زيتون – وسيم درويش
الهجرة، أو النزوح، هو من أكثر الصفات التي تلتصق بالسوري حين تتناوله وسائل الإعلام سواءً المحلية منها أو العربية والأجنبية، وهو نتيجة طبيعية لصراع دموي مستمراً منذ سنوات، والذي تسبب بنزوح وهجرة الملايين إلى دول الشتات.
إلّا أن السوريين في الداخل المحرر والذين يواجهون الموت بشتى أنواعه، منهم من يسكن الخيام، ومنهم من يعيش ظروفاً لا تصل للحد الأدنى من العيش، وبرغم ذلك يتشبثون بأرضهم، رافضين الرحيل.
لماذا أنتَ هنا، أو لماذا تصرّ على البقاء رغم هذا العنف؟ سؤال طرحناه على عدد من الأهالي في ريف إدلب، فتنوعت الأسباب، لكنها التقت كلها أخيراً بشاعرية محمود درويش حين قال: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».
من سيحمي عجائزنا إن سافرت أنا وسافر غيري؟
بعض الشباب لم يأبه لكل مغريات العيش المتوفرة في بلدان المهجر وكان كلّ همهم تحرير بلدهم من نظام الأسد والميليشيات التي تسانده، وهي بالنسبة لهم قضية لا يمكن التفريط بها.
شادي حناك، أحد مقاتلي الجيش الحر يقول: لقد تركت عملي والتحقت برفاقي في الجيش الحر لندفع الظلم عن أهلنا ولندافع عن أعراضنا، كيف أسافر؟ وأترك دماء رفاقي من الشهداء تذهب سدى، إني أعتبر مجرد التفكير بذلك خيانة لدمائهم الطاهرة، بدأنا سوية، هم استشهدوا وأنا سأموت بعدهم، حتى تحرير كل شبر من أرضنا ووطننا الحبيب، لستُ أفضل منهم بشيء لأهاجر وأترك رفاقي، من سيحمي عجائزنا إن سافرت أنا وسافر غيري؟ نحن على الجبهات وسنبقى، هذه بلدنا وليست بلدهم؟.. في إشارة منه إلى ميليشيات حزب الله وإيران.
ويقول حسام القرجي من ريف معرة النعمان: لا أملك مالاً للهجرة، فقد سمعت أن من يهاجر يدفع مبالغا هائلة تصل لـ 2500 دولار أمريكي، وأنا حتى لو كنت أملك هذا المبلغ لكنت فضلت أن أستثمره في وطني بين أهلي وأحبتي على أن أجعل مهرباً تركيا يحصل عليه لقاء خدمة يقدمها لي وهي ترحيلي عن الوطن. ويتابع ضاحكاً: إلى أين سأذهب؟ وعلى ماذا سأحصل إن وصلت إلى هناك؟ لا أظنه قراراً صائباً.
من تهون عليه أرضه يهون عليه كلّ شيء
«لن أترك وطني، فأنا ولدت على هذه الأرض وسأموت فيها، لي أحبة في القبور، لن أتركهم وأرحل، سأذهب إلى قبورهم في كل عيد وفي كل جمعة، لن يثنيني طيران الأسد عن قراءة الفاتحة لهم»، هذا ما قالته رهف من أهالي كفرنبل وهي تومئ بعيونها إلى زوايا بيتها.
أحمد الدامور، أحد العائدين من رحلة نزوح طويلة أمضاها في تركيا قال:
تلك البلاد ليست بلادنا، لقد عانيتُ خلال فترة نزوحي في تركيا رغم توفر العديد من مقومات العيش الكريم، إلا أنه وفي النهاية يبقى اسمك لاجئاً، ويبقى الاحساس بالغربة والبعد عن وطنك الأم ملازماً لك، أناس لا نفهم لغتهم، طبيعة ليست طبيعتنا، وأنا فضلت العيش تحت البراميل كي أبقى في وطني، إحساس لا يعرفه إلا من جرب الغربة.
وكان لأبو محمود 55 عاماً رأياً مخالفاً، وهو أب لثلاثة أولاد ذكور وثلاثة إناث، ولكنه لم يسمح لأي منهم ولو بمجرد التفكير بالهجرة، فمن منظوره أن هذه الأرض إرث من الأجداد يجب الحفاظ عليها، معتبراً أن من تهون عليه أرضه يهون عليه كلّ شيء.
باقون.. مبادرة شبابية لرفض الهجرة:
وأسس مجموعة من الشباب في ريف إدلب فريقاً يحمل اسم (باقون)، لحثّ الشباب على البقاء في بلادهم ونبذ فكرة الهجرة إلى أوروبا، وذلك من خلال دورات توعية ونشاطات، وتأمين حلول للابتعاد عن الهجرة وتعزيز روح البقاء، بالإضافة إلى بعض النشاطات الخاصة بالأطفال والتي تهدف الى تكريس ثقافة التمسك بالأرض.
وقال محمد فارس المتحدث باسم الفريق لـ «زيتون» عن أسباب تأسيس «باقون»: الفكرة بدأت مع الهجرة الكثيفة التي شهدتها سوريا باتجاه أوروبا، فكان الهدف هو إيجاد حلول كفيلة ونشر أفكار تشجع من يفكرون بالهجرة على البقاء في سوريا.
وكان من نشاطات الحملة عدة خطوات بدأوها بتوزيع منشورات للتعريف بالفريق، وإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح فارس : أولى أعمال الفريق كانت ندوات وحملات صغيرة، ومنها إجراء دورات لتمكين الشباب مهنياً كدورة التمريض في قرية حنتوتين بجبل الزاوية، ثم انتقلنا إلى مشاريع صغيرة تخص الطفل، وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، فكان أحدها في بلدة بسقلا بعنوان: أعطونا الطفولة، كما كان هناك مهرجان للأطفال.
ويتحدث فارس عن الحملة الكبيرة التي انطلقت لاحقاً، والتي لاقت قبولاً كبيراً لدى الشباب، وكانت بعنوان «منقدر نضل هون». وشملت الحملة محافظة إدلب وريف حماة، مشيراً إلى أنها استمرت ما يقارب الشهرين، وتضمنت فعاليات وحملات دعوية فكرية لاستنهاض حب الوطن، بالإضافة إلى ندوات «ناقشنا من خلالها أسباب الهجرة.