تحرير زيتون
لا يخفى على أحد قدسيّة مهنة الطب ونبلها وارتباطها منذ القدم بالجانب الإنساني والالتزام الأخلاقي في المعالجة والتعامل بين الطبيب والمريض، فكم من طبيب نذر نفسه للمهنة وأخلاقياتها، وكم من طبيب أعمى الجشع بصيرته وقتل ضميره.
في ظل ما يشهده الوضع في ريف إدلب من قصف عشوائي ووحشي على مناطق المدنيين وزيادة أعداد الجرحى بشكل، وانتشار لعدد من الأمراض والأوبئة، ونتيجة للظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها أبناء المناطق المحررة أضحت أجور الأطباء مرتفعة بالنسبة لذوي الدخل المحدود.
أبو نادر، نازح من ريف حماة ويسكن هو وعائلته في إحدى المخيمات بريف إدلب يقول: لم أكن أتوقع أن جراحة قطبتين لابني الصغير في إحدى العيادات الخاصة ستكلف3000 ليرة سورية. وعند سؤالي للطبيب عن سبب ارتفاع الكشفية بهذا الشكل، يجيبني «الدولار» مرتفع والشاش والمطهر والخيوط كلها بالدولار، ولم يكن يعلم أنه بذلك حرم عائلتي من الطعام لمدة يومين، لأنني أعمل بإحدى ورشات الباطون ويوميتي 1500 ليرة.
ويستطرد: سأعمل يومين لأجمع ما أخذه الطبيب خلال 10 دقائق.. الفقير لا معنى لحياته، فهل سيكفي ما أكسب لجلب الخبز، أم الطبابة والأدوية التي بدورها ارتفعت أسعارها جراء الدولار، أم لتأمين لوقود التدفئة.
لؤي، شاب من ريف إدلب يقول: أدخلت زوجتي الحامل إلى مستشفى خاص، وتطلّب توليدها إجراء عملية قيصرية، ووُضع المولود في الحاضنة 4 أيام، وكأنت المفاجأة عند دفع الحساب 45 ألف ليرة تكلفة العملية، و1500عن كل يوم في الحاضنة.
وأضاف: نقلت والدتي المصابة بأمراض القلب بحالة إسعاف إلى طبيب مختص، ولسوء الحظ كان يوم جمعة، والطبيب في عطلة ولا يوجد غيره في المنطقة وبعد انتظار لفترة طويلة أمام عيادته، جاء الطبيب وعند الانتهاء من المعاينة التي لم تستغرق 7 دقائق طلب أجرته 2000 ليرة.
وفي الوقت ذاته هناك الكثير من الأطباء نذروا أنفسهم وعلمهم وكل طاقاتهم لخدمة الأهالي، ورفضوا الهجرة، ومارسوا مهنتهم بإنسانية وأخلاقية عالية، غير مبالين بالمال أو القصف أو الاعتقال، وأنشأووا مشافٍ ميدانية مجانية.
الشاب محمد، من ريف معرة النعمان قال: منذ ما يقارب الشهر أخذت زوجتي في حالة ولادة إلى إحدى المشافي المجانية في المنطقة ومنذ لحظة وصولنا تعرضنا لأبشع معاملة في حياتنا، الجميع ينظر إلينا بطريقة غير لائقة، وفي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل كان الوضع صعباً ولم يكن أمامي سوى خيارين، فإما أن أختار البقاء في المشفى رغم المعاملة السيئة، وغياب الطبيبة، أو الذهاب إلى مشفى خاصة التي لا املك قدرة على دفع أجورها، في النهاية اخترت المحافظة على كرامتي وترك المشفى والذهاب إلى إحدى المشافي الخاصة في نفس المدينة، وتم استقبالنا بكل لطف واهتمام من قبل الطبيبة النسائية المناوبة والكادر التمريضي، وعندما أردت أن أدفع تكاليف الولادة سألتني الطبيبة نفسها عن عملي، أجبتها بأنني منشق، قامت بأخذ تكاليف العملية 12 ألف ليرة فقط بالرغم من أن تكاليف الولادة تزيد عن 25 ألفاً.
أم خالد، زوجة شهيد وأم لشهيد، تحتضن في منزلها أولاد ابنها الشهيد الثلاثة، قالت لـ «زيتون»: إن أغلب أطباء المنطقة يعرفون الله ويتعاملون معي بكل لطف وانسانية، فهم يعرفون وضعي وحالتي، وفي كل مرة أمرض أنا أو أحد الأولاد يرفضون أخذ الكشفية لا بل الكثير منهم يقدمون لنا الأدوية مجاناً.
وتبلغ أجور الأطباء حالياً ما بين 1000- 2000 ليرة سورية، بينما بلغت أجور العمليات في المشافي الخاصة ما بين (20- 25) ألف ليرة سورية للولادة الطبيعية، و(35- 45) للولادة القيصرية، وعملية الزائدة (30) ألفاً، وعملية استئصال اللوزات (20) ألفاً، وعملية استئصال المرارة (25) ألفاً.
الصيدليات بديل أحياناً
يتجه بعض المواطنين نحو الصيدليات لتأمين العلاج، تجنباً لدفع أجور الأطباء وذلك بحسب ما ذكره أبو أحمد وهو صيدلي من ريف إدلب:
أنه من الملاحظ توجه الكثير من المواطنين إلى الصيادلة لكشف أمراضهم بدلاً من الذهاب إلى الأطباء فهم يختصرون الطريق مادياً ويتجهون إلى الصيدلي ليقوم بفحصهم ووصف الدواء لهم، ولكننا كصيادلة لا نستطيع أن نشخص كل الأمراض، ويقتصر دورنا على الأمراض البسيطة مثل التهاب اللوزات، ألم الأسنان، الرشح والانفلونزا، وبعض الجروح والحروق الخفيفة.
أبو محمد، شرطي منشق من ريف إدلب قال: إن مراجعة الطبيب لكل شاردة وواردة تحملني أعباء مادية لا طاقة لي بها، ولذلك ألجأ إلى استشارة الصيدلي الذي غالباً ما يعطيني الدواء المناسب، وبهذا أوفر على نفسي أجرة معاينة الطبيب المرتفعة، وفترة الانتظار التي قد تمتد في بعض الأحيان لعدة ساعات، وخاصة في أوضاع خطرة للوقت ثمن غالي فيها لاسيما تحت كثافة الطيران واستهدافه للتجمعات، ولذلك أفضل مراجعة الصيادلة.
وتعتبر الكوادر الطبية من أكثر الفئات المستهدفة من قبل قوات الأسد منذ بداية الثورة، حيث تعرضوا للاعتقال والتصفيات وكانت عياداتهم ومشافيهم هدفا لطائرات النظام.
ووثّقت اللجنة الإعلامية في اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية أسماء 151 طبيباً من شتى المحافظات السورية، والاختصاصات، قتلتهم قوات النظام، أو تسببت في موتهم، فضلاً عن آلاف المعتقين والمهجرين منهم.
لإدلب تحديداً تاريخ حافل مع جرائم نظام الأسد بحق أطبائها وممرضيها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استهدفت طائرات الأسد الحربية مشفى أطباء بلا حدود بريف إدلب أسفر عن استشهاد 25 شخصاً بينهم 9 من الكادر الطبي من أطباء وممرضين ومخبريين، وفي استهداف آخر لمشفى أورينت في كفرنبل، استشهد الدكتور محمود الإبراهيم وعدد من الممرضين، ومع ذلك لم يثنهم القصف يوماً عن الاستنفار في عياداتهم، بل على العكس كانت تدفعهم انسانيتهم وأخلاقهم المهنية إلى الخدمة فيها أوقات القصف.
ونعت قبل أيام مديرية صحة إدلب الحرة الطبيب يوسف الطراف الذي استشهد أثناء تقديمه الإسعافات الأولية لضحايا مجزرة حاس التي راح ضحيتها 35 مدنياً بينهم أطفال، بعد أن سارع من بيته الى مكان القصف ليسعف المصابين من أبناء بلدته.
دور المنظمات الانسانية والهيئات الصحية
تقف المنظمات الطبية والمؤسسات الأهلية الطبية في ريف إدلب المحرر جنباً إلى جنب مع مديرية الصحة ويتقاسم الطرفان مسؤولية معالجة المرضى وتأمين الأدوية ورعايتهم طبياً.
وتقول إحصائية رسمية حصلت عليها «زيتون» من مديرية صحة إدلب الحرّة، إن عدد المستفيدين من الخدمات الصحية في مشافي ومراكز المحافظةً المجانية حوالي 174000 شخصاً، وهي 3 مشافٍ مركزية، و37 مشفى فرعي، و5 بنوك للدّم، فيما تبلغ عدد العمليات الجراحية شهرياً حوالي 7800 عملية، و5000 عملية باردة.
منها في مدينة إدلب والتي تضمّ 5 مراكز صحية، كل مركز يخدّم ما يقارب 2000شخص، وفي سراقب مركزان صحيّان يستفيد منهما حوالي 4000 شخص، إضافة لمراكز رعاية صحية أولية للأطفال والأم الحامل، كما يقدّم مشفى سراقب الخيري حوالي 100 عملية جراحية شهرياً، في حين يستفيد من بنك الدم في سراقب حوالي 600 شخص في كل شهر، وما يقارب 400 مستفيد من بنك الدّم في إدلب، ونفس العدد في معرة النعمان، إضافة لمستوصف يخدّم حوالي 150 شخصاً شهرياً، ويقدّم مركز الرعاية الصحية في أبو الظهور خدماتٍ لحوالي 5000 شخص شهريأً.
مؤسسة «سوريا للإغاثة والتنمية» إحدى المؤسسات التي لعبت دوراً في هذا المجال عبر مشفيين وعدد من العيادات المتنقلة ومنظومة اسعاف كاملة.
مشفيان «شأم والسيدة مريم» التابعتين لمنظمة سوريا للإغاثة والتنمية تقدمان إضافة إلى عدد من المراكز الصحية والعيادات المتنقلة، الخدمات الصحية لأبناء إدلب ويبلغ عدد المستفيدين شهرياً 15 -20 ألف مراجع بشكل مجاني.
عبيدة دندوش مسؤول التنسيق الطبي في المنظمة يقول لزيتون: إن مشفى السيدة مريم المتواجد بريف إدلب، والخاص بالنسائية والأطفال يجري شهرياً ما يقارب ال 80 عملية ولادة طبيعية وقيصرية، ويجري مشفى شام الجراحي المجهز بشكل جيد ما يقارب ال 300 عملية جراحية مختلفة شهرياً، عدا عن الحالات الإسعافية حسب الظروف الأمنية والعسكرية في المنطقة، كما أن المشفى مجهز بمخبر كامل وبشكل مجاني، وبصيدلية تقدم الدواء مجاناً، ونمتلك منظومة إسعاف متكاملة وتحتوي على كافة المستلزمات الطبية والإسعافية.
عدد من صوتوا 277 شخصاً، توزعوا على الشكل التالي:
وكان عدد الذين فضلوا الخدمات المجانية 165شخصا منهم: 65 شخصاً فضلوها بسبب توفرها، و66 بسبب جودتها، و19 لأسباب أمنية، و54 لأسباب مادية، و19 لأسباب أخرى.
في حين فضل 139 شخصا الخدمات المدفوعة بينهم: 37 شخصاً لتوفرها، و6 لجودتها، و19 لأسباب أمنية، و6 لأسباب مادية، و11 لأسباب أخرى.
وجاءت نتائج تقييم الخدمات الصحية المجانية 28 جيدة جداً، و81 مقبولة، و52 جيدة، و106 سيئة.