يحرص المبدعون من الكتّاب والشعراء والفنانين التشكيليين على تعدد وتنوع المواضيع التي يتعاطون معها في انتاجهم وابداعاتهم , حتى لايكونوا في موضع اتهام بالنمطيّة الواحدة أوالتكرار في معالجاتهم , لذلك نجدهم ينتقلون بين المديح والهجاء أو يسرحون مابين الفرح والأحزان. . أو بين الأمل والتشاؤم.
لكننا نجد انّ لوحات الفنان التشكيلي صفوان داحول تنهج وتسير في طريق واحد , ولاتستطيع التّحرر فيه من مسحة الحزن الدائمة والمرافقة لعناصر لوحاته التي غالبا ماتجمع بين امرأتين متناسختين , ومتشابهتين ومتجهتين بإتجاه واحد وبألوان شاحبة مسطّحة , تخلو من العمق والبعد الثالث في اللوحة حتى لنظن من الوهلة الأولى بأنّ اللّوحة مشغولة بطريقة تلصيق المسطّحات اللّونية من الورق .
لذلك نجد أنّ نظر المشاهد يصطدم فوراً بسطح اللّوحة الأملـس , وكأنه ينظر في مرآةٍ عاكسةٍ قريبةٍ منه ومواجهة اليهِ , فتنبهه أولاً ومن ثمّ تحضّه على التمعن والتفكير.
والسؤال: ماذا أراد الفنان صفوان داحول أن يقول.
لقد امتازت معظم أعماله الفنيّة بالملامح الفرعونية , واختار تنفيذها بشكل جانبي وباتجاه واحد نحو اليمين , ولشدة التشابه في أشخاصه , أصبحنا نظن أنّه يرسم من « موديل « واحدٍ , يجلس أمامه دائماً. لكننا عرفنا فيما بعد بأنّ ذلك الموديل , إنما هو من الخيال الذي لم يفارقه حتى بعد وفاة الزوجة التي واكب هـو مرضها الطويل واعتبرها مهبط إلهامه المتكرر مضيفاً لها مسحة الحزن الأبدية.
إنّ الألوان الرّمادية المختلطة بقليل من الأصفر , لتكاد تذكّرنا بمرحلةٍ معيّنةٍ من مسيرة الفنّان لؤي كيالي التي عانى منها بظروفٍ مشابهةٍ لما يعانيه صفوان داحول من مرارة المحيط السّياسي والاجتماعي الذي مرّ على شعبنا السوري إثر هزيمة حزيران عام 1967 . اذ أنّ الفنّان وليد مجتمعه يواكب أفراحه وأحزانه , لذلك نجد الفنان صفوان داحول يغادر البلاد السورية منذ بداية الثورة الشعبية مؤخرا وهو يقول:
«إنّ مايحدث في سورية على كافة المستويات يدعونا للإحباط , وانّ الهجرة أو متابعة مايحدث قد شتت الأفكار ولم يعد المنتج الفني يحمل شكلاً محدداً بل متناقضاً ليقف الإنسان مذهولا مما يحدث في سورية».
لقد امتازت لوحات الفنان صفوان داحول بمساحاتها الكبيرة , لذلك أصبحنا نجدها في صدارة الصالات وعلى الرغم من اختصار عناصر اللوحة إلاّ أنها قد أُعـدّت بعناية هندسية مدروسة، معتمدة على بناء متمكن في الرسم وعلى تركيز لافت على التوازن في مكونات اللوحة , لدرجةٍ أنّنا نشعر بضيق في تكويناتها على الرغم من المساحة الواسعة المخصصة لعناصرها.
وهذا مانلمسه بوضوح في سلسلة اللّوحات التي ينطوي فيها الجسم النسائيّ المتكوّر وينحشر على أريكة ضيّقة أو على كرسي متواضع من الخشب.
ولعله هنا يريد تصوير الجسم عند الألم ومواصلة الأوجاع التي رافقت الزوجة لفترة طويلة.
وهذا الوضع ربما كان يريد ان يعوّضه في رسم وتشكيل أصابع اليدين التي تفرّد في رسمها عندما لجأ للمبالغة في استطالة سلامياتها وكأنها تستجدي العون، أو لتكون لها بارقة أمل تستجدي المساعدة في الارتقاء نحو برزخ مجهول أو نحو السماء العالية.
وقد تذكرنا حركة تلك الأصابع الرشيقة بما نشاهده في الأيقونات القديمة للسيد المسيح وأمه العذراء المنتشرة في معظم الكنائس، ولعلها حركة توحي للمباركة واستجداء الرحمة للمرضى الصابرين، وغير بعيد عن ذلك نجده قد أضاف أجنحة رمزية أحيانا خلف الكتفين تيمّناً برمز الملائكة التي تحوف جسم الإنسان وتحميه.
لقد اعتاد الفنان صفوان داحول على ارتجال اللوحة دون الإعداد المكتمل لموضوعه، فهو حسب قوله يبدأ بعنصر لايتجاوز البداية البسيطة للوحة، ويستمر بتكوين لوحته حتى النهاية. . غير معتمد على الذاكرة السالفة وما تكتنزه وتحتويه، وانما يرسم الذاكرة ذاتها.
لاغرابة بعد كل ذلك إن كان قد اختزل ألوانه واختصرها بالرماديّات الشاحبة والمظلّـلة بالأصفر، فهو إنسان حسّاس، ولد في مدينة حماة عام 1961 واعتصرت نفسه معاناة الأهل والبلد بعد الثمانينيات من القرن الماضي والتي خلّفت المصائب والمآسي على معظم البلاد والعباد حتى غادرها بعد ثورة الحراك الشعبي قبل سنوات تاركاً موقعه كدكتور في كلية الفنون الجميلة بدمشق قائلا:
« مايجري اليوم في سورية هو اغتيال لكل ماهو انساني، ولايزال هناك أكثر من مليون طفل سوري في العراء. . ومازالوا يحلمون بالعودة الى بيوتهم ومدارسهم».
عبد الرزاق كنجو