زيتون – عمار الشاعر
ليس غريباً أن ترى من يطبّل للنظام من داخل سوريا ويدّعي أن ما جرى خلال السنوات السابقة ليست ثورة، بل مجرد مؤامرة كونية أو فضائية على محور الممانعة، لكن الغريب فعلاً أن ترى بعض السوريين في الخارج كتركيا مثلاً يرددون عبارة «كنّا عايشين»، فهل حقّاً كنا عايشين؟
لا تزعجوا سيادته
معاذ 40 عاماً يعيش في غازي عنتاب، ويعمل في أحد مطاعم المدينة، يقول: اي افتراء من هؤلاء الذين يدّعون أن السوري كان يعيش حياة طبيعية في كنف نظام الأسد؟ففي عام 2003 كنت أعمل في أحد مطاعم حمص، ولسوء حظنا وحظ صاحب المطعم سكن فوق مطعمنا ضابط تم تعينه حديثاً في فرع المخابرات الجوية، وهنا بدأت مأساتنا، ففي اليوم التالي لسكن هذا الضابط أرسل إلينا أنه يريدنا أن نغلق المطعم قبل الساعة الحادية عشر ليلاً، إلا أن صاحب المطعم أخذ يتوسل إليه لأن ذروة العمل تكون من الساعة الحادية عشر وحتى الثانية بعد منتصف الليل.
وبعد معاناة شاقة وافق الضابط على ساعة إضافية أي حتى الساعة الثانية عشر ليلاً شريطة عدم إصدار أي صوت أثناء تنظيف المطعم ليلاً، وتم الأمر.
ويتابع معاذ: في اليوم التالي وعند الساعة الثانية عشر تماماً أغلقنا الصندوق وتوقفنا عن البيع، وطلبنا من عمال المطبخ أن يبدؤوا بالتنظيف، وكان معظمهم من الأطفال وكانت أعمارهم تتراوح بين الثانية عشر والسادسة عشر، وعندما باشروا بغسل الصحون، والصواني المعدنية، سقطت إحدى هذه الصواني من يد أحدهم، وأصدرت صوتاً لحظة ارتطامها بالأرض.
لم نكن نتوقع أن هذه اللحظة ستكون الأسوأ في حياتنا يقول معاذ ويضيف:ما هي إلا دقائق معدودة حتى جاءت عدة سيارات تابعة لفرع المخابرات الجوية، وترجل منها عناصر لا يعرفون الرحمة، وعلى الفور قاموا بتكسير المطعم، واعتقلونا جميعاً وساقونا إلى فرع المخابرات الجوية، وتم تعذيبنا هناك بكافة أنواع التعذيب من الدولاب إلى بساط الريح والشبح والضرب بالأسلاك الكهربائية، وبدون توقف حتى ظهيرة اليوم التالي، حيث تركونا وشأننا.
و اكتشفتُ فيما بعد – يقول معاذ –أن صاحب المطعم ذهب إلى هذا الضابط و اعتذر منه لأن أحد عمال المطعم أسقط «صينية» على الأرض دون قصد وأزعج «سيادتو» و أكثر من ذلك دفع صاحب المطعم مبلغاً كبيراً من المال لكي لا يغلق له هذا الضابط مطعمه
ويختم معاذ: نعم «كنا عايشين» وهذه هي العيشة التي كنا نعيشها في سوريا، ولقد ظللت بعد هذه الحادثة شهراً كاملاً أتلقى العلاج في المستشفيات، فتباً لهم ولهذه العيشة التي صرعوا رأسنا بها، وأقول لكل سوري هنا في تركيا ممن يدعون أنه كان يعيش في كنف الأسد: لماذا لا تعود إلى مناطق النظام في سوريا لتعيش أيها الذليل؟ وما الذي تفعله هنا في تركيا ما دمت «كنت عايش».
الضابط غير المدعوم
فقط في سوريا الأسد يكون العنصر العادي المدعوم هو الآمر الناهي، وفي سوريا الأسد أيضاً يكون السجين المدعوم أعلى سلطة من مدير السجن.
محمد 50 عاماً كان سجيناً في سجن حمص المركزي في عام 1998 أي عندما كان الأسد الأب جاثماً على صدور السوريين.
يقول محمد: جلبوا لنا سجيناً من سجن اللاذقية بعد أن عاث فساداً هناك، وكان ملف هذا السجين مليئاً بالجرائم القذرة والوسخة من القتل والسرقة والاغتصاب واللواطة وغيرها من الجرائم، وكان لهذا السجين وضعاً خاصاً، وهو من قرية القرداحة.
ويتابع محمد: كان لهذا السجين الملقب بعاشق الأسد امتيازات كبيرة داخل السجن، وكان يضع صورة الأسد الأب فوق سريره، ويدّعي أنه لا يستطيع العيش دون أن يتبارك يومياً بهذه الصورة، وبعد فترة جاء إلى السجن ضابط جديد من أبناء مدينة حماه ودخل هذا الضابط ذات يومٍ إلى المهجع، فرأى الصورة فوق سرير هذا السجين، فطلب من عناصر السجن إخراج الصورة من المهجع لأن المكان لا يليق بها، فحصلت مشادة كلامية بينه وبين هذا السجين، ولكن الضابط قال له: لا يليق بهذه الصورة أن تكون أمام أمثالك من المجرمين.
ويضيف محمد: جُنّ جنون عاشق الأسد بعد إخراج الصورة من المهجع، وقامت الدنيا ولم تقعد، ووصل الأمر إلى مستويات عليا في نظام الأسد، وكانت النتيجة إرجاع الصورة إلى المهجع بعد أيام قليلة.
ويتابع محمد: لم نرَ بعدها الضابط الذي كان قد أمر بإخراج الصورة، وقال بعض السجناء إنه تمت معاقبة هذا الضابط وتم تسريحه من الخدمة، فيما قال بعضهم إنه تم تحويله إلى سجن تدمر العسكري.
ويختم محمد: هكذا كنا نعيش في سوريا الأسد، التي كان فيها الحق باطلاً والباطل حقاً.
كثيرة هي القصص التي لا يكاد العقل البشري يقوى على تصديقها، كانت تحصل بالفعل في بلد مختطفة من قبل عائلة الأسد.
بلدٌ أصبحت أثراً بعد عين بفضل نظام يدّعي المقاومة والممانعة بحسب مراقبين.