أنت تكبرني بسنين وقد أكون أصغر منك بأشهر والاختلاف بين حيثيّات المكان الذي ولد كلّ منّا فيه كثيرة، لون بشرتك يختلف عن لون بشرتي، وقامتك تزيد أو تنقص عن قامتي، وباختصار لاشيء في ميزاتك الشخصيّة يشبهني وإن تقاطعت بعض الحروف من اسمك مع حروف اسمي.
أمّي هادئة المزاج ولدتني قبل التسعة أشهر، وحسبها ونسبها يختلف عن نسب أمّك، والدي قصير القامة وهو شبه أمّيّ، ويكسب قوته من عمله اليوميّ وهو من عائلة صغيرة لاتدين بدين والدك الذي يزيده طولاً ووسامة، وينتمي لقبيلة كبيرة ومعروفة ولديها شجرة عائلة وأصل وفصل وميسورة على الصعيد الماديّ.
لاأعرف أحداً من أجدادي فقد توفّوا جميعهم قبل أن أرى النور، لم أكن يوماً متعصباً لأسرة أو عائلة أو قبيلة، شاءت الظروف أن يكون تحصيلك العلميّ أعلى من تحصيلي، فقد كنت مصرّاً حتّى أثناء السنة الدراسيّة أن أتخلّى عن المدرسة لبعض الوقت من أجل أن أعيل أسرتي وأعتقد كذلك أنّك تفوقني ذكاء، من ناحيتي ما زلت أعتبر أنّ القراءة مهمّة بالنسبة لتوازني على المستوى الشخصيّ، ولا أعرف إن كنت تشاركني رأيّ هذا، أم أنّك رجل عمليّ وواقعيّ لاتكترث كثيراً بأحلام الرومنسيّين.
أنت تستمتع بالموسيقى الغربيّة الكلاسيكيّة، أمّا أنا فأسمع العتابا وأستمتع بها وأعشق الشعر بشقّيه القديم والحديث أكثر ممّا تتصوّر، معلوماتي في التشكيل ومدارسه قليلة نسبيّاً. ماترتديه من ثياب لا يروق لي أبداً وأعرف أنّك أنت كذلك، ذوقي فيما استسيغه من المأكولات يختلف عن ذوقك ويتقاطع معه أحياناً، همومك على الصعيد الشخصيّ بعيدة كلّ البعد عن همومي، فأنا ليس لديّ أي رغبة في أنّ أتعاطى مع الشأن السياسيّ، وأمقت الأحزاب وبرامجها ومكائدها وانتخاباتها، إن كانت مزوّرة أو غير ذلك أكتفي بالموجز من نشرات الأخبار، أمقت القمع والاستبداد وروحي مجبولة بالحريّة أحيا كما كلّ أهلي وناسي، أتألّم لألمهم وأفرح لفرحهم. باختصار تهمّني كثيراً قضيّة الوطن والناس ولا أفلسف هذه الأمور ولا أنظر لها كثيراً وأشهد أنّك رجل سياسة محنّك ولا أحسدك على ذلك، ليس لديّ أيّ طموح على الصعيد الماديّ سوى أن أعيش مستور الحال، وهنيئاً لك على ثروتك إن ورثتها أو جمعتها من تجارتك.
أنا أصدّق كلّ ادّعائك بأنّك تعمل ليل نهار من أجل خدمة الشعب والوطن، ولا أتّفق معك باتهام خصومك السياسيّين بأنّهم ليسوا وطنيين وأنّ الوطن والشعب لايعنيهم بشيء.
لا أدّعي صحّة موقفي من التراث بالمطلق، وكذلك أنظر لموقفك فقد يكون أحدنا أو كلانا متطرّف إن كان يميناً أو يساراً.
أحياناً أشعر أنّني شخص ماضويّ على الصعيد الشخصيّ، فالحنين يشدّني دائماً إلى مكانيَ الأوّل وناسه، وفي الوقت ذاته أتعامل بحبّ مع كلّ جديد وأؤمن كثيراً بالمستقبل لاأعرف إلى أيّ حدّ تماثلني في تطلّعاتي هذه، ولا يهمّني كثيراً إن اتّفقنا في القليل أو الكثير من الرؤى لا أدّعي أنّني أملك الحقيقة في أيّ من المعارف واستهجن كلّ من يدّعي ذلك، أستغرب كثيراً ممّن يكون حقده أو انتقامه صفريّ، أنظر بعين الشفقة إلى تنازع البشر فيما بينهم من أجل مصالح ضيّقة أو لخلاف في الرؤى والأفكار.
أقرّ بأنّني حالم ورومانسيّ وموزّع مابين الواقع والخيال وأحسدك على واقعيّتك وحسن تدبيرك. أعشق البادية وصمتها وأعرف أنّك تكرهها وتعشق البحر.
أحبّ أن أستمع أكثر من أن أتكلّم، ولا أعترض على هزرك وكثرة كلامك، ولا أخفيك أنّني قد أجاملك أحياناً في اليوميّ والعاديّ من الأمور، ولكن بالنسبة للمواقف الفكريّة الجادّة فقد أختلفت وإياك عدّة من مرّات، ولكنّني دائماً أحترم لك قناعتك.
أكره السخرية والتندّر بالآخرين وخاصّة الضعفاء والبسطاء وأعرف أنّك كذلك مهما حاولت واستفضت في تعدّد ما نجتمع وما نختلف عليه ولو في الظاهر فقط، فلن أستطيع، فما بالك بما هو غير ظاهر؟ بما هو كامن في الأعمق من النفس وما تنطوي عليه من تناقضات وعقد وأمراض، ولو امتلك كلانا الجرأة وأفصحنا عنها لقامت الدنيا فيما بيننا وعلينا ولم تقعد، ومع ذلك فأنا أرى أنّ ذلك من طبائع الأمور وقناعتي الراسخة أنّ الحياة أسّها وأساسها وجوهر جوهرتها التناقض والاختلاف، حتّى بين الجمادات فلا شجرة ولا حجرة ولا ذرّة تراب تتطابق مع أخرى، فما بالك بعقول وأنفس وأرواح تكوّنت أحاسيسها ومشاعرها في شروط مختلفة في الزمكان، فالكائن ابن شرطه إضافة إلى تمايز المصالح والأهدف فيما بعد.
وسواء آمنت بما أورده من بعض الاختلافات والخلافات بيننا أم لم تؤمن فيدي ممدودة إليك وألتمس منك إن تمدّ يدك، وأكثر من ذلك أعلن أنّني مستعد لإسقاط الكثير من المختلف عليه بيننا علّنا نلتقي في وسط الطريق، وإن شئت في الثلث أو الربع الأقرب إليك لنبني وطناً وإن لم تقبل دعوتي فاعذرني لأنّني مضطرّ أن أخرج عن هدوئي وأمزّق صمتي وأعلن بكل وضوح وجرأة وعلى الملأ أنّه في إقصائك لمن سواك تتحمّل مسؤوليّة لا تقلّ عن مسؤوليّة عصابات الطغاة في كلّ هذا القتل والخراب والدمار، ومن يساهم في تخريب الوطن ولا يعبأ بناسه، وكن على يقين أنّك لن تستطيع أن تبني وطناً أنت وقبيلتك وستظلّ مقيّد بقيود القبيلة مهما كان اسمها ودينها ولونها وعرقها، وستظلّ مستعبداً لقبيلتك وشيخها وأعرافها ولن تعرف طعم الحريّة.
أسعد شلاش