زيتون – محمد ابو الجود
كان رامي المحمد من سراقب (26 عاماً) يحلمُ كغيره من مئات الشباب، بعرس صاخب بالفرح، وزفّة تليق بهذا اليوم الذي يكون فيه الشاب عريساً، داخلاً على حياة جديدة، إلا أن ظروف الحياة تغيّرت كثيراً في سوريا، مع استمرار الحرب الدائرة منذ سنوات، فاختار عرساً صامتاً، بطريقة صارت هي المتعارف عليها في أغلب المناطق.
يقول رامي إن عرسه كان بسيطاً جداً عكس ما كان يحلم، فاقتصر على مجموعة من الأصدقاء، ولمّة بعض النساء، وتوزيع الحلويات، دون أي ضجة، صار العرس. «في كل بيت شهيد أو معتقل، والوضع لا يسمح بفرحة» يقول رامي، الذي رضخ كغيره من الشباب للأمر الواقع.
ويتابع: يعتبر الجانب الاقتصادي أيضاً أحد المعوقات التي تواجه أي شاب مقبل على الزواج، فأنا مثلاً ليست لديّ الامكانيات التي أستطيع من خلالها فتح بيت خاص بي، فقمتُ باستخدام بيت أحد الأصدقاء ممن يسكن خارج سوريا، وفرشته من «قريبو» بعد مساعدة بعض الأقارب والأصحاب.
تكاليف باهظة لإظهار الكرم:
بالعودة إلى طريقة العرس في محافظة إدلب، ما قبل الثورة، والتي كانت تتميز بحلقات الدبكة التي يعقدها الشباب والرجال، وأهازيج النساء، وغالباً ما كانت تُقام في شوارع البلدات، ويشارك فيها أهل البلدة بشكل عام.
إلا أنّ ظروف الحرب أثّرت على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسوريين عامة وبخاصة في المناطق المحررة، وبالتالي أثّرت على تكاليف الزواج أيضاً، أحمد الخطيب، شاب من مدينة كفرنبل، والذي تزوج قبل بدء الثورة يقول لـ «زيتون»: عندما أردتُ على الزواج واخترت شريكة عمري وهي فتاة من بلدتي بعدما أرسلت أهلي لطلب يدها وتم وضع العديد من الشروط أمامي من قبل أهلها العروس، وأولها شراء 60 غرام من الذهب وأن أمتلك منزلاً خاصاً بي لأعيش فيه انا وزوجتي، ودفع مبلغ المقدم 50 الف ليرة سورية ومؤخر 200 الف ليرة، طبعاً هو رقم قليل جداً لأن العادة في كفرنبل، أن يجهّز العريس كل تكاليف العرس، وكون حالتي المادية ميسورة استطعت تامين متطلباتهم، وتمت الخطوبة.
ويتابع: في يوم زفافي أقمت حفلاً صاخباً حضره أصدقائي وأقربائي ووفرنا كل أدوات الفرح، وعُقدت حلقات الدبكة،وحرصت على أن تكون هذه الليلة مدعاة للفخر وفي اليوم الثاني (الصباحية) ويتم في هذا اليوم المباركات وتقديم الهدايا من قبل المعازيم، اقمنا غداء العرس وبذلك اكون أتممت عرسي وقد كلفني مايقارب المليون ليرة سورية آنذاك، وهذا ما كان يعتبره الناس الفرصة الأنجح لإبراز كرمهم وجودهم.
زفّة بمنتهى الصمت:
مع انطلاقة الثورة واستشهاد أعداد كبيرة من الشباب وازدياد نسبة الإناث الأرامل وخوف الآباء على أولادهم من ظروف الحرب أضحى الزواج أكثر مرونة وسلاسة حيث عمد أهالي الإناث ولتلافي الضائقة الاقتصادية التي يعيشها أبناء المناطق المحررة العدم الاشتراط في المهر والمسكن.
يقول الحاج أبو موسى من إحسم: لدي ولد وحيد عمره 17 عاماً قمت بتزويجه قبل 3أشهر وذلك لخوفي عليه من طيش الشباب، ولم يكلفني الزواج سوى 150 الف ليرة، وابني يعيش حالياً معنا في المنزل هو وزوجته، وقد أقمت له عرساً لأنه لايخلو منزل من شهيد أو جريح أومعتقل لذلك كان من الضروري احترام مشاعر أهالي الجرحى والشهداء عن طريق الابتعاد عن الصخب والمجاهرة بالفرحة.
حسام الإسماعيل، من معرة النعمان،أحد الاشخاص الذين تزوجوا منذ 5 اشهر يقول لـ «زيتون»:إن يوم زفافي مر بشكل عادي، دون صخب أو فرحة، وتزوجت ولم يطلب مني أهل زوجتي أي متطلبات تذكر سوى المهر المتعارف عليه في المدينة، وحرصت على الابتعاد عن مظاهر الفرحة نظراً لحالة الحزن التي نعيشها في المناطق المحررة من قصف ولم أقم بدعوة أي شخص من أصدقائي أو اقربائي حفاظاً على مشاعر الناس التي يكتنفها الحزن على شباب قضوا شهداء على جبهات القتال.
ويقول أبو محمد، من كفرنبل،وهو والد لشهيد: إن الزواج في المناطق المحررة غدا كأي مناسبة أخرى، وأهم الأشياء الغائبة عنها الفرحة نظراً للظروف الراهنة، فكيف لنا أن نفرح أو ننصب حلقات الدبكة وكل يوم نفقد غالٍ،لذلك من الضروري أن تكون الأعراس هادئة احتراماً لمشاعر الاخرين وأكثر مايحزنني أن النازحين إلى بلدتي من مناطق مختلفة يقومون بنقل عاداتهم في الأعراس إلى البلدة ففي أكثر الأحيان نسمع إطلاق رصاص وزمامير تكون ناتجة عن أعراس لبعض النازحين إلى البلدة مما يولد حالة من التوتر بيننا وبينهم.
الإشهار ضروري لكن بضوابط:
ويقول المحامي ودكتورا الشريعة الإسلامية مصطفى الرحال: إن المقصود في الإشهار بالزواج حضور ذوي الزوجين وشاهدين وعدد قليل من المدعوّين، ليتم العلم بأنه تم عقد القران بين الزوجين وليس المقصود بالإشعار اطلاق الرصاص ودق الطبول والزمور فالأوضاع التي نعيشها مؤلمة، ومن المنافي للعادات والتقاليد أن نفرح بدموع غيرنا، وليس من المقبول أن تُقام حلقات الدبكة وجارك شهيد، الأمر بكل بساطة لم يفرضه أحد، إنما فرضته الحالة، وصحيح أن العرس حالياً يتمّ وكأنه مأتم لكن ما يجعل الناس لا تهتم بلك، هو أن البلاء عام.
وفي نفس الجانب يقول «نور الدين الإسماعيل، مدرّس لغة عربية: إشهار الزواج له عدة انعكاسات ايجابية فهو عامل مهم لضمان حق المرأة في حال حصول أية مشكلة بين الزوجين، ثانياً كل شيء يتم في السّرّ يدل على وجود خطأ يخشى فاعله من فضحه لذلك يأتي إشهار الزواج ليبيّن أنّ ما تمّهو بعقد رسمي وتحت السنة والشرع، والناحية الاجتماعية في الموضوع أن من يريد خطبة البنت يعلم أنها متزوجة، ولكن تغيّرت الظروف بتغيّر الواقع.