زيتون – عبد العزيز الموسى
على مبدأ أن كلّ شيء محسوب على البني آدم أكتشف أنني أقوم بمثل هذه المهمة المدونة في دفاتر عريضة سابقة لوجودي! محسوبة خطواته وأنفاسه محسوبة عليه هل تنكر؟ لا وأعرف أيضاً عدد اللقم التي يلتقمها، كم رشفة ماء وشهقة هواء، أعدّ عليه الأرغفة اليابسة المقدّدة تحت عين الشمس لأيام سوداء ترمح بسرعة صوبنا، أعد الأبواط التي تدوس على الرقاب والوجوه التي توهمنا كما صرعونا أن الله كرّمها وأعزها وأعز جندها! أعد البصقات والرفسات والبلاطات، لا تقل لي فصام ومرض نفسي واضطرابات نفسية وإلى ما يماثل هذه الفذلكات الدارجة.
المهم أكتشف حالي منهمكاً بالعدّ، خشب الهاتف يوم كان عندنا في سابق العصر والأوان! أعد المراحيض التي يختبئ فيها الناس وقت تشمر الطائرات الباسلة بإلقاء براميلها اللطيفة الحنونة المعبأة بالخبز والرضا والوعود الدسمة والمواساة، صرنا نعدّ الطائرات المغيرة التي قصفت والتي ستقصف، نعد الصواريخ، واحد اثنان سبعة، نعدّ الراجمات المفتوحة على بيادر جهنّم التي سمعنا أنها حمراء، صرتُ أشكّ أنها كذلك.
أعد الحجارة التي تلتقيني على الدروب الخلوية الكافية للاختباء في طرفها وقت يشمخر الصفير، أعدّ الكلاب التي تنبح عليّ والكلاب التي لم تنبح. الهررة أعدها، قلّما أعد الأفاعي العابرة لندرتها، أكثر من الأفاعي، الجرابيع المارقة براحة أكثر وتتمختر في الليل، مرات قليلة أعد فيها الصبايا المطوّقات غالباً برهط من أخوات وأمهات وخالات وعمّات، جوقات سوداء أشبه بقطعان تنشد الحماية والبأس خاصة مع كثرة عدد أفراد القطيع.
اكتشفتُ أن الأرض التي أعد تفاصيلها قشيبة ناشفة ووعرة ولا أراها مرحّبة بوجودي معها ومع هذا الخلاء كما كنا سابقاً.
لا أريد أن يتعالم عليّ أي شخص ويقول لي أنتَ تقف على عتبة فصام واضطراب نفسي، أنا علّمتُ الناس هذه الفذلكات! مع كوني سأرحب اعتباراً من أوباما وبيت الأسد بأي فصام وبأي اضطراب نفسي حتى لو أفضى في بعض مراحله الخطرة لاضطراب ذهني! مجنون سأصير! سأرحب به على أن تتركوني أعود لحالتي الراهنة لمدة خمس دقائق في كل يوم من باب المقارنة المتشفية من الناس على الأقل!
بل قررتُ أنني لن أتوقف عن العدّ لأغري أي فصام بالحضور لمساعدتي على اصطناع عوالم موردة ممكن العيش فيها بعيداً عن الجحيم الشغال. سأعد وليكن ما يكون، مضطر أن أعدّ الليرات التي كنت أتلمّسها قبل الغلاء في جيبي، بعد الغلاء العظيم لا تلمس أصابعي شيئاً! أعد النساء، في الأول أعدّ الجميلات، أعمد للقصّ والقطع فلا يبقى إلا ثلاثة أو أقلّ في اليدّ التي أفتحها، أقبضُ في مستودعات الذاكرة على أرقام حية نابضة أقوم فوراً بعدها وأتشبثُ بها وأعضّ عليها وأنا مغمض العينين، تنعشني هذه الجولات التحتية لخمس دقائق ثم أفيق!
أعدّ الأولاد الذين يسدّون الدروب بجلبتهم وتفاعل شجاراتهم باعتبارهم معفيين من فرص التوجه للمدارس، من يتوجّه وسط حمولات القذائف المتراكبة وكأنّها مربوطة بخيط واحد، يا للإبداع ويا لبسالة القذائف المفتحة العينين لأنها قادرة على إصابة الضيعة. أعدّ ما يتطلبه تربية ولد هذه الأيام العامرة بالوفرة والأمان والكهرباء والماء الزلال والمحروقات والسيارات، تعلمت أن أعدّ الثواني التي تفصل ما بين طقّ الصمام الأول وانفلاق الصمام الثاني للقذيفة، نعم نعدها ونحسب الكيلومترات التي يقصفون منها، من شمالنا من الشرق يقصفون من جورين من ريف الجبل الذي كان أخضراً.
صرنا نعد سيارات الشبيحة الجدد ومسجلاتها العاوية وعجاجات الغبار المجدولة وراءها بالدولارات التي تزيد عن معادل الوفرة، ليس للكل! ما يزيد يوظف لرعاية خساسات قديمة متصورة في البال. أعدّ الأشهر الحرم وغير الحرم.
أعد ساعات رمضان الذي فاقم الوضع وشوش الحال، أصّرّ أن يرمضن فينا مع كوننا لا نحب الضيوف هذه الأيام لأسباب لا علاقة لها إلا بالذي يدور في بالك! صرت وقت أتمشّى آخر الليل أعد النجوم، واكتشفتُ أن بعضها يبدل مكان وقوفه في باحة السماء في كل مرة أتطلع صوبها، بعضها يبصُّ وبعضها كابٌّ من بعيد وينازع في آخر رمق، أعد ما يقابلها على الأرض من نجاسات وحقارات وبذاءات ولصوص وبيوت مهدمة ومساجد قررت ألا آسف عليها، شهداء أعدّ، مشلولين وجرحى وفارين خارج الحدود وداخلها، في رمضان الخير نعدّ البراميل النازلة علينا من السماء الزرقاء مع صوت أذان المغرب، عبقرية باسلة.
أعد المجانين الراقصين والمتزايدين في باحة النفس ولا أجرؤ على طردهم. سأتفرّغ ليوم آخر أهج معهم وأنا أعد ألوان العمائم والبهائم وأنفاس الشياطين الحارقة من فوق لتحت.