تبدأ العملية باحتكاك بسيط كفعل تمهيدي.. تحمية.. غالبا ما تكون صفعة بسيطة معتدلة على وجه الضحية أو أن تكون وضع اليد على الرقبة لتحسس مدى صلابتها أو صلابة حاملها فمن المهم لدى الجلاد تقديره لمدى قوة المجلود ولا سيما إن كان العرض أمام جمهور من رفاقه، ترافق تلك التحمية قليل من الأسئلة العبثية التي لا تنتظر الإجابة.. كل ما يرغب به هو استحضار الغضب والكراهية.. مايريده بالضبط هو تهيئة جسده للحقد قلبه.
تجهيز المسرح
قبل أن يصل الغضب به الى درجة العمى يحاول دائما أن يجد المكان المناسب والوضعية المناسبة للضحية وغالبا ما نراهم وهم يسحبون الضحايا من ياقاتهم الى أماكن مختلفة ودفعهم الى وضعيات معينة لترتيب مسرح المتعة لديهم.
كنت أراهم وهم يجرونهم ذات اليمين وذات اليسار وأتساءل لم يحركونهم بهذا الشكل، لم لا يجهزون عليهم وينتهون بسرعة..
المكان مهم جداًَ بالنسبة للجلاد، فمن الضروري أن يتيح له المكان والوضعية أكبر مساحة من جسد الضحية ومن المهم أيضا أن تؤمن له السيطرة الكاملة عليه إذ أن حركة الضحية بشكل مغاير لما يرغب به قد يفسد العملية برمتها وتنتهي بشكل غير مرضي له.
ومن المفارقات أن الضحية يتجاوب بشكل رائع مع الجلاد في طلباته إذ يعتقد بأنه قد يكسب بعض السلامة بتنفيذ إرادته غير مدركا لما يخطط له الجلاد وجاهلا بالوقت نفسه حجم الاحتقار الذي يكنه المجرم له.
كنت استعذب اصوات توسلاتهم
ما أن تزداد الأسئلة حدة والشتائم فحشا حتى تبدأ الحفلة بشكل فعلي ويخرج الغضب دفعة واحدة.. غضبا جامحا ليس مفهوما ولا علاقة للضحية به، فالجلاد يتذكر رفاقه الذين قتلوا في عمليات ربما كانت قذرة أو يتذكر فقره وحاجاته التي لم يستطع أن يلبيها.. قد يخطر بباله أنثى خانته أو لم يحصل عليها، وقد يتذكر تسلط ضباطه عليه واهانتهم له.
عمىً حيواني بهيمي يتخلص فيه الجلاد من أخر ذرات بشريته ليكون بذاك المستوى من الإجرام.
صراخ الضحية في الغالب يلبي نشوته في السيطرة ويستلذ بتوسلاته وحشرته فهو الأن المسيطر وهو الأن المنتقم من هؤلاء الخونة والعملاء والمجرمين وهو الأن البطل الذي يعيد الحق لشخصه ولوطنه ولقائده.
في كل صرخة يستعيد مجده وألوهيته يتقاطع في ذاك مع كل القتلة المتسلسلين والمهووسين الذين يحاولون أن يعوضوا نقصا شديدا في داخلهم للرجولة أو الكرامة أو الاعتبار وهم في تلك اللحظة لا يرون الكائن البشري الذي أمامهم وكل ما يشاهدونه هو حياتهم البائسة.
حاول الكثير من المعتقلين السابقين والأدباء أن يبحثوا في نفسية الجلاد كما حاول الكثير من علماء النفس كذلك وكتب في تجارب التعذيب منذ القدم الشيء الكثير لكن نكوص البشري الى الحيواني امر مقعد وشائك قد تعود اسبابه الى الطبيعة البشرية ذاتها واصولها الحيوانية.
يقول احد الجلاوزة الذين يعانون من أمراض نفسية أصيبوا بها بعد أن عملوا بالتعذيب طويلا: كنت استمتع كلما زاد صراخهم وأشعر بأنني سوف أرضى قادتي كلما زدت في تعذيبهم.
ويذكر أحد الضحايا أن أكثر ما أذهله وتفاجئ به حين توقف الجلاد عن تعذيبه ليتكلم مع ابنته الصغيرة على الهاتف ويعدها بالحلوة بعد عودته من العمل، ويؤكد هذا السجين انه لم يتوقع أن يكون لهذا الجلاد مشاعر كبقية الناس فلا يمكن لمن يقوم بهذا العمل أن يكون له ابنة ـوأن يكون أبا أو إنسانا حقيقيا، فكيف بإمكانه أن يحتضن أولاده بعد كل ماراقه من دم وكيف يمكنه أن يضم زوجته إليه ألا تشم رائحة الضحايا بصدره ألا ترى عيون الموتى في عينيه.
بطل الحفلة
في كل حفلة هناك بطل لها.. المجرم الأكبر والأخطر وصاحب الشهرة مهما كثر المجرمون والجنود من حوله فهم مجرد كومبارس ليقدم أفضل عروضه على جسد الضحية، هذا البطل دائما ما نسمع اسمه يتردد في مقاطع الفيديو وصيحات التشجيع والاستحسان تحمسه للمزيد وهو صاحب الأفكار الخلاقة وصاحب المبادرة دائما فاستئصال عضو شرف حصري له أو طعن الجسد بمدية أو تصرف عاهر كلها جزءا من فنه الحصري فيما الآخرون يكررون إبداعه فقط.
وليس من المهم أن يكون البطل هو الأعلى رتبة أو الأقدم أو الأكثر نفوذا إنما من المهم أن يكون أكثر قذارة وجرأة واهم ما يميزه عن غيره إصراره على سحق الضحية وقتلها كما يميزه عدم انشغاله عن التعذيب واستمتاعه به وحرصه على نهاية الجسد والمسرحية بأبشع صورة
في لحظة الذروة تلك لا يهم شكل أو عمر أو جنس أو دين الضحية فهو لم يعد يراه أساسا فقد يكون طفلا أو عجوزا أو معاقا أو امرأة حامل أو حتى صديق له
ونتيجة لكم الانفعال الكبير الذي يصيبه وحجم الجهد في الضرب والتعذيب ينهار جسده بشكل سريع ويحتاج لبعض الراحة إلا أن الضحية لا يستريح فيما يتناوب عليه الرفاق ريثما يلتقط البطل أنفاسه
في اعتراف لاحد الجلادين يقول فيه كانوا شبان صغار اعرف أنهم أبرياء لكنني قمت باغتصابهم وقتلهم ولم اشعر بأي تأنيب
ويمتلك الجلاد نتيجة لممارسته الطويلة خبرة رفيعة في تحطيم النفس البشرية وسحقها تثير الاستغراب فلديه من الوسائل ما يجعل الضحية يتمنى الموت ألف مرة ولا يجده
يذكر أحد المعتقلين حادثة في احد المعتقلات حين اجبر الجلاد أخوة أن يمارسا الجنس أمام أبيهم وفي حادثة أخرى يخير الأب في انتقاء اثنين من أبنائه الثلاثة للإعدام ناهيك عن حوادث الاغتصاب التي يجريها الجلاد للزوجات أمام أزواجهم
أربعون عاما حول فيها الأسد قسما كبيرا من السوريين الى جلادين يحمي بهم حكمه، عزلهم في أفرع أمن مخيفة كمعسكرات لإنتاج الوحوش البشرية.. ثكنات عسكرية مرعبة.. كل جلاد يحكمه جلاد أخر.. ليتربع الأسد على عرش الجريمة الكبرى وليغتصب الضحية الكبرى.. سوريا
المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «عدم جواز تعريض الإنسان للتعذيب ولا للعقوبات القاسية أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطّة بالكرامة «
أحمد فرج