سيد محمد درويش
الانتصار التاريخي لا يكون بكسب معركة هنا ومعركة هناك ولا يكون بتحقيق نصر في حرب كاملة.. الانتصار التاريخي هو تحقيق أهداف سامية، هي تلك الأهداف التي قامت من أجلها هذه الحروب ولو تخللها خسارة معارك.. وفي حالتنا هذه التي نمر فيها ليست المعارك هي السبيل الوحيد لتحقيق أهداف الثورة، فالثورة قامت بأيادي الشعب السوري من أجل التخلص من العبودية ونيل الحرية والارتقاء بالمستوى المعيشي للأفراد ولفتح كافة المجالات أمام التطور والتحضر وإعمار الكون وبناء حضارةٍ سورية تضاهي بنتاجات أبنائها وعلومهم والتزامهم وأخلاقهم وتعاملاتهم حضارات سبقتها وعاصرتها.
وليس ذلك على الشعب السوري بصعيب، ولقد استطاع النظام الحاكم في سوريا اختراق هذه الثورة وتحويل أهدافها وتشويه صورتها أمام العالم وأمام أبنائها فقسم الشعب طائفياً ومناطقياً ودينياً وصبغها بصبغة الإرهاب الذي يهدد العالم، واستطاع أن يجمع قادة دول العالم حوله في سبيل مساندته ضد هذا الخطر، كما استطاع أن يقنع الشعب السوري بكافة طوائفه؛ بمن فيهم السنّة؛ أن انتصار الثورة يعني إبادة كل الطوائف الأخرى عن بكرة أبيهم إلا السنّة، وأول من صدق هذه النظرية هم المسلمون السنّة أنفسهم، وبدأوا بترويجها.
وبتجرد مطلق فإن هذه النظرية غير مقبولة لا إسلامياً ولا مسيحياً ولا حتى محلياً أو عالمياً لذلك فإننا نرى تعاطف شعوب العالم المدنية مع الشعب السوري نتيجة لما يتعرض له من مذابح وبنفس الوقت نرى صمت وتأييد قادة هذه الشعوب للنظام خوفاً من المجازر الطائفية والمد الاسلامي (الإرهابي كما يصوره النظام) في حال انتصرت الثورة.
لذلك فإن لاستراتيجية الثورة الدور الأبرز في تحقيق انتصارها التاريخي، والاستراتيجية تكون بوضع خطط سياسية لا تقل أهميةً عن الخطط الحربية، ووضع مشروع مدني تصور فيه ما ستؤول إليه الأوضاع بعد انتصار الثورة، على أن يكفل هذا التصور أمان الطوائف الأخرى ويكفل به حكم البلد بتعددية سياسية مقبولة ويحدد فيه طبيعة علاقة الدولة مع باقي دول العالم ومواقفها من قضاياه.
ولا يقل عن ذلك أهمية بناء جيش ثوري قوي والعمل على توحيد كل الفصائل الثورية المقاتلة بقيادة واحدة و أهداف واحدة ومواصلة دعمه سياسياً وشعبياً.
إن كلّ ما ذُكر أعلاه لا يخرج عن مبادئ الإسلام الحنيف بل إنه يدخل أيضاً في الجهاد وفي قوله تعالى ((واعدو لهم ما استطعتم من قوة)) فالقوة ليست دائماً وأبداً هي البطش بل القوي هو الذي يحقق أهدافه أخيراً.