زيتون – عمار الشاعر
تظل المحسوبيات متغلغلة في نفوس السوريين رغم ثورتهم على نظام الأسد الذي زرع الفساد على مدى أربعة قرون ونصف، ويبدو أن السوريين لن يتخلصوا من هذا الإرث بسهولة.
صحيح أن الوظيفة في “سورية الأسد” كانت تعتمد على أن تكون بعثياً ومدعوماً بالمال أو السلطة، إلا أن هذا كله لا يُسقط الشهادة الجامعية الاختصاصية عن المدرس مثلاً، ولكن الفساد والمحسوبيات لدى بعض السوريين المقيمين في تركيا قد يضاهي فساد نظام الأسد، إذ أسقط هذا الفساد الشرط الأخير، ألا وهو الشهادة الجامعية أمام من يريد أن يتوظف من السوريين المدعومين هنا في تركيا.
في الامتحان يُكرم المرء أو يُهان
مصطفى 45 عاماً يحمل درجة الماجستير في الآداب قسم اللغة العربية، ويعمل مدرساً في إحدى ثانويات “غازي عنتاب” التركية
يقول مصطفى: اتصل بي أحد المنسقين في إحدى المدارس السورية المؤقتة هنا في “عنتاب” وطلب مني أن أقوم بامتحان عدد من المدرسين العاملين في مدرسته، بعد أن طلب منه المدير التركي ذلك، والسبب هو أن المدرسة تريد الاستغناء عن أحد هؤلاء المدرسين، بعد القرار الصادر عن مديرية التربية التركية، والقاضي بإعطاء المنهاج التركي، وبكادر من المدرسين الأتراك لصفوف الأول والخامس والسادس
ويضيف مصطفى: جاء المنسق إلى مدرستي وأخذني بسيارة المدير التركي الذي جاء معه، وطلب مني أن أضع أسئلة تخص مادة اللغة العربية، فقمت بذلك على عجل وكتبت الأسئلة في السيارة أثناء توجهنا إلى المدرسة حيث كان المدرسون بانتظارنا، وبعدما وصلنا، تركني المدير في غرفته، وأرسل في طلب المدرسين، وكان في الغرفة رجل متأنق جداً، وتكاد أنفه أن تضرب بالسقف، فاستغربت لأمره وسألته من أنت؟ هل لي أن أتشرف بمعرفتك؟؟
أجاب بعجرفة تامة أنا نائب المدير هنا، وعندما سألته عن شهادته الجامعية قال لي إنه يحمل إجازة في إدارة الأعمال، وإجازة في الآداب قسم اللغة العربية أيضاً، وفي هذه اللحظة دخل علينا المدرسون، الذين حضروا مستغربين للأمر، متسائلين لماذا أرسل المدير في طلبهم، وعلى الفور أشار المدير التركي إلى المنسق أن يقول لهم ما السبب، وعندها قال لهم المنسق: “إن هناك امتحان لكم لكي نتخلى عن الأضعف منكم، فهناك فائضٌ من المدرسين في كادر المدرسة لهذا العام”.
ويتابع مصطفى: ما إن انتهى المنسق من كلامه حتى ثارت ثائرة مدرستين من المدرسين والمدرسات، فيما كان نائب المدير يبتسم بغرور، ولكن سرعان ما تغيرت معالم وجه نائب المدير هذا حينما قال المنسق ” حتى نائب المدير سيخضع لهذا الامتحان”، وبدأتُ على الفور بتوزيع أوراق الأسئلة عليهم بعد أن أشارعليّ المنسق بذلك – يقول مصطفى – ويضيف:
كانت أسئلتي مقسمة بين السهلة والمتوسطة، وحينما انتهى الوقت بدأتُ بتصليح أوراق الإجابات، وما لفتني أن نائب المدير غادر المدرسة مسرعاً بعد أن سلمني ورقة إجابته.
صدّق أو لا تصدّق
يقول مصطفى: لم ينجح في الامتحان سوى معلمة واحدة، فيما حصل مدرسان على علامة أقل من النصف، وحصلت معلمة أخرى على علامة لا تتعدى الربع، فتيقنت أن مستواها لا يتعدى الشهادة الإعدادية، ولكن ما فاجأني هو إجابات نائب المدير،والتي كانت صادمة بالنسبة لي، فلقد قام بإعراب الفاعل على أنه مضاف إليه منصوب بالضمة، وبدل أن يذكر نوع المشتق في كلمة “معمل” أجاب كالتالي: ” معمل عمل يعمل “.
ويضيف مصطفى: وفي سؤال يطلب ذكر فعل الأمر من الفعل “كتب” كان جواب نائب المدير ” أوكتوب “، أما باقي الأسئلة فكان مكان إجابتها فارغاً، فأيقنت عندها أن نائب المدير ” المزعوم ” شبه أمي، وخصوصاً أنه كتب كلمة “اكتب” بهذا الشكل ” أوكتوب”.
ويختم مصطفى: حتى الآنسة التي أشكّ في أنها تحمل شهادة إعدادية بعد عجزها عن تحصيل ربع العلامة التامة، بقيت على رأس عملها بعد أن أشفق عليها المنسق، ولم يقم بطردها، كونها أرملة وتعيل خمسة أطفال، ولكن ما ذنب أطفالنا بعد تدمير بيوتهم في سوريا لكي يتم تدمير عقولهم، ومستقبلهم بأمثال هؤلاء من المدرسين؟ وكيف لشبه أُميّ أن يُشغل منصب نائب المدير في مدارس السوريين في تركيا؟؟ وكيف استطاع هذا الرجل أن يخدع من حوله خلال هاتين السنتين؟؟
ليست حالة نائب المدير هذا، الوحيدة هنا في المدارس السورية المؤقتة على الأراضي التركية، فمنذ شهرين فقط تم اكتشاف أكثر من 70 مدرساً من حملة الشهادات المزورة ممن كانوا يعملون في هذه المدارس منذ سنوات، و ما تزال الحكومة التركية لا تملك آلية دقيقة وناجعة لاكتشاف هؤلاء الذين يدمرون جيلاً بأكمله بسبب جشعهم، بل ويتسببون في مأساة مدرسين أكفاء لم يتمكنوا من التدريس في هذه المدارس بسبب المحسوبيات والواسطات التي جعلت أشباه الأميين يأخذون أماكن المدرسين الحقيقين من حملة الشهادات، ما يفسر لجوء حملة الشهادات والكفالات إلى العمل في المعامل والمصانع ونقل الأثاث ومواد البناء.