زيتون – وسيم درويش
منذ انطلاق الحراك الثوري في سوريا منتصف آذار 2011، ومن ثم احتدام الوضعين الأمني والعسكري، بدأ السوريون رحلة النزوح القسري من مناطقهم إلى مناطق أكثر أمناً واستقراراً داخل سوريا، وتوجه آخرون إلى خارج الأراضي التركية هرباً من ويلات الحرب.
رجال ونسوة وأعداد كبيرة من الأطفال، يشكّلون أنموذجاً عن النزوح الجماعي للسوريين، وهو نزوح يتواصل منذ أربع سنوات، دون أن يلوح أمامهم أمل بالعودة إلى مناطقهم، طالما أن المعارك لم تتوقف بعد، وسط مخاوف لديهم من ظروف أسوأ قد تواجههم، بالتزامن مع التقنين القاسي الذي تعتمده الهيئات والجمعيات الانسانية التي عجزت عن تلبية حاجات النازحين المنتشرين على امتداد الخارطة السورية، حيث يعيش هؤلاء في ظل معاناة تكبر يوماً بعد يوم.
محطّة لالتقاط الصورة:
على تخوم إحدى حقول الزيتون وبالقرب من منطقة قاحلة في ريف ادلب الجنوبي، تقع قرية أم الصير، التي تقيم فيها أكثر من 190 عائلة نزحت قبل عامين ومنهم منذ أربعة أعوام من مناطق ريف حماة الشمالي المتاخمة للقرى الموالية للنظام، هرباً من المعارك التي شهدتها قراهم، ويمضون يومهم بظروف هي أقل بكثير من الحد الأدنى للعيش الكريم، ويتوزعون على خيم لا تقيهم من حرّ الطقس والشمس الحارقة، ولن تحميهم من أمطار الشتاء القادم.
خيام على التراب ممزّقة وقديمة، لا يوجد ضمن المخيم أي من مقومات العيش، وليس هناك كهرباء ولا حتى مولدات ولا طرقات بين الخيام، عدا عن أن دورات المياه معدومة، والخيمة هي المطبخ وهي الحمام وغرفة النوم والمضافة.
يقول كرمو أبو مفيد، أحد النازحين من سكان المخيم: إن الأوضاع باتت مزرية أكثر من الفترة السابقة، هذا المخيم تحول إلى محطة لالتقاط الصور المؤلمة من قبل الجمعيات والمنظمات، أغدقوا علينا الوعود بتحسين الواقع الحياتي للنازحين، وأن مساعدات سريعة سيتم إرسالها لتحسين الأوضاع، ولكننا لم نحصل إلا على القليل، ولا مساعدات غذائية تصل إلى المخيم، إلا بالقطارة.
عبدو خالد العيسى، يسكن في المخيم منذ سنة ونصف يقول: هناك صعوبات بالغة بتأمين كل ما تحتاجه الحياة، تركنا أراضينا التي كنا نستثمرها ونؤمن منها معيشتنا، ومعظمنا ترك محلاته التجارية ومصالحه هرباً من القصف الجنوني علي قريتنا كرناز، وهناك من يضطر للمخاطرة والذهاب الى القرية أملاً في إخراج بعض من أثاث بيته ومن ثم بيعه ليؤمن ما يمكن تأمينه من نواقص غفلت عنها جميع المنظمات، باستثناء بعض الخبز وصهاريج المياه، التي يقدموها لنا مقابل مبالغ أقل مما هو سعرها في الأسواق.
بعيون يملأها القهر يضع الحاج أبو خالد يده على خدّه أمام خيمته، وهو يعاني المرض منذ سنوات، ويرفق كلماته صعبة النطق بإشارات من يداه، ليقول: (اجوا وراحوا وما يقدموا شي)، طلبت منهم دواء منذ شهر ولم أحصل عليه، يتحدثون عن مساعدات للنازحين، ولم نر شيئاً، انظروا كيف نعيش، أين هي المساعدات المنظمات؟.
طفولة بين الخيام:
الأطفال حرموا من اللعب، ومن طفولتهم، وحرموا حتى من حقهم في أبسط أسباب العيش كأطفال، الطفلة لمياء ولدت قبل نزوح أهلها إلى المخيم بسنة ونصف، وهي لا تذكر شيئا عن موطنها، ولا تعرف شيئاً عن الأراجيح ولا ألعاب الأطفال، عاشت طفولتها هنا بين الصخور وبين خيام عهدتها هي الوطن، ترعرعت ضمن هذه الظروف الصعبة القاسية، ولا تعرف عن اللعب سوى رمي الأحجار على الطريق لتصيب قطتها التي نشأت معها.
خيمة تعليمية ودورة محو أمية:
علي يوسف طه، رئيس المجلس المحلي لقرية أم الصير يقول في حديث لـ “زيتون”: بدأت حركة النزوح إلى القرية منذ أربع سنوات ووصل عدد المخيمات الآن الى أربع مخيمات موزعة في أطراف القرية، ووصل عدد النازحين إلى 1600 شخص معظمهم من ريف حماة الشمالي، وغالبيتهم من النساء والأطفال، والمجلس لا يملك إمكانيات كافية لسد رمق اللاجئين وأعدادهم المتزايدة.
وأضاف: هناك بعض المنظمات قامت بتأمين مادة الخبز بسعر رمزي يصل الى 100 ليرة للربطة، كما قامت منظمة أخرى بتأمين المياه بمعدل 20 لتر لكل شخص في اليوم الواحد مجاناً، كذلك هناك منظمات قدمت بعض الإغاثات الغذائية ولكنها غير كافية على الإطلاق حيث يضطر بعض سكان المخيم لبيع سللهم الإغاثية لتأمين احتياجات أخرى، وقد خاطبنا عدة منظمات إغاثية للمساعدة في تأمين الاحتياجات المتزايدة للنازحين. فقدمت إلينا أحد المنظمات خياماً منذ أربع سنوات إلا أنها باتت قديمة وممزقة.
وقام المجلس المحلي مؤخر بالتعاون مع مؤسسة أفكار بافتتاح خيمة تعليمية يتجمع فيها طلاب المخيمات الأربعة وبحسب على طه رئيس المجلس تطور هذا المشروع إلى بناء غرفة من الاسمنت لتفتتح كمدرسة تعليمية تم توظيف عدد من الآنسات فيها، كما تم افتتاح دورة لمحو الأمية شملت سكان القرية وسكان المخيم.