ظهر بشخصيّة «كارلوس» مع أوائل من عملوا في التلفزيون السوريّ صيف عام 1960، ومنهم: نهاد قلعي ورفيق السبيعي ومحمود جبر، بلباس مكسيكيّ فيما يشبه رعاة البقر (الكاوبوي) وكان يغنّي «بوشار تسمّمت يابهيّة» كما قدّم برنامج منوّعات كوميديّ خفيف مع نهاد قلعي بعنوان «سهرة دمشق»، وظلّ دريد لحّام يقدّم نفسه بهذه الشخصيّة حتّى ظهور المسلسلات التلفزيونيّة مثل «حمّام الهنا»و»مقالب غوّار» إذ اعتمد الشريكان (دريد ونهاد) ثنائيّة (غوّار وحسني) على قالب الثنائيّ السينمائيّ الشهير (لوريل وهاردي)*.
استمرّت شخصيّة «غوّار الطوشة» تلفزيونيّاً وسينمائيّاً ومسرحيّاً، رغم محاولات قليلة جدّاً من طرف دريد لحّام للخروج عنها مثل مسلسل «أحلام أبو الهنا» عام 1996، إذ سرعان ما عاد إليها من القبقاب وحتّى الطربوش، مهما كانت الفكرة المُراد طرحها؛ لأنّ «غوّار» أصبح مطلوباً وماركة مسجّلة، على مستوى السوق الفنّيّة العربيّة، ولم يعد ذلك الدمشقيّ صاحب المقالب، بل صار مواطناً عربيّاً مسحوقاً خاصّة في مسرحيّات محمّد الماغوط، لدرجة أنّ معدّ ومقدّم البرامج مروان صوّاف قارن بينها وبين شخصيّة المتشرّد للفنّان السينمائيّ العالميّ «شارلي شابلن»، ووصف دريد لحّام بأنّه «شابلن العرب»، في مبالغة مستغربة من مثقّف كالصوّاف يُفترض أنّه يعرف الفرق الشاسع بين: من يتلقّى هديّة رفعت الأسد شخصيّاً وعلى خشبة المسرح بعد عرض مسرحيّة «ضيعة تشرين» (الهديّة كانت كلاشنكوف مطلي بالنيكل)، وبين الفنّان «شابلن» الذي ناضل في جميع أعماله ضدّ الديكتاتوريّة والنازيّة واستغلال الإنسان. أي أنّ الفارق الذي يشكّل انعدام إمكانيّة المقارنة بين رجل إعلام السلطة ومروّج «انتصاراتها»، وبين فنّان أثار التناقض السياسيّ للولايات المتّحدة بأكملها.
ففي لقاء متلفز بُعيد قيام الثورة السوريّة في 2011، دافع دريد لحام عن قمع جيش الأسد للشعب السوريّ بقوله: «مهمّة الجيش ليست محاربة إسرائيل»، ثمّ شتم سفراء النوايا الحسنة لدى هيئة الأمم المتّحدة (وكان واحداً منهم) وشتم المفكّرين والإعلام بكلمات بذيئة.
كان الإفلاس بادٍ عليه قبل ذلك بسنوات، حين أشاع بأنّه اعتزل ثمّ عاد ليسوّق نفسه كـ «مقاوم» والتصق بحزب الله بصورة إعلاميّة رخيصة (صورة فوتوغرافيّة وهو يرمي أحجاراً في الجنوب اللبنانيّ)، وظهر كمقدّم برنامج اعترف بأنّه مسروق «لاأنفي أنّه ملطوش من قنوات أمريكيّة». وحرص «دريد لحام على الظهور في جميع المناسبات على شاشة التلفزيون، مهنّئاً «رئيسه» ومستلماً الجوائز والأوسمة.
يمكن وصف دريد لحام بأنّه رجل ذكيّ أو شاطر أو أنّه يعرف من أين تؤكل الكتف، وغير ذلك من تلك المهارات، لكنّ الأبرز بينها هي مقدرته على البقاء في كنف النظام _ مهما كانت طبيعة هذا النظام _ متصنّعاً انتقاده في الوقت ذاته، أو ما اصطلح على تسميته بالتنفيس! فقد أدرك الكثيرون أنّ أعماله المسرحيّة تتّسم بانتقاد لمفاصل السلطة كأشخاص وأمراض، مثل المسؤولين أو البيروقراطيّة، لكنّ هذه الانتقادات تقف قبل أن تصل إلى العائلة الحاكمة، ويُكال التمجيد إلى «القيم» التي يبثّها «القائد» عبر توجيهاته مثل «الشهادة والشهداء»، لتُزاح الانتقادات التي وردت حول القضايا الخدميّة كالصحّة، أو وتُستبدل بشعارات وطنيّة وقوميّة عن تحرير فلسطين المغتصبة! وتأتي الخواتيم الميلودراميّة مثل أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» في مسرحيّة «كاسك يا وطن» لتزيل كلّ القضايا المطروحة خلال العرض، بما فيها الحرّيّة، فالاعتقال والتعذيب الذي عولج أصلاً بأسلوب سطحيّ كما في مشهد التعذيب بالكهرباء، حين قال غوّار: «وصلت الكهربا لقفاي وما وصلت لضيعتنا»، يصبح كلّ ذلك لا شيء أمام كتابة اسم البلاد. في الوقت الذي كان جيش النظام في لبنان يسرق الأرواح والأموال من كلّ الفئات اللبنانيّة والفلسطينيّة! باسم فانتازيّ هو قوّات الردع العربيّة!
ما زال دريد لحّام وأمثاله ممّن يلتصقون بأسفل النظام كواحدة من أدواته الإعلاميّة يقومون بدورهم في تسويق الأكاذيب والقيام بمحاولات فاشلة للتمويه عن حقيقة الجرائم المرتكبة، وبوقاحة أكثر، ممّا وضّح تركيبة هؤلاء المدّعين للفنّ، وهم شركاء القاتل.
هامش:
*انتهى الثنائيّ عام 1951
بشار فستق