بعد خمسة أشهر من سيطرة القوات الكردية المتمثلة ب «البي واي دي» الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني في سوريا و «البشمركة» قوات حماية اقليم كردستان في العراق وقوات من الجيش السوري الحر على مدينة عين العرب «كوباني» الحدودية مع تركيا بعد معارك سرشة جدا استمرت لأسابيع قام خلالها التحالف العربي الغربي بعمليات قصف مكثفة على المدينة ومحيطها استهدفت مواقع تنظيم الدولة وخطوط امداده بناءً على احداثيات قدمتها لهم الوحدات الكردية عن مواقع التنظيم في المنطقة.
انسحب التنظيم من المدينة مهزوماً تاركاً خلفه عشرات القتلى من المهاجرين وقوات النخبة لديه جراء قصف التحالف كما خسر المئات من القرى الواقعة في محيط المدينة خلال أسابيع قليلة.
قام تنظيم الدولة الاسلامية بتاريخ 24-6-2015 ببدء هجوم تكتيكي نوعي على مدينة عين العرب «كوباني» حيث قام التنظيم بادخال مجموعتين رئيسيتين من مقاتليه الى مدينة عين العرب معتمدا أساليب التمويه، توجه الرتل الأول من مدينة «جرابلس» غرب شمال حلب و قام بإلباس عناصره لباس المقاتلين الأكراد «بي واي دي» ورفع أعلام الحزب على سياراته وحلق ذقونهم وتوجهوا الى المدينة حيث استطاعو الدخول عبر إيهام الحواجز في المنطقة أنهم من الأحزاب الكردية، والقضاء على الحواجز الأخرى التي كشفت حقيقتهم.
فيما توجه الرتل الأخر من ريف «تل أبيض» شمال الرقة باتجاه عين العرب حيث قام عناصر التنظيم بالتنكر بزي شبيه بزي الجيش الحر في المنطقة واستطاع الدخول الى المدينة، فيما وردت معلومات أخرى عن دخول عناصر التنيظم الى مدينة كوباني عبر تنكرهم بأزياء مدنيين أكراد (تم تهجيرهم من مدينة الرقة مؤخرا) واستطاعوا الدخول للمدينة بواسطة هذا التمويه ويجب التنويه الى أن التنظيم يملك اعداد كبيرة من مقاتلين أكراد يتكلمون الكردية مما سهل عليهم هذه العملية وخداع الحواجز في المدينة.
بعد دخول هاتين المجموعتين الى مدينة كوباني قام النظيم بتفجير عدة سيارات مفخخة في المدينة استهدفت معبر «مرشد بينار» مع تركيا وعدة مناطق حيوية في المدينة وأبنية تتحصن فيها الوحدات الكردية، في حين انتشرت سيارات التنظيم في المدينة وقامت بعمليات اطلاق نار عشوائي باتجاه أي شخص يتم مشاهدته في الشوارع في حين تمركز قناصو التنظيم على أكثر الأبنية الحيوية واستطاعوا شل حركة الوحدات الكردية.
أدت العملية الى مقتل واصابة المئات من المدنيين حيث قدرت الأعداد الأولية بألف جريح وقتيل في المدينة ومحيطها,كما نزح من استطاع الى المناطق الغربية من المدينة في حين تمترس من بقي في منزله خوفا من الخروج والموت قنصا على أيدي مقاتلي التنظيم.
وتمركز عناصر التنظيم في عدة أبينة حيوية منها «مشفى النور-مدرسة البنين-بناء على طريق حلنج كوباني-المركز الثقافي» وفتح ثقوب في جدرانها لعمليات القنص والاشتباك القريب بما ينبئ بوجود ذخائر ومؤنة تكفي التنظيم، ومع تقدم قوات أخرى للتنظيم في ريف عين العرب باتجاه المدينة، واستمرت المعارك وحالات تبادل اطلاق النار بين الوحدات الكردية ومقاتلي التنظيم حتى اليوم التالي، والذي انتهى بمقتل كل انغماسي التنظيم، وأسر مقاتل منهم من جنسية عربية، لينكشف بعدها هول المجزرة التي ارتكبها التنظيم، والتي راح ضحيتها اكثر من 228 شهيداً ومئات الجرحى من المدنيين، وسط تكتم كبير عن خسائر الوحدات الكردية، والتي أستهدف احد مقارها بسيارة مفخخة بالقرب من المعبر الحدودي مع تركيا والذي يسمى مرشد بينار.
قوة اختراق من التنظيم وضعف أمني من الوحدات
أثبت تنظيم الدولة مقدرته على العودة الى أي منطقة يخسرها، ضمن عمل انغماسي مخابراتي بحت، كيف لا وهو الذي استطاع اختراق التشديد الأمني لبعض الدول وتنفيذ عمليات في داخلها، كان أخرها كل من دولتي تونس والكويت، مستفيداً من خبرته السابقة التي اكتسبها من حروبه في العراق ضد القوات الأمريكية، ومن بعدها ضد القوات الحكومية العراقية، وهي خبرة ورثها تنظيم الدولة من تنظيم القاعدة الذي كان يقوده أسامة بن لادن.
وفي المقابل، أظهر الهجوم الأخير القوات الكردية ضعيفة جداً على حفظ أمن واستقرار المناطق التي تسيطر عليها، وذلك بسبب ضخامة الهجوم، وكشف افتقارها الى عناصر كافية لتغطية كل المساحات التي بينها وبين التنظيم، الذي استفاد من تلك المساحات لإدخال المقاتلين والسيارات المفخخة.
يضاف الى أسباب نجاح التنظيم انشغال العناصر الكردية بالسيطرة على مدينة تل أبيض وبلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، والحالمين بوصولهم الى مدينة الرقة، معقل التنظيم وعاصمته الكبرى.
ومن المؤكد أنه لولا ضربات التحالف، الذي يقصف التنظيم بكثافة في المناطق التي تتوجه اليها تلك الوحدات ما كانت لتصل الى ما وصلت اليه ما يجعل التنظيم ينسحب دون أي اشتباكات مثلما حصل في مدينة تل ابيض بريف الرقة الشمالي.
التنظيم يخسر مدينة تل أبيض وبلدة بريف الرقة
وكانت وحدات حماية الشعب الكردي مدعومة بغرفة عمليات الفرات و طائرات التحالف العربي الدولي، قد نجحت في بسط سيطرتها فجر يوم الثلاثاء 16 من الشهر المنصرم، على مدينة تل أبيض الاستراتيجية على الحدود السورية التركية بريف محافظة الرقة الشمالي، و ذلك بعد انسحاب مقاتلي التنظيم منها، بعد تلقيهم ضربات مكثفة من طائرات التحالف، وتعد خسارة تل أبيض ضربة قوية للتنظيم لاسيما وأن المدينة شكلت طريقا رئيسا للإمدادات ونقل المقاتلين والأسلحة الى مدينة الرقة الواقعة على بعد حوالي ثمانين كيلومترا، بالتزامن أيضا مع خسارته للواء 93 قرب بلدة عين عيسى، والتي لا زال التنظيم يقاوم ببعض مناطقها.
وبعد خسارة التنظيم لتلك المساحات الواسعة بسرعة كبيرة، ظهر تخوف كبير لدى أهالي مدينة الرقة، من تقدم القوات الكردية وتنفيذها عمليات انتقام وتهجير وتطهير للمدينة، خصوصاً بعد الأنباء الواردة عن قيام القوات الكردية بتهجير العرب من المناطق التي يسيطرون عليها، وتهجير التنظيم للكرد من مدينة الرقة، كما قام التنظيم مؤخراً بنقل عوائل قياديه الكبار الى مناطق سيطرته في ريف حلب الجنوبي الشرقي، والذي يعتبر الملاذ الأمن للتنظيم، والذي يخضع لاتفاق ضمني بين النظام السوري والتنظيم، باستبعاده من أي عمليات قصف أو اشتباكات من الطرفين.
محمد علاء