوريين والإيفاء بعهودها ووعودها التي أطلقتها مند بداية انطلاق الثورة السورية عام ۲۰۱۱، والتزام السياسة التي تبنتها الحكومة التركية بدعم قضايا المظلومين ونصرة قضاياهم في كل مكان.
وقالت الهيئة في بيان لها: “نتابع بحزن وأسى ما يجري لأهلنا السوريين في ولاية قيصري من اعتداءات ممنهجة نالت منهم ومن ممتلكاتهم وأماكن عملهم، يأتي هذا اتساقاً صعود الخطاب مع العنصري من جهة، والاستمرار بالخطاب الرسمي الذي يدعو للتقارب مع نظام الأسد المجرم من جهة أخرى”.
وذكرت الشعب التركي بأن الشعب السوري عانى ولا يزال من الإجرام والقتل والتهجير ذاته الذي تشاهدونه اليوم في غزة، وإن نصرة المسلمين والوقوف إلى جانبهم لا يتجزأ أخلاقياً أو عرقياً في عرف الدين والإنسانية.
وكان اعتبر الرئيس التركي رجب طيب “أردوغان”، أن الهجمات التي استهدفت منازل وممتلكات اللاجئين السوريين، في مدينة قيصري، يوم أمس الحد من قبل شبان أتراك “أمر غير مقبول”، معتبراً أن “أحد أسباب الأحداث المحزنة، التي تسببت بها مجموعة صغيرة في مدينة قيسري أمس، هو الخطاب المسموم للمعارضة التركية”.
وقال أردوغان في كلمة مباشرة له بمؤتمر لحزبه الحاكم العدالة والتنمية: “من غير المقبول أن يلوم بعض الناس اللاجئين على عدم كفاءتهم”، وشدد على أن “أعمال التخريب، وإضرام النار في الشوارع، والقيام بأعمال الشغب والتخريب، وتغذية معاداة الأجانب واللاجئين هي أمور غير مقبولة ، ولن توصل إلى أية نتيجة”.
من جهته، ندد “الائتلاف الوطني السوري” بأعمال الشغب والاعتداءات التي طالت اللاجئين السوريين في تركيا، نتيجة ترويج إشاعات مغرضة حرضت الأهالي في تركيا ضد اللاجئين، ودعا إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء تلك الإشاعات وخطاب الكراهية والعنصريين الذين يحرضون على الفوضى والأذى.
وأكد الائتلاف في بيان له، أنه قد قام بالتواصل مع الجهات التركية ذات العلاقة بخصوص ما حدث، ويشير بهذا الخصوص إلى تصريحات الرئيس أردوغان التي أعلن فيها بوضوح رفضه واستنكاره لما حدث من أعمال شغب وفوضى وأي تجاوزات قانونية حدثت في قيصري، وأنه قد وجه السلطات المختصة لمعالجة الأوضاع فيها وتأمين سلامة وأمن المواطنين والمقيمين فيها من اللاجئين ووضع حلول لأي تجاوزات قانونية حدثت بأسرع وقت ممكن.
وناشد الائتلاف السوريين في تركيا وفي المناطق المحررة داخل سورية، والأخوة أبناء الشعب التركي على أنه لا بدّ من التركيز على عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين الشعبين السوري والتركي، وعدم الانجرار وراء من يريد خلق الفتنة والكراهية بين الشعبين الشقيقين.
وطالب الائتلاف من الأهالي داخل المناطق المحررة في سورية، بضرورة عدم السماح بانتشار الفوضى، والوقوف صفًا واحدًا لمجابهة خطابات التحريض والكراهية، الساعية لبث الفوضى وزعزعة الاستقرار والتفرقة بين من ضحوا بدمائهم من أبناء الشعب السوري بمجابهة النظام المجرم، وخاضوا المعارك المشتركة مع أبناء الشعب التركي ضد التنظيمات الإرهابية التي تسعى لزعزعة أمن واستقرار البلدين.
وأكد أن الشعبين السوري والتركي تجمعهما مصالح مشتركة واسعة في حرصهما على منع المشاريع الانفصالية، والإرهابية، والحرص على وحدة وسلامة الأراضي السورية وأمن واستقرار المناطق المحررة في سورية، وأمن واستقرار تركيا، وتحقيق الحل السياسي الذي يطمح إليه السوريون وفق قرارات مجلس الأمن.
وشدد الائتلاف الوطني على ضرورة وواجب حماية اللاجئين وضمان سلامتهم وأمنهم في الدول المضيفة من قبل السلطات المختصة في حكوماتها، هذا ونذكر المجتمع الدولي بأن اللاجئين السوريين يرغبون في العودة إلى بلادهم عودة طوعية وآمنة وكريمة، لكن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا عبر التوصل إلى الحل السياسي في سورية وفق قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.
وناشد الائتلاف الشعب السوري في تركيا وفي المناطق المحررة بضرورة ضبط النفس وعدم إتاحة الفرصة لزعزعة الأمن والاستقرار، فالمستفيد الوحيد من هذا الشغب والانتهاكات والفوضى هو النظام والتنظيمات الإرهابية، الساعيان للنيل من العلاقة الأخوية بين الشعبين السوري والتركي لوضع المزيد من العثرات بوجه السوريين لمنعهم من تحقيق تطلعاتهم، نحو الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية التي ثاروا وضحوا من أجلها.
وكانت شهدت مدينة قيصري وسط تركيا، منذ مساء يوم أمس الأحد، اضطرابات وتوتر، خلفت سلسلة تعديات على ممتلكات للاجئين سوريين، وصفت بأنها الحملة الأكبر التي تستهدفهم في المدينة، جاء ذلك على خلفية انتشار معلومات مغلوطة تتهم شاب سوري بالتحرش بطفلة تركية.
وقالت مصادر من المدينة، إن حملات شغب وتكسير وخلع وتعدي على السيارات والممتلكات الخاصة بالسوريين، شهدتها المدينة، مع انتشار مقطع مصور لشاب قيل إنه سوري يتحرش بطفلة تركية في أحد المرافق العامة، مما أثار غضب الأهالي.
وفور انتشار المقطع، انتشر مئات الشبان الأتراك في الشوارع، مطلقين شعارات تطالب بترحيل اللاجئين وطردهم، بالتزامن مع بدء تكسير المحلات التجارية والسيارات والممتلكات الخاصة للسوريين في عدة أحياء من المدينة، خلقت حالة ذعر وهلع للأهالي واللاجئين.
وأصدرت ولاية قيصري بياناً، أوضحت فيه أن الطفلة ليست من الجنسية التركية، وأن الشاب المتهم بالتعدي يعاني من اضطراب عقلي، وهو ابن عم الطفلة، وأن الحادثة وقعت في دورة مياه عامة بسوق السبت، لكن رغم البيان لم تتوقف أعمال الشغب والتكسر ضد السوريين في المدينة.
وجاء في بيان لولاية قيصري، إنه “في 30 حزيران 2024، في منطقة دانشمنت غازي بولايتنا، أقدم شخص سوري على التحرش بطفلة سورية صغيرة. وجرى اعتقال المتهم من قبل وحدات الأمن لدينا، ووضعت الطفلة تحت الحماية من قبل الجهات المختصة”.
وأضافت “نحن نتابع القضية بدقة، وندعو مواطنينا إلى التحلي بالهدوء وعدم الانخراط في أي تصرفات غير تلك التي تعلنها الجهات الرسمية. نشكر المواطنين على تفهمهم واحترامهم لهذه التعليمات”.
وقال قائد شرطة قيصري، أتانور أيدين، في تسجيل مصور، لسكان الحي الذي شهد أعمال شغب: “أعدكم بأنه سيتم اتخاذ جميع الإجراءات ضد المتهم، بما في ذلك ترحيله هو عائلته”، وطالب السكان بعودة المواطنين إلى منازلهم، مضيفاً: “سنفعل ما هو ضروري”.
وأعلن وزير الداخلية التركي، اعتقال 67 شخصًا قاموا بإلحاق الضرر بالمركبات والمنازل والمحلات التجارية الخاصة بالسوريين في قيصري مساء الأمس، في حين لم يغب الساسة العنصريون عن المشهد، حيث سجلت العديد من التصريحات العنصرية ضد اللاجئين، أبرزها تصريح رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، الذي قال على منصة “إكس”: “لقد أدى النضال الذي أخوضه منذ سنوات إلى نتائج في بولو. ومع ذلك الإرادة التي تحكم بلادنا لم تتوقف عن إرسال اللاجئين إلي”.
وأضاف: “اتهموني بالعنصرية، اتهموني بالفاشية! لكن لفترة طويلة، لم يرغب أحد في رؤية أنني وطني أحاول منع مثل هذه الأحداث”، واعتبر “لا بد من مناقشة هذا الموضوع على الفور، الحكومة المخطئة والمعارضة الصامتة يجب أن تتحدثا عن هذا الموضوع بلا تأخير!”.
أيضاً النائب عن حزب الشعب الجمهوري في قيصري، أشكين جينج، الذي حضر إلى موقع الحادث وقال: “أزمة الهجرة التي تتزايد يوماً بعد يوم هي نتيجة لسياسات الحكومة غير الاهتمامية وعدم إيجاد الحلول”، واعتبر أنه “يجب على تركيا وضع سياسة هجرة تهتم بالسلام الاجتماعي على الفور”.
في السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي فاتح تيزجان: “يتم حرق جميع متاجر السوريين في قيصري. والسبب هو أن منحرفاً سورياً تحرش بطفلة سورية، لو ارتكب تركي هذا العار هل ستحرق جميع محال الأتراك؟”.
من جهته، قال نائب رئيس الدعاية والإعلام في حزب العدالة والتنمية، إمره جميل آيفالي، “إن استهداف جميع اللاجئين السوريين والإشادة بأوميت أوزداغ على أساس حادث فردي هو أمر متهور”.
وكانت شهدت ولايات الجنوب التركي أبرها “غازي عينتاب”، حملة تفتيش واسعة النطاق على منازل اللاجئين السوريين وأماكن عملهم في جنوبي تركيا، بالتزامن مع نشر “إدارة الهجرة” أكثر من 60 نقطة تفتيش في الأسواق ومحطات المواصلات.