الإرهاب لا دين له، وهو موجود بالفعل وحقيقي ويمارس على مدار الساعة في كل أصقاع الأرض، لكن الاجتهاد سيكون على سبب كون السمة الإسلامية هي الغالبة لدى الدوائر الغربية بالعموم، والأمريكية منها على وجه الخصوص، كذلك آليات المواجهة المتّبعة على هذا الأساس.
مع الإشارة إلى أن الأنظمة الاستبدادية، واللاديمقراطية –وحتى التي توصف بالديمقراطية- في منطقتنا العربية، تسير جميعها في نفس الركب، بقصد أو من دونه.
(بداية وتجنبا لأي سوء فهم، موضوعي لا علاقة له بالدين كمعتقد محدد لبشر معينين، من حيث المبدأ. خاصة في هذا الوقت المزدحم بشعارات ومقولات عدائية وملتبسة، في/ومن كل الاتجاهات).
الظاهرة التي تشغل بال العالم اليوم، والتي طغت على كل ما عداها، هي ما يُعرف بإرهاب تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، والذي خرج عن بيت الطاعة لتنظيم القاعدة، وزايد عليها في فكره التكفيري، وفاقها بأشواط في سلوكه وتعبيره عن الغضب والعنف الوحشيين ضد كل من هو خارج «تنظيم الدولة» فكرا وانتماء، بلا أي وازع إنساني أو ديني.
طبعا موضوعة التطرف والإرهاب بكل صنوفه ومشاربه هي حاضرة لدى أغلب دول وحكومات العالم، بشرقه وغربه على السواء، دراسة وبحثا ومكافحة.
لكن إرهاب «تنظيم الدولة» فرض نفسه على قائمة المجابهة المباشرة والملحة ضد الجميع. وهذا ما استدعى تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربته، في «عقر داره» وفي العالم أجمع.
(مع الاحتفاظ بنقد الفهم الأمريكي المبتسر والانتقائي، ولسلوك «راعي البقر» المتراوح بين الشدة الهوجاء والرخاوة المشبوهة، لآليات المواجهة مع هذا التنظيم الإرهابي، بل مع كل ظاهرة الإرهاب على وجه العموم).
هنا كلام لن يرضي الكثيرين على ما أعتقد، قد أخطئ وقد أصيب، لكنها قراءتي للأمر في كل الأحوال.
المشهد هو كذلك: الذين يصنفون اليوم بأنهم إرهابيون، هم في أغلبيتهم المطلقة من المسلمين، ومن السنّة تحديدا. كون الذين قاموا بالأعمال الإرهابية ضد الغربيين عموما، وضد الأمريكيين على وجه الخصوص، كانوا من المسلمين السنّة. هكذا بكل بساطة، وبعيدا عن عقلية المؤامرة والتخطيط المسبق من قبل الأمريكيين الكفار والغرب المسيحي المنحلّ.
طبعا هذا التفسير البسيط لن يرضي الكثيرين، بل ربما لن يرضي الغالبية من المهتمين بهذا الشأن. وهذا من حقهم. مع الإشارة إلى أننا لا نغفل دور مصالح الدول بالعموم -والولايات المتحدة على الخصوص-ولا دور أجهزتها الأمنية في رعاية وتغذية مثل هكذا ظواهر متطرفة في لحظة تاريخية معينة-فكرا وتنظيما وارهابا لأهداف خبيثة من طالبان الإسلامية «السنّية» إلى بعض الحركات اليسارية الماركسية المسلحة في أمريكا اللاتينية، لكنه ليس موضوعنا هنا.
(طبعا هؤلاء الارهابيون الذين ينتمون إلى مذهب «السنّة» أرهبوا وقتلوا من الجميع، جميع من يخالفهم الرأي والسلوك، والملفت أن نصيب أبناء السنّة من أعمالهم الإرهابية هو الأكبر من غير شك. دون الدخول في لعبة التفسير المؤامراتي -ولا أقول المخابراتي!-لهذا الأمر).
بكل بساطة، لقد صادف أن مرتكبي أحداث أيلول هم مسلمون ومن السنّة تحديدا (طبعا لهذا الأمر أساب كثيرة وتفاسير مختلفة، لكن دون الخوض فيه هنا، ولا تبريره أو قبوله) وقبلهم كانت قد وقعت حوادث إرهابية ضد الأمريكيين، في كينيا ونيروبي والصومال الخ، جميع الفاعلين كانوا من المسلمين السنّة.
إذا، قبل وبعد أحداث أيلول 2001 –ضمنا تفجيرات مدريد ولندن الخ- من يغطي المشهد الإرهابي العالمي، بغالبيته المطلقة، هم من المسلمين السنّة. بينما لم يبرز الإرهاب الشيعي-كظاهرة منظمة وموجهة وملموسة عالميا-على السطح إلّا مؤخرا وحديثا، خاصة خلال الثورة السورية-دون نسيان أعراضها الملموسة في الحرب الأهلية العراقية 2006-2007-. فيما ممارسو الإرهاب من مختلف القوميات والديانات والاثنيات الأخرى، لا يقارن في الحقل العالمي.
من هنا أصبح لدى المواطن الأمريكي (وبدرجة أقل الأوروبي) مركّب نفسي-عقلي، ضد هذا المسلم «السنّي» الذي لمس منه الأذى المباشر، وهو أذى حقيقي وملموس.
نعم يوصف السلوك الأمريكي في العديد من الأحيان بأنه وحشي وبربري! في الواقع، هذا الوصف لا يخلو من وجاهة في العديد من التدخلات العسكرية، على ما شاهدنا في أكثر من مكان.
لكن ليس كل الأمريكيين مهتمين، أو مستعدين للتفكر في أسباب هذه المواقف الكارهة لهم، أو حتى الاعتداء عليهم داخل بلدهم أو خارجه، وربطه بخطأ السلوك السياسي والعسكري لقيادتهم التي تتحكم بصنع القرار، مع آلة إعلامية جبارة مؤثرة في رأيه العام.
(كان لافتا السؤال الاستفهامي المستنكر الذي درج على ألسنة أغلب الأمريكيين: «لماذا يكرهوننا؟!» عقب هجمات أيلول الإرهابية 2001).
يجب معرفة أن الأمريكي لا يميز بين فرق ومذاهب المسلمين، ليس لأنه لا يعرفها فحسب، بل لا يهمه أن يعرفها أصلاً ولا يعنيه الأمر، فاهتماماته ومشاغله في مكان آخر، باستثناء قلّة مهتمة لأسباب ودوافع متنوعة وعديدة.
(في موضوعنا هذا، لا ندخل إرهاب الدول في التحليل).
والرأي الذي يقول بخلق حالة من التوازن السنّي الشيعي، هو رأي حديث جدا، ومحدود جدا، ولا ينبغي البناء عليه باعتباره « سياسة استراتيجية أمريكية» متبناة -فضلا عن اعتباره رؤية غربية-. فهذا الرأي لا يزال يتفاعل، طبعا لا شيء يمنع من أن يتطور إلى قناعة لدى صانع القرار الأمريكي، كما لدى الرأي العام الأمريكي بعمومه. لكنه يحتاج لعمل فكري ودعاوي أعمق وأطول مدى مما يجري الآن، حيث الصراع الميداني على الأرض ضد الخطر الداهم المتمثل بإرهاب تنظيم «الدولة الإسلامية» وبالحسابات السياسية الراهنة المتعلقة به، هي الحكم أولاً.
تجدر الإشارة إلى إن سلوك الاستخفاف بالآخرين من منطلق القوة والغطرسة الأمريكيين، أمر علينا أخذه بالحسبان في رفع منسوب العداء والرفض إلى حدود الانتقام من قبل التيار السني عموما، والسلفي الجهادي خصوصا مع إمكانية سحب هذا الموقف العدائي على آخرين من أديان وأعراق أخرى، لكن مع فارق مهم كما ونوعا.
(وهذا تناول ظاهراتي للموضوع أمّا على صعيد السيسيولوجيا، فالأمر أعقد من ذلك، وأعمق أثرا).
مروان محمد